رغم كل ما نعيشه من ضغوط حياتية تطال الجميع بلا استثناء تظل مشاهد العيد في الشوارع والأسواق وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد شيئاً واحداً : أن الناس لا تزال تُصرّ على الفرح ، هذا الإصرار في حد ذاته موقف مقاومة ، نعم مقاومة ، فأن يحتفظ الإنسان بحقه في الفرح وسط هذا الزخم من الأعباء اليومية، وأن يقرر أن يسافر ولو ليوم، أو يشتري لبساً جديداً لأطفاله، أو يخرج مع أسرته إلى مكان بسيط، فهذا ليس ترفاً، بل حاجة نفسية واجتماعية كامنة. اللافت في الأمر أن ضغوط الحياة لم تلغ بهجة الاحتفال، بل غيّرت ملامحها و تغيّرت الأولويات، حيث لم تعد المظاهر الباذخة هي ما تصنع فرحة العيد ، فالكثيرون باتوا يفضّلون السفر إلى أماكن أقل تكلفة، أو الاستمتاع بأجواء عائلية دافئة في المنازل بدلاً من الذهاب الى الفنادق والمطاعم ، بعضهم يُقيم "عزومة" بسيطة في البيت، وآخرون يكتفون بنزهة على الكورنيش أو في حديقة عامة. ومع ذلك، لا تغيب الضحكات عن الوجوه، وتُلتقط الصور لتوثيق لحظات السعادة، وكأنهم يعلنون بإصرار : " لن ندع الضيق يسرق منا حقنا في الفرح " ، من المثير للتأمل أن الفرح أصبح عند البعض شكلًا من أشكال التحدي الاجتماعي ، فرغم إدراكهم لضغوط الحياة يرفضون التخلي عن الاحتفال بالمناسبات فالاحتفال بالنسبة لهم لم يعد رفاهية، بل ضرورة إنسانية تمنحهم شعورًا بالتوازن والاستمرار وسط صعوبات الحياة. وهنا تكمن المفارقة : في الوقت الذى يفترض فيه أن الناس تتراجع عن العادات الترفيهية، نجدهم متمسكين بها أكثر من أي وقت مضى ، هل هو نوع من الرفض؟ الإجابة ..ربما أم هو تشبث بالحياة؟ . لكن ما لا يجب أن نغفله أن هذه الروح فيها قدر كبير من القوة والتحدي ، فالغالبية اعتادت أن تصنع من اللاشيء فرحًا ، وإذا كنا نريد أن نتحدث بواقعية، نعم، هناك من لا يستطيعون الخروج أو السفر، وهناك من يعيشون العيد كأي يوم عادي نتيجة ضغوط قاهرة، لكن حتى هؤلاء تجدهم يحاولون بزيارة بسيطة، أو لحظة تجمع أن يسرقوا من الواقع لحظة صفا . في نهاية الأمر، ضغوط الحياة ستظل أمر واقع لا مفر منه، لكن العيد يحمل معنى أعمق وأوسع من مجرد القدرة على الضغوط أو الإنفاق ، هو متنفس نفسي يحتاجه الجميع، ولا يرغبون في فقدانه فالمواطنون دوماً لا يطمحون إلى الكثير، بل يتمنون فقط إلى لحظة فرح صافية، يستمتعون بها فى راحة واطمئنان.