ساعات قليلة تفصلنا عن الحدث الأعظم، وخير يوم طلعت عليه الشمس، يوم التوبة والغفران وتوزيع العطايا الربانية على عباده، من مغفرة ورحمة واستجابة وعتق من النار ووعد بالجنة، يوم عرفة، وبجبل عرفات، المشهد تقشعر له الأبدان، المكان واحد، والزى واحد، والهدف واحد، التقرب والتعبد لرب صمد واحد، لا فرق بين فقير وغني، سعيد وشقي، أعجمى او أعرابي. تتعدد الأجناس، وتختلف العرقيات، وتتنوع اللهجات واللغات، وتتباين المشارب والمستويات، لكن بهذا المكان المقدس يذوب الجميع فى بوتقة ايمانية واحدة، تتوالى الهمهمات بالدعوات، وتتفتح وتنغلق الأعين بالدمعات، ويبدأ الحجاج التودد بهادئ الدعوات لرب العباد وسرعان ما تتحول لبكاء مغلف بالصرخات، الكل جاءوا تاركين الدنيا بزخرفها ومفاتنها ساعين لهذا المكان المقفر القاحل المغطى بشمس حارقة، لكنه مفعم بلحظات ايمانية تزلزل كيان الحجاج وتهزهم هزا ليتخلصوا مما فات من ذنوبهم، تعب ونصب ومشقة لكن ما أمتعها من مشقة على قدرها يأتى الثواب، يحدوهم الأمل ان يعودوا من حجهم كيوم ولدتهم أمهاتهم خالين من الذنوب. وهنا تحضرنى مقولة زميل طاف عواصم الدنيا بأسرها مترفا بملذاتها وترفها، يقسم بأنه لو خيّر بين ذلك كله والحج كل عام لاختار الحج بما فيه من مشقة وعناء. كلام وحوارات وأفكار وتعليقات يمكن الإسهاب فى سردها عن الحج، لكن نكتفى اليوم بوصف يوم المشهد العظيم بعرفة لنعاود حديثنا لاحقا ببعض ما يختلج النفس حول الحج. ومن كرم الله وجوده أن رحماته وعطاياه لم يوقفها فقط على حجاجه ووفده بعرفات، لكنها تمتد لجميع العباد والبلاد، فما أحوجنا أن ندعو جميعا فى هذا اليوم لأنفسنا، وأفضل دعاء ان يقينا المولى شر انفسنا وشر الناس، وعندها كثير من الأمانى تتحقق. أما أوطاننا فتحتاج وبحق أن نجد ونجتهد جميعا ونخلص الدعاء ان يحفظ اوطاننا من كيد الكائدين، ويقيها شر أعدائها وشرور المغيبين والمتربصين من أبنائها، وأن يديم على مصر وحدتها واستقرارها وقوتها ومنعتها، اللهم آمين.