من قطاع غزة الذي يشهد حرب إبادة جماعية هى الأكثر بشاعة في التاريخ الحديث ومرورا بسوريا التي تعاني أوضاعًا أمنية هشة تزايدت مع رحيل نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ومرورا بالسودان الذي يشهد حربا أهلية طاحنة لا أمد قريباً لنهايتها، ووصولا إلى ليبيا التي أشتعلت فيها ألسنة اللهب خلال الأسابيع الماضية بعد سنوات من الهدوء الحذر يبقى الجوار المصري ملتهبا من اتجاهات مختلفة إذا جرى إضافة مشكلات الهجرة غير الشرعية والأوضاع غير المستقرة في منطقة شرق المتوسط وكذلك فى البحر الأحمر، ما يشير إلى أن ألاعيب الفوضى تتنقل عبر بقاع جغرافية مختلفة لأهداف لا تخلو من التأثير على الأمن القومي المصري المستقر. ◄ احتمالات التصعيد والوصول لنقطة الصراع الأهلي تبقى قائمة ◄ القاهرة تدعم الحل السياسي التوافقي بما يحقق تطلعات الشعب الليبي ◄ الدولة المصرية محاطة بطوق حزام ناري من عدة جبهات ورغم أن ليبيا لم تكن بمعايير الدولة المستقرة لكنها أيضا لم تصل إلى مرحلة الفوضى الشاملة التى أضحت تهددها الآن فى ظل صراعات الميليشيات المسلحة فى الغرب، وإمكانية وصول ذلك إلى الشرق فى ظل تهديدات وجهها الجيش الوطنى الليبى حال لم تهدأ وتيرة الأوضاع فى العاصمة طرابلس، فى ظل مظاهرات اندلعت خلال الأيام الماضية طالبت بإقالة حكومة الوحدة الوطنية وفى ظل مواقف متعارضة بين أطراف مختلفة جميها تتفق على أن تُعلى من مصالحها الشخصية، وهو ما يخدم أطماعاً أجنبية تؤثر بشكل فاعل فى طبيعة التفاعلات السياسية والأمنية داخل ليبيا. ■ الاوضاع الأمنية في ليبيا ◄ انقسام السلطة يتشابك فى ليبيا خيوط النفوذ المحلي وسط انقسام السلطة بين الشرق والغرب، والتدخلات الدولية المتعثرة لمبادرات الأممالمتحدة، وهو ما يجعل هناك أكثر من سلطة ومؤسسات عديدة موازية تصعب الوصول إلى حلول تضمن سلامة واستقرار ووحدة الأراضى الليبية، لتبقى الأوضاع مفتوحة على احتمالات مختلفة كلما أراد طرف أن يحرك الركود لصالحه، وهى وضعية وصلت إليها ليبيا منذ رحيل نظام معمر القذافى فى العام 2011، وفى ظل الفشل السياسى تصبح الدولة ساحة لصراعات النفوذ الميدانى بين المجموعات المسلحة، وهى صراعات تتجدد مع كل محاولة لإعادة بناء الدولة. وكان هذا الشهر شاهدا على أحد فصول النزاع المستمر على السلطة فى ليبيا منذ سنوات، واندلعت فى طرابلس بداية من مساء الثلاثاء، 12 مايو الجاري، اشتباكات عنيفة بعد اغتيال قائد «جهاز دعم الاستقرار» عبد الغنى الككلى المعروف ب«غنيوة»، وهو قائد بارز لإحدى الفصائل المسلحة فى طرابلس، خلال اجتماع فى مقر «اللواء 444» التابع لوزارة الدفاع فى حكومة الدبيبة. وعبرت الكلمات التى أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى عند لقائه مع كبير مستشارى الرئيس الأمريكى للشئون العربية والشرق أوسطية والشئون الإفريقية مسعد بولس، عن حجم تأثر بمصر بالتطورات فى ليبيا، إذ أكد أن «مصر الأكثر تضرراً من عدم الاستقرار فى ليبيا، والأكثر حرصا على دعم التسوية السياسية المطروحة بالملف الليبي»، وهو الأمر ذاته الذى أكد عليه اللواء حسن رشاد رئيس المخابرات العامة، أثناء لقائه المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، الأسبوع الماضي، مشيرا إلى «دعم مصر الحل الليبى الليبى التوافقى، والحد من التدخلات الخارجية، وبما يحقق تطلعات الشعب الليبى. ◄ دور مصر من جهته، أعرب رئيس مجلس النواب الليبى عن تطلع الشعب الليبى لدفع العملية السياسية، بما يسهم فى استقرار الأوضاع على الساحة الليبية، وأكد عمق العلاقات المصرية الليبية والروابط التاريخية بين البلدين الشقيقين، مشددا على دور مصر فى حلحلة الأزمة الليبية، وحرصها على تحقيق الاستقرار وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، مشيدا بما قامت به مصر من إنجازات فى مجال البنية التحتية والعديد من المشروعات الضخمة، وأكد ضرورة التعاون بين البلدين فى القطاعات التنموية. وقال الخبير فى الشئون الدولية، بشير عبدالفتاح، إن الوضع فى ليبيا لا يبعث على الاطمئنان ووجود التوتر فى الغرب ليس معناه أنه سوف ينحصر هناك، وأن احتمالات التمدد تبقى قائمة فى ظل غياب الرؤية الثاقبة والموحدة نحو الحل السياسى ومع انتشار الميليشيات وارتباط القوى السياسية بها ما يؤدى إلى عسكرة الخلافات السياسية، وهو ما يفتح الباب أمام اندلاع صراعات عسكرية مستمرة وانتقالها لدوائر أخرى، فضلا عن سهولة تأثير التدخلات الخارجية فى ظل البيئة الرخوة، وأوضح أن احتمالات التصعيد والوصول إلى نقطة الصراع الأهلى تبقى قائمة، كما أن نجاح جهود التوصل إلى تهدئة أيضا قائمة، غير أن التصعيد يبدو أكثر وضوحا لأنه لا يوجد خطوات تقود لتوحيد مؤسسات السلطة ووضع دستور حديد والتوافق على اجتماعى تنطلق منه جهود التسوية الساسية، كما أن التدخلات الخارجية المعادية لوحدة ليبيا سوف تكون أكثر شراسة خلال الأيام المقبلة. ◄ انعكاس سلبي وأكد أن أى اضطرابات فى ليبيا والاستمرار فى حالة فشل الدولة واستمرار العسكرة ينعكس سلبا على مصر بصورة أو أخرى، ويكون لديه انعكاس سلبى أيضا على مشاريع التنمية مع وجود حدود شاسعة تصل إلى 1300 كيلو متر وهى تظل فى حالة قلق طالما استمرت الأوضاع بشكل غير مستقر، وهو ما يتطلب تركيز الجهود الأمنية ومواجهة موجات أكثر حدة لتهريب السلاح والعناصر الإرهابية، كما أن انتقال عدوى التوترات من دولة إلى أخرى فى المنطقة أمر يقلق مصر بشدة فضلا عن إمكانية تحول ليبيا لبؤرة لاستقبال الإرهابيين الفارين من سوريا، وشدد على أن فرص إعادة الإعمار فى ليبيا سوف تأخذ فى التراجع أيضا، مع استمرار العمليات المسلحة، وأن كثيرا من المشروعات التنموية التى تشارك فيها مصر هناك بالعمال والشركات والاستثمارات أيضا سوف تتأثر سلبا خلال الفترة المقبلة، ما يجعلنا أمام تأثيرات أمنية واقتصادية فى وقت تسعى فيه مصر لترميم النظام العربى المشترك، ويواجه ذلك بوجود حروب وصراعات على مختلفة الحدود الشرقية والغربية والجنوبية والشمالية فى ظل تزايد تهديدات الهجرة غير الشرعية. وكشف عن وجود حركة لتنقلات التنظيمات الإرهابية بحثا عن بيئة رخوة تعيد فيها انتشارها وقد تكون ليبيا مكانا مناسبا، وهى تعتمد فى ذلك على معلومات استخباراتية تقدم لها النصائح بالتواجد فى مناطق بعينها تكون مثالية لتمركزها فى ظل بيئة أمنية مفككة وأجهزة ليس لديها القدرة على حفظ الأمن بشكل كامل، على أن يتم تزويدها بالمال والسلاح فى ظل حدود ليبيا الرخوة مع السودان، وكذلك الحدود البحرية التى تنشط فيها حركة التهريب وهى مناطق ضيفة الوجود الأمني، مشيرا إلى أن العبء سيكون أكبر على الأجهزة المصرية لتأمين الحدود لتجنب مغبة عودة الخطر الإرهابى من جهة ليبيا والسودان. ◄ اقرأ أيضًا | ليبيا: اندلاع حرائق واسعة في بعض مرتفعات الجبل الأخضر ◄ مشكلتان رئيسيتان وقال المحلل السياسى محمد اليمني، أن مصر عانت كثيرا بسبب الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهما مشكلتان رئيسيتان كانت الأوضاع المضطربة فى ليبيا سببا فيهما فى أعوام 2011، وعند وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلطة فى عام 2014 قبل أن تقضى مصر على خطر الإرهاب وتضيق الخناق على الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن وجود فصائل مسلحة موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة يعد عاملا لعدم الاستقرار، وهى من قادت لاشتعال الأوضاع مؤخرا، مشيرا إلى أن ما يثير الريبة أن الاشتباكات الأخيرة جاءت فى وقت نشرت فيه وسائل إعلام عالمية عن وجود خطط لترحيل مليون فلسطينى من أهالي قطاع غزة إلى ليبيا، وهو ما يشير لوجود رغبة فى إحلال حالة فوضوية قد يتم توظيفها لخدمة مشروعات الشرق الأوسط الكبير، مضيفًا أن الدولة المصرية محاطة بطوق حزام نارى من عدة جبهات فى ليبيا والسودان وقطاع غزة، وهى جميعها ملفات مهمة للأمن القومى المصرى، مشيرا إلى أن الحديث عن توظيف موارد ليبيا لكى تضمن حكومة طرابلس كما هى دون إقالتها يبرهن على الصراع سيكون على أشده فى ظل الرفض الشعبي لاستمرارها. وأكد أن ليبيا تقترب من الدخول فى حرب أهلية إن لم يكن هناك صوت عاقل يمكن أن يقود الأوضاع نحو التهدئة، وأن مقتل الككلى نقطة فارقة فى ظل تصاعد المطالب بإقالة الحكومة بخاصة مع تهديدات اللواء خليفة حفتر بالتدخل حال لم تصل الأوضاع لنقطة الهدوء، مشيرا إلى أن الاضطراب فى ليبيا قد يكون مرتبطا ببحث أطراف خسرت مواقعها فى مناطق صراعات أخرى بالمنطقة ولجأت إلى الأراضى الليبية، مثلما الحال بالنسبة لروسيا التى تبحث عن مواقع انتشار جديدة لها، وأن ما يساعد على ذلك وجود أطماع شخصية من بعض القوى السياسية.