في سجونه المعتمة وفي معسكراته غير الآدمية، لم يكن للاحتلال الإسرائيلي مفرٌ من إيقاع العقاب الجماعي ضد أهل غزة من دون أن يجد نافذةً "غير شرعية" يكسر من خلالها أبواب القانون الدولي والإنساني ويمتطي من خلالها على كل الحقوق الشرعية للأسرى الذين اعتقلهم بالأساس بطرق بعيدة كل البعد عن أي أساليب مشروعة، وفوق كل ذلك قرر أن يعاملهم تحت بند زائف اسمه "مقاتلون غير شرعيين". ظهر مصطلح المقاتلين غير الشرعيين بقوة خلال الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة في أفغانستان عام 2001، وتحديدًا ضد مقاتلي حركة طالبان، وطبقته واشنطن، إبان حقبة جورج دبليو بوش، كذلك في معتقل جوانتانامو "سيء السمعة" ضد من زجت بهم في غيابات هذا المعتقل، لترث إسرائيل إرثًا من ظهيرها في واشنطن إرثًا في كيفية التحايل على القوانين والاتفاقيات الدولية، تحت مسمى "قانون المقاتلين غير الشرعيين". وفي معسكر "سدي تيمان" أذاق الاحتلال الإسرائيلي المعتقلين من غزة العذاب صنوفًا وألوانًا، مثلما فعل في غيره من المعسكرات السرية التي أقامها هناك منذ أن شرع في حربه المدمرة في أرض غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتحت مسمى قانون المقاتلين غير الشرعيين، أراد الاحتلال أن يقفز من فوق جسر اتفاقيات جنيف الأربع، كي يتمكن من إنزال بطشه ضد معتقلي غزة دون رقيبٍ ولا حسيبٍ. اتفاقيات جنيف الأربعة وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949 هي معاهدات دولية انضمت إليها أو صادقت عليها كل دول العالم تقريبًا، وهي تكفل الحماية للجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان، وكذلك الجرحى والمرضى والغرقى من أعضاء القوات المسلحة في البحار، وأسرى الحرب والمدنيين، الذين يجدون أنفسهم تحت ظل حكم أجنبي في حالة نزاع دولي. كما أن هناك مادة مشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع تضمن الحد الأدنى من الحماية لضحايا النزاعات غير الدولية. هذا الأمر ينطبق بشكل تام على معتقلي غزة، الذي يصنف غالبيتهم على أنهم مدنيون، كما أنهم كذلك أسرى حرب سقطوا في قبضة المحتل الأجنبي، وهو الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ عام 1948. إجراء إسرائيلي «غير قانوني» وفي غضون ذلك يقول عبد الناصر فروانة، مدير وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، إن سلطات الاحتلال أعلنت في اليوم الأول لبدء الحرب أنها ستتعامل مع كل من سيتم اعتقاله من قطاع غزة أنهم "مقاتلون غير شرعيين". ويضيف فروانة، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، أن "هذا يعني بموجب القانون المذكور أن هذه الفئة من الأسرى والمعتقَلين الفلسطينيين تقع خارج نطاق اتفاقيتَي جنيف الصادرتين في 12 أغسطس/ آب 1949، وبالتالي، تفقد حقوقها الأساسية ولا تتمتع بأي نوع من الحماية بموجب القانون الدولي". ويؤكد فروانة أن هذا ليس إجراءً قانونيًا، وهو يتعارض بشكل سافر مع القانون الدولي، مشيرًا إلى أن هذه الفئة من الأسرى والمعتقلين تفقد حقوقها الأساسية وفقًا لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة ولا تتمتع بأي نوع من الحماية بموجب القانون الدولي. وحول التحركات التي قامت بها هيئة الأسرى من أجل كشف محاولات الاحتلال القفز على الالتزامات المفروضة عليه تجاه اتفاقيات جنيف، متذرعًا في قانون "المقاتلين غير الشرعيين"، يقول فروانة: "هذا الملف على أجندة هيئة الاسرى والمؤسسات الحقوقية الأخرى، والتي تطرقت مرارًا إلى هذا الموضوع، وعرضت الأمر وتبعاته على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وخاطبت المؤسسات الدولية بهذا الخصوص". ويتابع فروانة أنه "كثيرًا ما سلطت الضوء على ما يتعرض له معتقلي غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول ،2023 وما يعانونه في سجون الاحتلال الإسرائيلي". ويؤكد فروانة أنه لا توجد معلومات حول أعداد معتقلي غزة الحاليين، مستطردًا: "ولكن وفقًا لمعطيات إسرائيلية صدرت قبل فترة فإن عددهم 1846 أسيرًا". اقرأ أيضًا: تحقيق| «ما لا عينٌ رأت».. ماذا يحدث لمعتقلي غزة برواية ناجين من بطش الاحتلال؟ 1847 أسيرًا تحت طاولة القانون ومن جانبه، يقول حسن بكر قنيطة، مدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين في قطاع غزة، إنه "من الواضح أن الاحتلال الذي فاق إجرامه كل منطق وكل قانون دولي وإنساني تحاول سلطاته وحكومته إضفاء نوع من الشرعية وقنونة أساليب قتلها ضمن إطار قانوني ولكن الواقع يكذب أي شرعنة أو محاولة للاحتلال". ويضيف قنيطة، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، "أسلوب الاعتقال المحدث تحت اسم المقاتل غير الشرعي أحد الأساليب لاستكمال جريمة القتل المنظمة ضد الفلسطينيين وضد الغزيين على وجه الخصوص"، متابعًا: "دولة الاحتلال اعتقلت الآلاف، والواضح أن المئات منهم أُعدم وقتلوا خارج نطاق القانون وبشكل ميداني وبطرق ممنهجة تحت ذريعة السابع من أكتوبر". ويواصل قائلًا: "العدد الإجمالي للذين فُرض عليهم ما يُسمى قانون المقاتل غير الشرعي أقل من ألفي أسير، وتحديدًا 1847 أسيرًا. هذا الرقم الذى تم الإفصاح عنه من بين آلاف المعتقلين الذين يخضعون لجريمة الإخفاء القسري"، مضيفًا أن جزءًا كبيرًا منهم تم إعدامهم، "والمعلوم لدينا ما يقارب 44 شهيدًا، آخرهم عمرو عودة البالغ 33 عامًا، والذي أُعدم قبل سبعة عشر شهرًا، وتم الإعلان عن مقتله قبل بضعة أيام فقط". وجه آخر للاعتقال الإداري ويعتبر قنيطة ما يحدث بمثابة جريمة منظمة تُخفي دولة الاحتلال أعدادها الحقيقية، التي يُعتقد أنها أكبر بكثير مما هو معلن عنه، كما أنه يرى أن حكومة الاحتلال تعيش حالة من الشعور بأنها فوق أي قانون، وأنه لم يعد يلزمها اتفاقية جنيف أو غيرها كي تعدل عما ترتكب من جرائم. ويؤكد قائلًا: "معتقلونا إجمالًا يعيشون الفصل الأسوأ من حرب الإبادة حيث الإعدام والقتل والتعذيب ونكران الآدمية عن معتقلينا وتجريدهم من أبسط الحقوق وشرعنه قتلهم وحرق أعمارهم في غياهب القوانين الزائفة، وأبرزها الاعتقال تحت مسمي المقاتل غير الشرعي، وهو الوجه الآخر للاعتقال الإداري، الذي يشكل معتقلوه نصف عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال". والاعتقال الإداري هو أسلوب اعتقال تنتهجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، حيث يتم الزج بالفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي دون توجيه أي تهمٍ لهم لمدة 6 أشهر، ويتم تجديد هذا الاعتقال بشكل دوري كل 6 أشهر إذا ارتأى لإدارة سجون الاحتلال ذلك، دون أن يكون هناك حدٍ أقصى لعملية تجديد هذا الاعتقال. اختراع إسرائيلي أمريكي وتتذرع إسرائيل في قانون المقاتلين غير الشرعيين على غرار ما فعلته الولاياتالمتحدة مع المقاتلين الأفغان قبل نحو ربع قرن، ليكون ذلك بمثابة ستار تُخفي إسرائيل وراءه معالم جرائمها المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين، وتحديدًا معتقلي غزة. وينتقد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، بشدة تطبيق إسرائيل لما يُسمى قانون المقاتلين غير الشرعيين ضد معتقلي غزة، واصفًا إياه بأنه محاولة فاشلة للتنصل من الالتزامات الدولية. ويقول الدكتور مهران، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، إن مصطلح المقاتلين غير الشرعيين غير معترف به في القانون الدولي الإنساني، وهو اختراع إسرائيلي-أمريكي يهدف للتحايل على اتفاقيات جنيف، مضيفًا أن هذا المصطلح ظهر لأول مرة في معتقل جوانتانامو ولم يحصل على أي اعتراف دولي. ويوضح مهران أن القانون الدولي الإنساني يقسم الأشخاص في النزاع المسلح إلى فئتين فقط: مقاتلون وأسرى حرب، أو مدنيون، متابعًا: "لا يوجد تصنيف ثالث يُسمى مقاتلين غير شرعيين، وأي محاولة لخلق هذا التصنيف تعتبر انتهاكًا للقانون الدولي". وضعية معتقلي غزة ويشير أستاذ القانون الدولي إلى أن معتقلي غزة إما مدنيون، وهم الأغلبية الساحقة، وبالتالي يجب الإفراج عنهم فورًا، أو مقاتلون شاركوا في المقاومة ويجب معاملتهم كأسرى حرب وفقًا لاتفاقية جنيف الثالثة. وحول مخالفة هذا القانون لاتفاقيات جنيف، يؤكد مهران أن المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف تضمن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية لجميع الأشخاص، مضيفًا أن إسرائيل تحاول التحايل على هذه الالتزامات بخلق تصنيف وهمي يبرر التعذيب والاعتقال التعسفي. كما يبين مهران أن اتفاقية جنيف الرابعة تحمي المدنيين في الأراضي المحتلة، بينما الثالثة تحمي أسرى الحرب، ولا يمكن لأي قانون محلي أن يلغي هذه الحماية. هدف قانون المقاتلين غير الشرعيين وحول سبب نشأة هذا المصطلح الخاص بقانون المقاتلين غير الشرعيين، يقول الدكتور مهران إن هذا المصطلح ابتكرته إدارة بوش الابن لتبرير انتهاكاتها في معتقل جوانتانامو، ورفضته جميع المحاكم الدولية، مشيرًا إلى أنه حتى المحكمة العليا الأمريكية رفضت هذا التصنيف في قضية حمدان ضد رامسفيلد عام 2006. ويلفت الخبير في القانون الدولي إلى أن الهدف الحقيقي من هذا القانون هو تجريد المعتقلين من حقوقهم الأساسية المكفولة دوليًا، موضحًا أن إسرائيل تريد ممارسة التعذيب والاحتجاز التعسفي دون مساءلة قانونية، باعتبار أن هذا القانون يسمح باحتجاز المعتقلين إلى أجل غير مسمى دون محاكمة، ودون السماح لهم بالاتصال بمحامين أو عائلاتهم، مما يشكل جريمة ضد الإنسانية. وحول الموقف الدولي حيال ذلك، يؤكد مهران أن جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك الصليب الأحمر الدولي، رفضت هذا التصنيف، وحتى حلفاء إسرائيل في أوروبا انتقدوا هذا القانون باعتباره مخالفًا للقانون الدولي.