منذ عشر سنوات تعوّد أحمد عادل - صيدلى - على ارتداء الماركات العالمية، وبات لا يستطيع الاستغناء عنها مهما كان المقابل المادى، يقول الشاب الثلاثينى إن سعر الحذاء قد يكون بنصف راتبى الشهرى تقريبا ومع ذلك لا ألجأ أبدا لتغيير ماركتى المفضلة، التى عرّفنى صديقى عليها منذ سنوات، بالرغم من أن هناك الكثير من المنتجات المحلية قد تكون جيدة الصنع ولكنه التعود. مشكلة عادل حاليا هى زيادة التزاماته بعد الزواج والارتفاع المبالغ فيه لأسعار الماركات العالمية، واتهام زوجته له بالسفه عند شراء الملابس والأحذية بهذه الأسعار، فى حين أن مثيلاتها من المنتجات المحلية بربع السعر ولكنها «عقدة الخواجة» كما يقول. «أواكب الزملاء» ويضيف محمد حجازى 28 سنة ، الذى التحق بعمله فور تخرجه، إنه اضطر لمواكبة زملائه بارتداء الماركات العالمية حتى لا يشعر بالنقص وسطهم، خاصة انهم يقيّمون الأشخاص بمظهرهم ومحل إقامتهم ونوع سيارتهم، ما يضغطه نفسيا، وبات دون أن يشعر ينفق كل ما يحصل عليه من عمله على المظاهر، ويقول: دائما ما أسأل: ماذا عن حياتى المقبلة وسط كل هذا الغلاء والتحديات الاقتصادية التى نواجهها؟ «تفتح الأبواب!» أما سارة منير، وهى فتاة فى منتصف العشرينيات، وتؤكد أن «البراندات تفتح الأبواب»، وتعطى انطباعا لدى الآخرين برقى الشخص الذى يرتديها كما تجعلهم يحترمونه ويحسنون التعامل معه، مشيرة إلى أن الملابس الفاخرة تمنحها ثقة بالنفس. «مجرد تقليد» وتفسر كاريمان محمد - طالبة جامعية - ما يحدث بأن الكثير من الفتيات يلجأن للتقليد، خاصة فى سن صغيرة، وتقول: نظرا لأننى لا أمتلك الإمكانات المادية لمجاراة صديقاتى فى اللبس، فإننى ألجأ أنا وبعض صديقاتى لشراء هذه الملابس التى تحمل الماركة نفسها من وكالة البلح بأقل كثيرا من ثمنها الأصلى. «شعور بالنقص» اما محمود الزهرى 25 عاما، فيرى ان اللهاث وراء ارتداء الماركات العالمية شعور بالنقص وضعف فى الشخصية ومحاولات للتعويض، ظنا بأن هذه الماركات تصنع شخصية قوية وجذابة، ويقول: على قناعة تامة بأن المهم هو شراء المنتج، الذى يناسبنى ويناسب شكلى وشخصيتى وإمكاناتى المادية دون التعرض للإنهاك المادى والنفسى. «عوار نفسى» يقول د. وليد هندى استشارى الصحة النفسية «ان شراء الملابس ذات الماركات العالمية لم يعد فقط لسد الاحتياج، بل تطور الأمر عند بعض الشباب إلى حد الهوس، حتى فى حالة عدم الاحتياج لها او عدم توافق اسعارها مع مستواه الاجتماعي، موضحا ان هوس الشراء للماركات العالمية يوقع الكثيرين فى مصيدة النصب باسم الماركات العالمية المعروضة على صفحات وهمية بأسعار اقل والدفع عن طريق البطاقة البنكية. وأشار استشارى الصحة النفسية إلى أن هذا السلوك له دوافع نفسية ترتبط بإشباع الذات والشعور بمواكبة مجريات المجتمع والسوشيال ميديا، والبعض يسعى دائما للفت الانتباه والتواجد فى دائرة الضوء ويستخدم هذه الوسيلة لإشباع رغبته فى ذلك، والبعض الآخر يفتقد للأمان النفسى ويحاول تعويضه بشراء الملابس باهظة الثمن كحيلة للتخلص من مشاعر القلق وعدم الأمان النفسى والمجتمعى، وبعضهم يعانى من العوار النفسى والنقص ويحاول تعويضه. «مواقع التواصل» واتهم مواقع التواصل الاجتماعى بأنها تلعب دورا كبيرا فى زيادة الهوس لدى الشباب، بوصفها ساحات لاستعراض الموضة، ومنبر لتفاخر المشاهير والمؤثرين بملابسهم، ما يخلق ضغطا على الشباب لمحاولة مجاراتهم، إضافة لاعتماد الشركات العالمية على حملات إعلانية تستهدف الشباب مباشرة مستخدمة نجوم الرياضة والغناء لترويج منتجاتها مما يجعل الماركة جزءا من أسلوب الحياة العصرى، فتحول الأمر لدى الشباب إلى هوس بالماركات وليس مجرد أناقة، وأزمة ثقة بالنفس لدى بعض الشباب ومحاولة لتعويض نقص داخلى أو إثبات الذات أمام الآخرين. «سلوك مستورد» من جانبه، يرى د. عبد الحميد زيد أستاذ الاجتماع «أن الاحتكاك الثقافى بين الشعوب ينشأ عنه اتصال، هذا الاتصال ينقل الثقافات حسب استعداد المجتمعات لتقبل العادات والسلوك، وما سهل ذلك ثورة الاتصال الموجودة، وانماط الاستهلاك كأحد السلوكيات، التى انتشرت مؤخرا وحظيت بقبول كبير لدى المجتمعات النامية التى يستهويها التقليد، وهو سلوك مستورد من مجتمعات مرتفعة ماديا. «اهتزاز قيمى» وأضاف: نعانى مؤخرا من اهتزاز للقيم المحورية فى العادات والسلوك، وبالتالى هوس شراء الماركات العالمية احد اهم مدخلات السلوك الحديثة على الشباب، خاصة قليل الوعى الذى يسعى للتقليد دون فهم او إدراك للسلوك الذى يمارسه وإبعاده، حيث ارتبط بعض الشباب بالماركات كوسيلة لتعريف انفسهم داخل دوائرهم الاجتماعية، حيث ينظر للملابس الفاخرة على أنها دليل على الذوق والنجاح والتميز، وترتبط بالمكانة الاجتماعية، ووسيلة لإثبات الذات تمنحهم القبول والاحترام حتى ان البعض قد يتعرض للضغوط المالية، التى تصل لحد الاستدانة نظرا لغلاء أسعار الماركات، او يلجأ بعضهم لشراء قطع من الملابس المستعملة «البالة»، المهم أن يحمل اسم العلامة التجارية على ملابسه. «السر فى الدعاية» وعن تأثير هوس الشباب بالماركات العالمية على المنتج المحلى، يقول د. مصطفى بدرة الخبير الاقتصادى: «إن الدعاية التى تطرق من الباب الخارجى المصنوعة دائما بحرفية عالية هى سبب رئيسى فى الترويج للمنتج الخارجى، مما جعل الكثيرين دائما ما يلجأون للصناعة الخارجية، على الرغم من توافر صناعات مشابهة لها محليا، ولكنها ليست بالدعاية المطلوبة التى تمكنها من التسويق والوصول للمستهلك، ولذلك فالشركات الأجنبية تستهدف دائما الشباب فى حملاتها الدعائية، ولهذا السبب نحن ننادى دائما بضرورة عمل مبادرات تحت شعار «صنع فى مصر» يتم فيها عرض المنتجات التى تمكن الشباب من معرفة الصناعات المصرية معرفة جيدة وهذا الأمر يكون له مردود اقتصادى كبير، مشيرا إلى أنه كلما تمكن القطاع الصناعى والقطاع الخدمى من تطوير بنيته التحتية والتسويقية، كانت المنتجات المحلية اكثر وصولا للشباب، وهذا الأمر فى غاية الأهمية لتحسين القدرات الاقتصادية، وهذا الدور مشترك بين رجال الدولة ورجال الصناعة والتجارة، والاهتمام بعرض الأفكار على الشباب بطريقة حديثة لتجنب الهدر الكبير الذى يحدث لاستخدام العملات الأجنبية، خاصة مع الارتفاع الكبير لأسعار الماركات العالمية والمغالاة المستمرة بها فى حين وجود منتجات مصرية قد تكون أفضل منها بكثير ولكنها تفتقد القدرة التسويقية، موضحا ان هذا الأمر يؤثر على سعر الصرف بالإضافة لتأثيره على التشغيل والعمالة، ولذلك فلا بد من تفعيل دور وسائل الإعلام ايضا فى الترويج للمنتج المحلى بجانب اهتمام كل مصنع بالتسويق الجيد لمنتجاته «تشجيع المنتجات المحلية» وعن دور وسائل التواصل الإعلامى فى تشجيع المنتج المحلى وكبح هوس الشباب بالماركات العالمية، تقول د. سهيرة علام أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة: «كثرة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعى ممن يمتلكون عددا كبيرا من المتابعين على مواقعهم أحد أهم اسباب هوس الشباب بالماركات العالمية، خاصة أن هؤلاء المؤثرين أو ما يطلق عليهم» إنفلونسرز» يستهدفون فئة الشباب لأن غالبيتهم من الشباب، وبالتالى فأصبح المؤثرون سلاحا بحدين، أى وبدلا من توجيه طاقتهم نحو تشجيع المنتجات المحلية يتجهون لزيادة هوس الشباب بالماركات العالمية وتقليدهم الدائم وهم على إدراك تام بمدى تأثيرهم على الشباب، مؤكدة أن الخطوة الأولى فى علاج هذا الهوس تبدأ من استغلال تأثير «الإنفلوسرز» فى الشباب وتوجيههم ناحية ضرورة تشجيع المنتجات المحلية ذات الجودة العالية وعدم التكالب على الماركات العالمية لمجرد انها منتجات مستوردة، والتوعية أيضا بخطورة هذا السلوك اقتصاديا وتأثيره المباشر على الاقتصاد المحلى والعمالة والمصانع المصرية»، مضيفة: أما عن وسائل الإعلام التلقليدية، فهى أيضا مازال لديها جمهورها ولها دور كبير فى الترويج للمنتجات المحلية وإبراز جودتها ومزاياها والإكثار من البرامج المختلفة التى تشجع المنتج المصري،وبذلك نكون قد حققنا الوصول لجميع الطبقات من حيث اهتماماتهم ووسيلة التواصل المناسبة لهم.