البرلمان « شيوخًا ونوابًا» الذى تُجرى انتخاباته فى الشهور القليلة القادمة، يأتى مرحلة مفصلية تكون فيها السياسة ضرورة وجود، وعقلًا جماعيًا يقود، وضميرًا مجتمعيًا يحمى، وقوة تنظيمية تدعم الاتزان لمنظومة حققت الكثير فى السنوات الماضية. برلمان السنوات الخمس القادمة يأتى فى وقت تقف فيه البلاد على عتبة حراك سياسى واقتصادى هو الأخطر منذ سنوات، ومعركة على الوعى واستعادة السياسة بمعانيها الحقيقية، وضد الإحباط القومى الذى يتسلل حين تغيب البدائل، وتسليم البلاد لجيل جديد يتحمل المسئولية. وفى ظل ما تشهده المنطقة من تحولات عميقة وتحديات جسام، تتصاعد الحاجة الملحة إلى عناصر وطنية قوية وواعية، تكون ظهيرًا حقيقيًا للدولة وقادرة على حماية الثوابت وصون الهوية الوطنية، فنحن نعيش لحظة فارقة، تُعاد فيها صياغة خرائط النفوذ الإقليمى والدولى وفق حسابات ومصالح لا تعكس تطلعات شعوب المنطقة، وتهدد استقرارها وتسعى إلى فرض واقع جديد، لا يخدم إلا من يخطط له من خارج حدودنا. والقوى الكبرى لا تتوقف عن محاولات إعادة ترسيم الجغرافيا السياسية بأدوات ناعمة تارة وخشنة تارة أخرى، مستخدمة الضغوط الاقتصادية والإعلامية وإثارة النزاعات، وزعزعة الولاءات الوطنية، وهنا تبرز أهمية الدور الرقابى والتشريعى للبرلمانات، ويجب أن تتجاوز العمل التقليدى إلى دور استراتيجى، يعزز من تماسك الجبهة الداخلية، ويُحبط مخططات الهيمنة والتفكيك، ويُكرّس السيادة الوطنية بكل أبعادها. وتتقدم المعركة الاقتصادية الصدارة بكل ثقلها، وتواجه تحديات تخارج الدولة من قطاعات عديدة، وتحول فلسفى فى إدارة الاقتصاد، وتوسيع قاعدة المشاركة، وفرض الحوكمة الصارمة، والحفاظ على معدلات التنمية والمشروعات الكبرى، وكل ذلك بحاجة إلى عقول خبيرة، تفهم منطق الدولة ومصالح الجماهير وخطوط التماس مع الواقع. أعضاء يجب ان يتم اختيارهم بمواصفات المرحلة القادمة، يشكلون خطوط دفاع متقدمة ضد الشائعات والحرب النفسية والتصدى لقوى الفوضى التى تندس عبر المساحات الرمادية، ولن يواجهها إلا نخب سياسية لا ترتبك بل تواجه ولا تتلون بل تصارح وشخصيات تُقنع لا تُبرر وتُبادر لا تُهادن. لا يترسخ الاستقرار السياسى إلا من الجرأة فى التجديد وتنوع الاختيارات، ولا يجب أن يكون شكليًا، بل نابعًا من إدراك عميق بأن المجتمع المصرى لم يعد يحتمل صفقات سياسية قديمة، ولا أدوات فقدت صلاحيتها، والمطلوب هو عودة السياسة إلى الشارع ودوائر الناس البسطاء. البرلمان القادم على موعد مع منظومة سياسية قوية، ممن تتوفر فيهم صفات القرب من الشارع وبين الناس وهمومهم، نُخبة جديدة من رجال الدولة، بمفهومها الأصيل بعيدًا عن الذين تستهويهم الأضواء، ومن تشربوا معنى الدولة بعيدًا عن هواية الشعارات. استبشر خيرًا بصعود شخصيات من الذين يصنعون الاتزان فى زمن الاستقطاب، ويحمون البناء من السقوط تحت ضجيج السوشيال ميديا، ويمتلكون قدرة نادرة على الإمساك بخيوط الأمل حين تتسرب من بين أصابع العامة. وفى المقدمة الشباب الذين تراكمت لديهم الخبرات السياسية عبر السنوات الماضية، ويمثلون حجر الزاوية فى المشهد الجديد، ممن تم اختبارهم فى معارك العمل العام، ونجحوا وتحمّلوا وتطوّروا.