لم يكن قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة خالد عبد العزيز، بوضع ضوابط لبث البرامج الرياضية والذى صدر مع بداية الموسم الرياضى بإلغاء فقرة التحكيم من البرامج الرياضية وتحديد مدة هذه البرامج الزمنية ليقتصر على ساعة ونصف الساعة، ومنع بثها بعد منتصف الليل، مجرد قرارات بغرض السيطرة أو فرض أمر، بل كان قرارًا يعكس رغبة حقيقية فى إصلاح المشهد الرياضى المتوتر. لقد تحولت بعض البرامج الرياضية فى السنوات الأخيرة إلى ساحات للتراشق والتصيد، بدلًا من أن تكون منصات للتحليل والنقاش الرياضى الرصين، وأصبحت فقرة التحكيم بالذات، ساحة للمزايدات، تُستخدم كأداة لتأجيج الجماهير، وتشويه صورة الحكام، حتى بات الحكم المصرى يدخل الملعب وهو يحمل على كتفيه عبء الرأى العام، لا عبء المباراة فقط. من هنا، جاء القرار ليضع حدًا لهذه الفوضى، وليعيد للحكم المصرى هيبته المهدرة، وأستطيع القول - دون مبالغة - إن التحسن الملحوظ فى الأداء التحكيمى مؤخرًا ليس مصادفة، بل نتيجة مباشرة لإبعاد الحكام عن مرمى النيران الإعلامية، عندما يشعر الحكم بأنه لن يُسلخ على الهواء بسبب خطأ تقديرى، فإنه يتحرر نفسيًا، ويؤدى بثقة. لكن الأثر الأهم - فى رأيى - كان فى انحسار لغة التراشق والاحتقان التى كانت تعج بها البرامج، لم نعد نشاهد تلك السجالات الليلية الطويلة التى تبدأ برياضة وتنتهى بشتائم مبطنة ومكايدات مكشوفة، تقنين المدة الزمنية ومنع البث بعد منتصف الليل ساهم فى تهذيب الإيقاع العام للمحتوى، وفرض على المذيعين نوعًا من التركيز والالتزام، بعيدًا عن التطويل المجانى الذى لا يضيف للمشاهد شيئًا. بل أكثر من ذلك، أصبح لكل مذيع أو مقدم برنامج حساب لما يقوله، لم تعد الميكروفونات مباحة بلا حدود، هناك مسئولية، وهناك محاسبة، وهذا تطور مهم جدًا فى مشهد إعلامى بات يعانى من فوضى التعبير، أكثر مما يعانى من فقر المعلومة. من هنا، ونحن فى ختام موسم كروى ساخن فى المنافسة نثمن هذا القرار، وندعو إلى التوسع فى مثل هذه الإجراءات التنظيمية، التى تحفظ للرياضة قيمتها، وللإعلام مكانته، وللمشاهد حقه فى تلقى محتوى مهنى ومحترم. وكلمة أخيرة، لا بد أن يدرك الإعلام الرياضى أنه شريك فى صناعة الوعى الرياضى، وليس مجرد ناقل للأحداث، والقرارات الجريئة مثل هذه هى التى تذكرنا أن المسئولية تبدأ من الشاشة.