نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    حبس سنة وغرامة 10 آلاف جنيه.. عقوبات ذبح الأضاحي خارج المجازر    محافظ المنوفية يأمر بصرف مساعدات مالية ومواد غذائية لحالات إنسانية    رئيس "العربية للتصنيع": نتطلع لتصنيع قطع الغيار بطريقة رقمية    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    وفدًا أوكرانيًا وروسيًا يلتقيان في تركيا لإجراء محادثات سلام    "غصب عن الرابطة".. مدرب بيراميدز يوجه رسالة نارية بعد التتويج الأفريقي    تقارير: النصر يعرض خطته على رونالدو لإقناعه بالتجديد    تقارير: ليفركوزن يرفض العرض الثاني من ليفربول لضم فيرتز    رومانو: إنزاجي يعقد اجتماعا مع إنتر.. وحسم مستقبله الثلاثاء    "الداخلية": ضبط قائد سيارة لقيامه بالاصطدام بشقيقتين بالقليوبية ما أدى لوفاة إحداهما    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    وزيرة التنمية المحلية توجه بتوفير اللحوم بأسعار مخفضة في عيد الأضحى    السجن المؤبد ل4 أشخاص بتهمة قتل مواطن في المنيا    المراجعة النهائية في مادة الكيمياء للثانوية العامة .. لن يخرج عنها الامتحان    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    أحدث ظهور ل نادين نسيب نجيم بإطلالة جريئة والجمهور يعلق (صور)    الصحة: خفّض معدلات انتشار فيروس "بي" بين الأطفال لأقل من 0.1%    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    الرئيس السيسي يستقبل وزير الخارجية الإيراني    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    إرتفاع أسعار النفط بعد قرار «أوبك+» زيادة الإنتاج في يوليو    الإسكان : مد فترة حجز وحدات "سكن لكل المصريين 7" لمتوسطى الدخل حتى 18 يونيو    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شقة السيدة زينب» للدكتور عمرو علام.. رسائل فلسفية«للزمكان» بالأحياء الشعبية والقرى المصرية


دراسة نقدية: عبدالنبي النديم
نزهة سريعة ورحلة شيقة، تتجول فيها بداخل أروقة رواية «شقة السيدة زينب»، للروائي الدكتور عمرو علام، تغوص فيها على مدار أكثر من مائة عام مرت على المحروسة، تصعد فيها مع الأحداث التاريخية التي مرت بها الدولة المصرية، من خلال تمكنه من التحكم في تناول الأحداث وسلاستها والوقائع التاريخية، ولكنه يخدعك عندما تتصاعد مع هذه الأحداث، وتعدد شخصوها من رجال ونساء وعلاقات متشابكة، تحكمها الأفكار المختلفة والعواطف المتناقضة، والانفعالات المتتالية، مع إنطلاقة قوية في أحضان بدايات منطقة شعبية تتكون أركانها وتتوسع مساحتها بردم الخليج المصري، وتتكون الشخصية لهذه المنطقة التي شهد لها كل من عاش أو مر بها أنها تتميز بالهدوء والسكنية والروحانيات العالية.
فمن المعروف أن الرواية اهتمامها الأول بالحياة والشخوص من رجال ونساء وبناء العلاقات، وتشابك الأحداث والأفكار والعواطف والانفعالات بين هؤلاء الشخوص، من أفراح وأحزان، وصراع ونجاح وفشل، ليستخدمنا الروائي الدكتور عمرو علام كأداة طيعة لفرض نظرياته وآرائه في الحياة علينا، بأسلوبه الساحر المبسط، وغزارة المعلومات التاريخية، ليقنعنا في النهاية بفلسفته العميقة في الحياة، التي يسوقها لنا كمقدمة في بداية كل فصل من فصول روايته.
انطلاقة فلسفية
فالانطلاقة الفلسفية التي بدأ بها الروائي الدكتور عمرو علام رائعته «شقة السيدة زينب» بالغوص في أغوار النفس، بنص فلسفي عميق يعرض رؤية خاصة لتصرفات البشر، ساردا أن «أقدار البشر من طبائع النفس، فهى كما تنزل عليهم من السماء فإنها تصعد إليهم من داخل أنفسهم، وأن ما يظهره الإنسان من تصرفات من نتاج نفسه»، لتنطلق الأحداث التي ستتوالى بفصول الرواية، ومع بداية كل فصل يطلعنا المؤلف بفقرة فلسفية متعمقة في الأمور الحياتية التي نعيشها غلفت بنزعة إيمانية في الكثير من الأحيان، تضطر للوقوف أمامها بعض الوقف للتفكير بعمق في فحواها، كإسقاط مباشر للقارئ واستشراف لما يشهده فصل الرواية من أحداث.
اقرأ أيضًا| لأول مرة.. غسيل وتطهير واجهات المنازل بروضة السيدة زينب | صور
ومع تصاعد الأحداث تفاجىء بكثرة الشخوص والأحداث، ولم تلتقط من فيهم بطل الرواية، هل هو أسعد التابعي التاجر، صاحب العمارة وزوجته ضحى، الذي يواظب على صلاة الفجر، التاجر الودود الذي يزاحم كبار التجار بأمانته وجودة بضاعته، وحلاوة لسانه مع زبائنه سلاحه لجذبهم لمحله، نحيف الجسد خفيف اللحية والبشرة القمحية، الذي يحرص على أناقته بجلبابه الأبيض الناصع.
أم أن بطل روايته الحاج هاشم الشريف، وزوجته منى إبنة عمه، وأبنائه سالم وربيع ونصر والأبنة ياسمين، الرجل القروي المهيب الطلة خريج الأزهر، من أسرة ميسورة الحال، الذي شارك صديقه عبدالعليم موسى في تجارته على الحلوة والمرة، حتى جاءت صفقة ارتفاع أسعار القطن بالبورصة فحققا مبالغ طائلة واعتزل بعدها عبد العليم موسى التجارة واشترى عزبة عشرات الأفدنة بربحه من صفقة القطن، وأستمر هاشم في التجارة ولم يغريه بريق الذهب والمكسب.
أم أن أبطال الرواية أبناء هاشم الشريف وأحفاده.. لنفاجأ مع تصاعد أحداث الرواية وتشابكها، أن بطل الرواية هى «شقة السيدة زينب» الذي استأجرها هاشم الشريف، من التاجر أسعد التابعي في رمزية جمالية، وفكرة مبتكرة وموضوعية كشاهدة على فترة تاريخية مرت به مصر المحروسة من أحداث خلال المائة عام الماضية، بث فيها الروح، وأعطاها حرية الإختيار لمن يقطنها، تألف بمن تهواه وتألف روحها روحه، وتلفظ من لم تألف روحها روحه، كريمة على من مر بها، شاهدة على أحداث مرت بها البلاد، دونت على جدرانها سجلا حافلا ممن سكنوها وسكنتهم..
الصدق في السرد
إن أهم ما يميز رواية «شقة السيدة زينب» أحداثها التاريخية صدقها في السرد للأحداث الواقعية، صورت تصويرا أمينا لعادات العصور المتتالية على حكم مصر خلال المائة عام، فيبدأ المؤلف روايته برؤية جمالية، واصفا ميلاد يوم جديد من أيام الخريف بحي السيدة زينب، ودعوة من ميلاد هذا اليوم يستجيب لها التاجر أسعد التابعي، ويصف لنا المشهد القديم والمستمر والذي سيستمر أمام مسجد السيدة زينب، بتوزيع الخبز والفول النابت على رواد المسجد وأهل الله من مريدي السيدة زينب، ويسرد لنا تاريخ المنطقة وتحويل إسمها من قنطرة السباع إلى السيدة زينب، بعد ردم الخليج المصري، ليبدأ تاريخ جديدة لهذا الحي الشعبي العريق، ليضفي صفات الحي الشعبي من الروحانيات والسكينة والقبول والهدوء والتاريخ على الحاج أسعد وزوجته الحاجة ضحى، السيدة المصرية الجميلة المكافحة والمعاونة لزوجها وتربية أبنائهم سالم وآمال..
نزعة صوفية
ثم يصف لنا الطبيعية اليومية التي تشهدها المنطقة الشعبية، من خلال متابعة التاجر أسعد التابعي التاجر الشاطر في تجارة الخردوات، بعقيدة تجارية يعتنقها أن أبسط الأشياء أكثرها ربحا، فأنتشرت تجارته ووسع محله، معتمدا على عقله فقط دون استشارة أحد، لأنه لم يكن لديه أصدقاء، وتجنب أن يكون له صحبه، وإذا قابلته مشكلة أو عارض يقوم بإخراج نفحة للمريديين أمام مسجد السيدة زينب، يقينا منه أنها لن تدعه بعد أن يطعم مريديها، وهو حال كل المقيمين بالمناطق الشعبية في مصر، وتطلعهم دوما للتطور والتطلع للأفضل فبني التابعي عمارة سكنية بشارع محمد بك أبو الدهب وسكن فيها، وسعى لتأجير الشقق هو وزوجته ضحى التي مارست دور صاحبة العقار، بتبخير العمارة يوميا لجلب الراغبين في استئجار الشقق.
ويمهد لنا المؤلف الطريق للدخول إلى بطل روايته، برؤية فلسفية، في إشكالية العلاقة بين الإنسان والمكان، فيقول أن الارتياح والطمائنينة تأتي مع بعض الأمكان، والانقباض والخوف بداخل النفس يأتي مع أماكن أخرى، لنألف ببعض الأماكن وتنقبض الأرواح بالبعض الآخر، ويتعمق في الربط بين المكان والأشخاص بين منطقة السيدة زينب بطيبتها وجلالة أهل البيت المحمدي، وشارع محمد بك أبو الدهب بشراسته ودهائه ولؤمه، لنكون أمام صورة حية برع المؤلف في إقناعنا بها.
ويغوص المؤلف أكثر في نزعته الصوفية التي زينت معظم فصول روايته، مع نظرته الفلسفية التي نتابعها مع تصاعد الأحداث، بوصف تاريخ السيدة زينب ونسبها، ثم يدخل إلى سلسلة الخيانة لحكام مصر، من محمد بيك الكبير لمحمد أبو الدهب، التي تركت آثارها على المكان، حتى أن الخيانة كانت سببا في دخول محصول القطن إلى مصر، فالفرنسي لويس ألكسيس جوميل، مدير مصنع القطن في مدينة أنيسي الفرنسية، الذي خانته زوجته ترك فرنسا وجاء إلى مصر ليعينه محمد على مديرا لمصنع القطن ببولاق. وبرؤيته الفلسفية يتساؤل يطرح المؤلف سؤالا يمهد به الطريق لنا للدخول إلى عالمه الخاص الذي نسج شباك إبداعه علينا،حتى لا نتركه إلا مع كلمة النهاية لروايته، فيتسأل ..هل تجذبنا الأماكن التي نقطن فيها وتسعى إلينا كما نسعى إليها؟
أم الأمر محض صدفة واختيار؟
وهل نحن ننساق إليها بإختيارها ونحن نظن أننا أخترنا؟
ليجيب علينا في الفصل السابع عشر من الرواية واصفا عمارة أسعد التابعي، أنها تتمايل من السعادة، وتنشرها على سكانها، وأن للمباني أرواح كما البشر، التي بدأت تختار المستأجرين لها، وكانت الأسرة الأولى من سكانها أسرة مأمون أفندي، وزوجته شكرية، والذي يعمل موظفا بوزارة الداخلية، الذي اختارته منطقة حي السيدة زينب ليقيم فيه، ونعيش مع المؤلف حياة مأمون وزوجته ذات الأنوثة الهادرة، التي تلفت الأنظار إليها من عيون المقيمين بشارع محمد أبو الدهب، لتنشأ علاقة صداقة بينه وبين الحج أسعد التابعي، الذي يمده بالأعشاب حتى يشبع رغبات زوجته وإقناعها برجولته وفحولته، وتنشأ كذلك بين ضحى وشكرية «أم فيفي» وفيفي إبنة مأمون وشكرية وأسمها الحقيقي فريال، والتي التحقت بمدرسة السنية، التي ورثت الأنوثة الطاغية من والدتها.
شقة السيدة زينب
يدلف بنا المؤلف الفصل الخامس بنظرته الفلسفية للأمور الحياتية، فالإنسان عندما تواجهه الهموم والمشاكل ظن أن الحياة تنكرت له، ومرجع ذلك أن الإنسان لا ينظر خلال غوصه في همومه أبعد من حدود مشكلته، وذلك لأن قلب الإنسان لو كان متعلقا بالله لواجه مشاكله بثبات وجلد، وهدوء، ويعود بنا إلى هاشم الشريف الذي خسر أمواله واعتلت صحته، ووفاته وانفصال أبنائه عنه الذي زاد من آلامه قبل وفاته، مستقلين عن بيته، ليقطن سالم ببيت الحاج أسعد التابعي، بحي السيدة زينب، في مواجهة شقة مأمون أفندي، التي أصبحت ملاذا لكل الأسرة ومحبيها، ومقصد لكل زوار القاهرة من أهل بلدته، حتى أصبحت شهرتها «شقة السيدة زينب»، لكل أفراد العائلة وأهل بلدته بالمنوفية.
ثم يستهل المؤلف الفصل السادس بنظرته الفلسفية، بأن للحياة جانبها المضني كما أن لها جانبها الآمن، وأن الإنسان يعيش على جانبي الحياة، فلن يعيش على أحد الجوانب أبد الدهر، فالأقدار تختار لأحداثها الجسام من لديهم الجلد والمثابرة، ليترك ربيع دراسته ويعود للعيش في كنف والدته بعد أن هجرها شقيقاه، ليعمل كمدرس للغة العربية بالقرية، ويرعى الأرض وتبدأ حياته مع والدته «منى» في الإستقرار وتدر الأرض عليهم ما يصرفون علي معيشتهم، ليزورهم أخوه سالم مطالبا بنصيبه من ميراث أبيه، فيتعارك مع أخوه ربيع بعد ثورة والدته عليه، ويطرد من المنزل، ثم يتوفى ربيع ومن بعده أمه ويتكفل نصر شقيق ربيع بأولاده الصغار.
وقائع سياسية
مع تصاعد الأحداث في الرواية يعرج بنا المؤلف على الأحداث السياسية التي مرت بها مصر، وسرد وقائع سياسية لزعماء مصريين مثل النحاس باشا، مع تصاعد الأحداث بين راشد وأعمامه ومسئوليته عن أشقائه وحثهم على تحصيل العلم، ليدخل شقيقه ناجي مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم ويتعرف فيها على زميله «حسني مبارك» الذي يكبره بعامين وبرع في لعبة الملاكمة، لتدور الأحداث مع ناجي وشقيقه راشد وحمدي، فيحصل على الثانوية العامة ويدخل كلية الحقوق ويتفاعل مع الأحداث الوطنية التي مرت بها مصر، لتحدث واقعة غيرت اتجاه ناجي، بعد أن أمسك أحد الطلبة طعن زميل له ولم يتركه، واصابته في يده، وعنفه شقيقه راشد، ولكنه أثني على موقفه، قائلا له، «شرف الهالك خير من نذالة الحياة»، فلم يتوان ناجي عن مساعدة طالب ضعيف، ليدخل بنا المؤلف إلى لمسة فلسفية عن الزمان قائلا: «مخطئ من يعتقد أن الزمان لن يمر ومخطئ من يعتقد أن السنين أيضا تمر ببطء، ولا ينبه الإنسان إلى مغادرة الزمن إلا بمغادرة من نحب»، اسقاطا على حبس ناجي في المعتقل خمس سنوات، خلال فترة القلق التي ضربت البلاد، نتيجة الخلاف بين الرئيس محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبدالناصر، التي انتهت إلى استقالة اللواء محمد نجيب، وتولي جمال عبدالناصر قيادة مجلس الثورة ورئيس الوزراء، ثم جاءت فترة تقييد الحريات، وقبض على ناجي دون أن يعرف السبب لماذا قبض عليه، ثم أفرج عنه ولا يعرف السبب أيضا في الإفراج عنه بعد خمس سنوات قضاها من عمره خلف جدران المعتقل.
العودة للحياة
يعود ناجي إلى دراسته بكلية الحقوق رغم الاختلاف الذي طرأ على المبني القابع كما هو، ولكن اختلفت الوجوه، ومثابرة ناجي للخروج من أزمته ولجوءه لرحاب السيدة زينب ليخرج من أزمته، في هذا الجو الروحي الذي سينقي ما بداخله من هموم، وتأتي رؤية ناجي في المنام لوالده الشيخ ربيع، يقول له «أرح هذا القلب المعلق بالأعالي، ولا تحزن لما أصابك، فلم يسبقك أحد ولم تتأخر عن شيء، لم تنهزم ولم تنتصر بعد، وتجاهل ما فيك من ألم، إنما هى النصال في روحك وجسدك، وستظل النصال تتكسر على النصال، فكن رجلا كما عهدتك»، فأزالت رؤية والده ووجوده بشقة السيدة زينب ما علق في نفسه نتيجة اعتقاله أكثر من مرة، ليخرج من المعتقل ويكمل دراسته بكلية الحقوق، ويعود ويسكن مع والدته بعد خروجه من المعتقل، ويمارس المحاماة ويفتتح مصنع صغير، ويتزوج من راضية وينجب عادل وعاصم ونوران وجميلة، لتتصاعد الأحداث بوتيرة سريعة في نهاية الرواية من طمع الأشقاء بشقة السيدة زينب ومصنع ناجي بعد أصبته جلطة.
إن سلوك المؤلف الدكتور عمرو علام في روايته «شقة السيدة زينب»، مسلك جديد على هذا النوع من الروايات، وهو موضوعها بإختيار بطل روايته على غير المألوف، فلم يكن رجل أو سيدة، بل شقة سكنية في حي شعبي مميز بروحانياته العالية، بث فيها الروح وأعطاها عناصر الحياة، وطعمها بالعواطف والأحاسيس، جعلها تختار من يسكنها، مع إجادته في سرد الأحداث التاريخية، برؤية شخصية كمواطن حر له رأي وفكر يحكم به على الأحداث التي مرت بها المحروسة، فكانت تصميماته في سرد الأحداث ذات قيمة ذاتية تألفها ولا تنفر منها، بحس إنساني صادق مفعم بالحيوية خلال تشابك الأحداث بالرواية، وتناوله العواطف والصراعات والمشاكل التي مهما اختلفت صورها فهي تنتمي إلى الإنسانية، جعلت الحياة نشيطة مفعمة بالحيوية ذات قيم أخلاقية، استمد أحداثه من أبسط أنواع الحياة من المنطقة الشعبية والقرية المصرية، التي يتكون منهم النسيج المصري على مر الزمان.
أدوار ثانوية
فقد وضع الدكتور عمرو علام شخوص روايته في أدوار ثانوية، وتوسع في دور البطولة للشقة السكنية، بمفهوم عميق للأشياء، ليتعلق القارئ بالصراعات الإنسانية مع تصاعد أحداثها، ويستمتع بما تقدمه له رواية «شقة السيدة زينب» من متعة حسية عاشها في تجربة فريدة قلما يمر بها احد، وتولد لديه شعورا بالخلاص من قيود الرواية بصنعتها التقليدية، فبحرفية ومهارة روائي مبدع في تصوير بطل من وحي خياله هو بث فيه الروح، لتكون شقة السيدة زينب بطلة روايته وشاهدة على الأحداث والأشخاص وصراعاتهم، وأيضا على الوقائع التاريخية التي مرت بها مصر ليؤكد لنا المؤلف غزارة معلوماته التاريخية وإطلاعه على الأحداث التاريخية.
كما أن الأحداث في تصاعدها توحي إليك أنك أمام سيرة ذاتية للمؤلف الدكتور عمرو علام، فما ساقه إلينا من نظرة فلسفية ونفحة صوفية بوصفه الروحانيات بمنطقة السيدة زينب، نتيجة معايشة له في هذه المنطقة الشعبية بما تحمله من عبق التاريخ وروحانيات آل البيت للنبي صل الله عليه وسلم، وهذا السلوك لا يتبعه إلا القليل، فكيف أكتب عن البحر ولم آراه أو أرتاده، وكيف أصف الغابة ولم أتحرك بين أحراشها.. فقد برع المؤلف في الوصف للمنطقة الشعبية والمنطقة الريفية التي تؤكد أحداث الرواية أنه عاشها..
الخاتمة
ليختم لنا الدكتور عمرو علام روايته شقة السيدة زينب، بإنتهاء علاقة الشقة السكنية بأصحابها، واصفا إيها ككيان متحرك محمل بالعواطف والأحاسيس، هل تنتهي علاقتك بمكان ما بمغادرته لك أم بمغادرتك له، كان هناك علاقة بين زوج وزوجته تنتهي بالطلاق، ولكن يبقى حبل المودة موصول، والزمن يقف عاجزا عن محو هذه العلاقة، وهذه كانت علاقة شقة السيدة زينب بساكنيها، أو من سكنتهم، لم يكونوا شهودا عليها أكثر مما كانت هى شاهدة عليهم، لتظل عناصر الحياة متأصلة بداخل جدرانها، التي كرهت الظلم ولم ترض به، فأحالت حياة البعض إلى جحيم لا يطاق، وأحبت البعض الآخر فاحتضنتهم ولم ترغب في تركهم حتى تركوها رغما عنها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.