«كنت في الخامسة من عمري عندما ركبنا سفينةً لمدة شهرٍ متجهين إلى أستراليا، ولا أحتفظ بذكرياتٍ طيبةٍ عن ذلك، كانت هناك اضطراباتٌ في اليونان، وللأسف، فهمناها وقررت عائلتي الهجرة».. هكذا بدأ المدرب الأسترالي- اليوناني أنجيلوس بوستيكوس الشهير بآنجي بوستيكوجلو حياته ورحلته. بوستيكوجلو المولود في 27 أغسطس عام 1965 بمنطقة نيا فيلادليفا في العاصمة اليونانية آثينا، لم يجد والداه أي فرصة للحياة التي يتمنونها لنجلهم في بلادهم إبان فترة عصيبة سياسيًا واقتصاديًا عقب اضطرابات العام 1968، وفقد والده مصدر رزقه، فكان قرار الهجرة إلى أقصى الأرض.. إلى أستراليا. عاش بوستيكوجلو طفولة بائسة، فبعد وصول عائلته إلى أستراليا كانت الأمور أكثر صعوبة، واضطروا لمشاركة منزل صغير مع عائلة أخرى في ضاحية بران بميلبورن بحسب تصريحاته في حوار سابق ل«سكاي سبورت»: "بطريقة ما، قرر والدي أن ننتقل إلى الخارج. نحن نتحدث عن السفر إلى نصف الكرة الأرضية، إلى مكان لم نكن نعرف فيه أحدًا. كل ما كنا نملكه هو تذكرة سفر. لديّ شعور بأن والدي كان يعتقد أنه سيذهب إلى بلد آخر، ويستقر، وأنه يستطيع العودة إلى اليونان. كان هناك صراع لا ينتهي لتحقيق ذلك. تشاركنا منزلًا مع عائلة أخرى لسنوات عديدة". عشق بوتسيكوجلو كرة القدم في ميلبورن وشجعه والده المحب للساحرة المستديرة فاصطحبه إلى مدرسة الكرة للمغتربين اليونانيين، قبل أن يلعب لنادي ساوث ميلبورن منذ العام 1984 وحتى 1993، وأنهت الإصابة القوية مسيرته في سن السابعة والعشرين ليتحول إلى التدريب عام 1996، ويتولى تدريب ناديه ليبدأ رحلة المجد خارج حدود أستراليا للمرة الأولى في حياته، والمستمرة بوصوله إلى قيادة أحد أكبر أندية إنجلترا للوصول إلى نهائي الدوري الأوروبي كأول مدرب يوناني- أسترالي يصل إلى هذا الإنجاز ويقود فريقًا في البريميرليج. ولكن ما قبل رحلته مع كرة القدم لم يكن سهلاً، وغيّرت طفولته الحزينة نظرته إلى والديه وإلى الهجرة كفكرة قائلاً في حوار سابق: "يُسيء الناس فهم الهجرة. كثيرًا ما أسمع الناس يقولون إنهم يهاجرون إلى بلد آخر بحثًا عن حياة أفضل. هذه ليست قصة المهاجر. إنهم يذهبون إلى بلد آخر، لتوفير فرص للجيل القادم. لم تحظَ أمي وأبي بحياة أفضل. تركا كل ذلك خلفهما، لأنهما أرادا، في رأيي، منح أطفالهما فرصة. عندما أفكر في الأمر، أجد هذه نعمة عظيمة. أن أفهم أنهم سيضحون بسعادتهم من أجل أطفالهم. إنه درسٌ لم يغب عن ذهني أبدًا، فكل ما أفعله، أفعله تكريمًا لوالديّ". استطاع بوستيكوجلو أن يقود فريق ساوث ميلبورن الأسترالي للعالمية بالتتويج بالدوري الأسترالي ثم بطولة دوري أبطال أوقيانوسيا، والمشاركة في النسخة الأولى من كأس العالم للأندية عام 2000 واللعب ضد مانشستر يونايتد والسير أليكس فيرجسون في دور المجموعات. توالت محاولات بوستيكوجلو التدريبية ليقود منتخب أستراليا للناشئين ثم الشباب، قبل أن يتوقف ويعمل محللاً في القنوات الفضائية وهو ما أبعده عن التدريب لفترة منتصف العقد الأول من القرن الحالي، واضطر للعمل في الدرجة الثالثة اليونانية مع نادي باناهايكي قبل العودة لأستراليا في 2010. ذاق بوستيكوجلو حلاوة المجد حين قاد منتخب أستراليا للقبه الأول بطلاً لآسيا عام 2015، وتركه بعد التأهل لنهائيات كأس العالم «روسيا 2018»، وتولى تدريب يوكوهاما مارينوس وقاده لتحقيق لقب الدوري الياباني موسم 2018/19. برهن بوستيكوجلو على جودته كمدرب في المستوى الأعلى حين تولى القيادة الفنية لسيلتك الاسكتلندي العريق موسم 2021/22 ليقوده إلى استعادة المجد والتتويج مرتين متتاليتين بالدوري وكأس اسكتلندا كأول يوناني واسترالي يصل إلى قيادة فريق عريق من كبار أوروبا. وانتقل بوستيكوجلو لتدريب توتنهام هوتسبير كأول يوناني واسترالي أيضًا في تاريخ البريميرليج مديرًا فنيًا في الموسم 2023/24، ورغم صعوبة المهمة، واهتزاز النتائج محليًا، إلا أنه وصل بالفريق اللندني إلى نهائي الدوري الأوروبي أمام مانشستر يونايتد والذي سيقام في بلباو الليلة. يقول بوستيكوجلو: "كثيرًا ما أُخيّب آمال من يسألني عن مصدر إلهام فلسفتي. فأقول لهم إنه لم يكن مصدر إلهام شخصٍ بعينه. لم يكن برشلونة أو ليفربول، أو بيب جوارديولا أو يوهان كرويف . ولا مدربي ولا زملائي في الفريق.. إجابتي دائمًا كلمة واحدة «أبي»" . فهل يتوج بوستيكوجلو بلقب الدوري الأوروبي من أجل أبيه أيضًا؟ أم تقسو عليه كرة القدم التي لا يمكن توقع نتائجها مهما كانت الفوارق الفنية أو الظروف؟! اقرأ أيضًا: خاص| رئيس توتنهام يكشف حقيقة إقالة مدربه والتفاوض مع أنشيلوتي