من جديد، أطلت علينا القمة العربية من عاصمة الرشيد ومدينة الخلفاء، بغداد الحبيبة، ولا أدرى لماذا وأنا أتابع فعالياتها تذكرت قمة عزل مصر فى بغداد نوفمبر 1978، والتى خلفت جرحاً غائراً بالجسد العربى، لكن ألم اليوم أشد وجعاً. فإذا كان عرب 1978 تظاهروا بالغضب من زيارة البطل السادات للقدس لإستعادة سيناء بل والجولان والقدس، فاليوم يجتمعون ببغداد التى تعانى آثار عدوان الغرب، وقد ضاعت القدس، وفى الطريق باقى فلسطين، وتمدد إحتلال الجولان لبقع حولها، ونيران الصهاينة وأعوانهم تهدد باقى سوريا ولبنان واليمن، والصراع يقسم ليبيا، ويمزق السودان، ويستدرج دول القرن الإفريقي. وبتوقيت القمة، يطلق تتار العصر ومغوله خطة عدوان جديدة، وبكل تبجح وتجبر مدعوم بمساندة أمريكية، وعجز دولي، تعلن تل أبيب مخطط تجويع غزة وتدميرها وشقيقاتها بالضفة. إن ما يجرى اليوم امتداد لعقود من العدوان على العرب، فصل جديد أكثر دموية فى كتاب عذاب وتدمير العرب والمسلمين، إنه الفصل الأخير لتمزيق المنطقة، وإعادة لملمة أشلاءها وتركيبها على هوى المعتدين، وبما لا يخدم أبداً حاضر ومستقبل شعوبها، وضياع غزة ما هو إلا مقدمة لضياع وتدمير مدن ودول عربية. ورغم قتامة المشهد، يطل بصيص أمل بموقف مصرى شريف فى وقت عز فيه الشرف، ولا أرى هذا الأمل مجرد كلام أو إنحياز للمواقف المصرية، لكن الواقع يؤكد قوة هذا الأمل، فمصر التى نجحت حتى الآن فى وقف التهجير الذى بدأ موقفاً دولياً متفقاً عليه، ثم تحول لمنهج أمريكى بلا شيء يوقفه، وعطلته مصر بجسارة وجرأة غير معهودة، ومن يستمع لخطاب الرئيس السيسى بقمة بغداد يتأكد من قوة الأمل أن يكون الفصل الأخير لصالح العرب.