سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من بغداد:رسائل مصرية بالقمة 34..خريطة الأزمات كما رسمتها القاهرة..السيسى: لا سلام دون دولة فلسطينية.. يجب وقف إطلاق النار بالسودان..مستمرون في دعم الأشقاء بليبيا.. ضرورة المحافظة على وحدة سوريا
"حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية"... هكذا قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي من دون مواربة، في كلمته أمام القمة العربية الرابعة والثلاثين التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، ليعبر بوضوح قاطع عن جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، والطريق الأوحد لحل القضية الفلسطينية، حيث طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية سياسية متماسكة للتعامل مع أزمات المنطقة العربية المتشابكة، في لحظة وصفها بأنها "مصيرية وتاريخية". لم تكن كلمته تقليدية أو بروتوكولية، بل جاءت زاخرة برسائل حاسمة ومواقف صريحة، تعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة المرحلة، وما تفرضه من تحديات على الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل. تصدر الملف الفلسطيني محور الكلمة، حيث وصف السيسي ما يتعرض له قطاع غزة بأنه "إبادة ممنهجة" و"تدمير واسع النطاق"، مؤكدًا أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تُبقِ حجرًا على حجر، ولم ترحم طفلًا أو شيخًا، بل استخدمت التجويع والتشريد والحرمان من الرعاية الصحية كسلاح حرب، في تحدٍ سافر لكل المواثيق الدولية. الرئيس المصري وضع خطوطًا واضحة حول ما ترفضه بلاده رفضًا قاطعًا: لا للتهجير القسري للفلسطينيين، ولا لأي حلول تفرض واقعًا جديدًا تحت وطأة العدوان. ولفت إلى أن محاولات طمس الهوية الفلسطينية لن تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار، مجددًا تمسك مصر بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. تحدث السيسي عن الجهود المصرية منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، حيث قادت القاهرة، بالتنسيق مع قطروالولاياتالمتحدة، مسارًا تفاوضيًا شاقًا لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. كما بادرت مصر بدعوة القادة العرب لقمة استثنائية في القاهرة في مارس 2025، جددت خلالها الدول العربية تمسكها برفض التهجير، وأقرت خطة شاملة لإعادة إعمار غزة. ولم يغفل السيسي الإشارة إلى نية مصر تنظيم مؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، فور توقف العدوان، وهو ما يعكس استمرار الدور المصري كفاعل مركزي في ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما أثنى السيسي على الجهود التي بذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الولاياتالمتحدة، والتي أثمرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار في يناير 2025، رغم فشله لاحقًا في الصمود أمام العدوان المتجدد. هذه الإشادة، غير التقليدية في السياق العربي، حملت رسالة سياسية ذكية، مفادها أن واشنطن ما زالت تملك مفاتيح الحل، إذا ما قررت أن تكون وسيطًا نزيهًا وعازمًا. الرئيس السيسي دعا ترامب صراحة للعب دور تاريخي جديد، يشبه ذلك الذي اضطلعت به الولاياتالمتحدة في اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي في السبعينيات، لكن هذه المرة بهدف إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال، لا تثبيت الأمر الواقع. لم يغفل الرئيس السيسي القوس الملتهب من الأزمات العربية الأخرى، مؤكدًا أن الأمن العربي لا يتجزأ. ففي السودان، شدد على رفض مصر لأي محاولات لتشكيل حكومات موازية للشرعية، مؤكدًا أن وحدة الأراضي السودانية خط أحمر. أما في سوريا، فدعا إلى استثمار رفع العقوبات الأمريكية لصالح الشعب السوري، وأكد ضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان المحتل. في لبنان، أعاد التأكيد على أهمية تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، وضمان انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، فيما دعا في ليبيا إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة وخروج كافة القوات الأجنبية. كما لم ينس الرئيس اليمن، مشددًا على أهمية استعادة استقراره، وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وبالنسبة للصومال، شدد على ضرورة دعم سيادة الدولة الصومالية ورفض أي تدخلات خارجية. اختتم السيسي كلمته بدعوة صريحة إلى الوحدة والتضامن العربي، مؤكدًا أن اللحظة الراهنة تتطلب تجاوز الخلافات، والعمل يدًا بيد لتسوية القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. "فلنجعل من وحدتنا قوة، ومن تكاملنا نماء"، قال السيسي، في نداء يمكن اعتباره تلخيصًا لفلسفة مصر تجاه الأزمات: لا بديل عن العمل الجماعي، ولا أمل في استقرار مستدام دون توافق عربي حقيقي. في المجمل، تعكس كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام القمة العربية 34 ببغداد تصورًا متكاملًا للدور العربي في مرحلة شديدة التعقيد. الخطاب لم يكن مجرد توصيف للواقع، بل تضمن مبادرات وتحذيرات ورسائل إلى العالم مفادها أن المنطقة لن تنعم بالسلام إلا إذا أُعطي الفلسطينيون حقهم، وتوقفت التدخلات، وتوحد الصف العربي في مواجهة التحديات. وربما تكون هذه الكلمة، كما أراد لها صاحبها، حجر الأساس لمرحلة جديدة من الفعل العربي المشترك، إذا ما توافرت الإرادة وتوحدت الرؤى.