تقرير: عبدالعزيز أحمد استمد الأزهر الشريف مكانته الإقليمية والعالمية على مر العصور من مشايخه الأجلاء، الذين وهبوا حياتهم وعلمهم لخدمة الدين الإسلامي وللارتقاء بهذا الصرح التنويري الدعوي الوسطي العظيم، وحتى يومنا هذا يحظى مشايخ الأزهر بتقدير وامتنان كبيرين عرفانا منا بالجميل لما أسدوه لهذا الوطن والدين، وفي أجواء من التقدير والوفاء، وبرعاية كريمة من د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وإشراف د. محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، نظّم المجلس احتفالية وفعاليات مميزة بذكرى ميلاد الإمام الأكبر الراحل د. عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وذلك في مسقط رأسه بقرية السلام التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية. وتم نقل صلاة الجمعة مباشرة عبر أثير إذاعة القرآن الكريم وشاشات التليفزيون المصري من مسجد د.عبدالحليم محمود، بحضور وزير الأوقاف د. أسامة الأزهري، والمهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، وأحفاد وأسرة الشيخ عبد الحليم محمود وجمع من الأهالي والمحبين للإمام الراحل؛ إلى جانب عدد من القيادات الدعوية والتنفيذية بالمحافظة وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وعقب الصلاة، توجّه وزير الأوقاف، ومحافظ الشرقية، في زيارة إلى مقام الإمام عبد الحليم محمود (رحمه الله). وحرص المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على تنظيم هذه الاحتفالية، تكريماً للإمام عبد الحليم محمود، الذي يعد أحد أبرز رموز الأزهر الشريف في القرن العشرين، وصاحب المدرسة العلمية والصوفية المتزنة، الذي ترك إرثاً علمياً وروحياً زاخراً، وأسهم في تطوير التعليم الأزهري وخدمة قضايا الفكر والدعوة. قائد وطني وبهذه المناسبة أصدرت وزارة الأوقاف بياناً قالت فيه: «تزامناً مع ذكرى ميلاد الإمام الأكبر د. عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، تستحضر وزارة الأوقاف المصرية بكل إجلال وإكبار هذا النموذج الفريد للعالم العامل، الذي اجتمع فيه نور العلم، وصدق الإيمان والولاء لله ثم للوطن، فكان أحد الرموز الكبرى التي سطرت مواقف خالدة في تاريخ مصر الحديث، خاصة في أيامها العظيمة: أيام نصر أكتوبر المجيد»، وأضاف البيان: «لقد كان الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود داعمًا بكل قوة لقواتنا المسلحة المصرية الباسلة حتى أحرزت النصر، كما كان مؤازرا للرئيس الراحل محمد أنور السادات في قرار الحرب، إيماناً منه بأن معركة أكتوبر لم تكن فقط معركة سلاح، بل كانت معركة عقيدة، وإرادة، وكرامة». جبهات قتال ويضيف البيان: وقف الإمام الأكبر على منبر الأزهر الشريف، يعلنها صريحة «إن الجنود المصريين الذين يقاتلون لاسترداد الأرض المغتصبة هم في سبيل الله، ومن يُقتل منهم فهو شهيد»، فكان لكلماته وقع بالغ في قلوب الضباط والجنود، وارتفعت الروح المعنوية في جبهات القتال، كما ارتفع الإيمان في قلوب المصريين جميعاً بعدالة قضيتهم ونُبل معركتهم، ولم يكتفِ الإمام الأكبر بالدعم النظري، بل بادر إلى حشد طاقات الأزهر الشريف علماً ودعوة ووعظاً، فأرسل القوافل الدعوية إلى الجبهة، وقام بتوجيه كل علماء الأزهر لرفع الروح المعنوية لجنودنا الأبطال، يخطبون فيهم، ويذكّرونهم بفضل الجهاد، ويغرسون في نفوسهم الأمل والثقة بوعد الله: "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين" ويبرز البيان ما خلدته الذاكرة الوطنية عن الإمام الأكبر أنه رأى رؤيا صالحة تبشّر بالنصر، فبادر بإبلاغها إلى الرئيس السادات، الذي ازداد يقيناً وطمأنينة في قراره، وسار بها واثقاً حتى تحقق النصر بإذن الله، وفي هذه الذكرى الطيبة لمولد الإمام، تؤكد وزارة الأوقاف أن مسيرته ستبقى مشعلًا مضيئًا في مسيرة العلماء الربانيين الذين يحملون همّ الدين والوطن معًا. فعاليات متنوعة وبيان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية قال: يُحيي المجلس ذكرى ميلاد واحد من كبار أعلام الفكر الإسلامي الحديث، إنه الإمام الجليل الشيخ عبد الحليم محمود، الذي وُلد في مثل الشهر من عام 1910م بقرية «أبي أحمد» مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وفي هذه الذكرى العطرة، يطلق المجلس احتفالية خاصة لإبراز سيرة الإمام، ومواقفه التنويرية، وإسهاماته الفكرية والدعوية، التي جمعت بين العلم الأصيل والفكر المجدد، والتصوف الروحي والمنهج التربوي، فقد حفظ القرآن صغيراً، وتتلمذ في الأزهر الشريف، ثم ارتحل إلى جامعة السوربون بفرنسا لنيل الدكتوراه في الفلسفة، وكان -رحمه الله- حاملاً همّ الأمة، وداعياً للتجديد الراشد، ومدافعاً عن الأزهر واستقلاله خلال فترة مشيخته (1973 – 1978م)، وفي ذكراه، نُجدّد العهد مع علمائنا الربانيين، ونستعيد رسالتهم في مواجهة الغلو والتشدد، وبناء الوعي، ونشر السلام. كما أن المجلس الأعلى أطلق أيضًا حملة إلكترونية احتفالًا بذكرى ميلاد الإمام الراحل الشيخ عبد الحليم محمود وفاء لعالمٍ استنارت الدنيا بعلمه وعمله، وتضمنت فعاليات الحملة :»نشرات تعريفية مرئية ومكتوبة، مختارات من كلماته ومؤلفاته، لقاءات مع العلماء حول فكره ومنهجه، تغطيات من قريته ومسجده"، والدعوة للتفاعل تحت اسم: #الشيخ_عبد_الحليم_محمودعاش للإسلام.. وفكر للأمة.. ودعا للسلام. سيرة ومسيرة نال د. الحليم محمود شهادة العالمية عام 1351ه / 1932م، ليمضي بعدها في رحلة علمية فريدة، استكملها على نفقته الخاصة في فرنسا، حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن الإمام الحارث المحاسبي سنة 1359ه / 1940م، وكان عالِماً موسوعيًّا، جمع بين علوم الشريعة والفلسفة وعلم النفس، وقياديًّا حكيماً ما أهّله لتولي مواقع قيادية بارزة، منها:أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين (1951م)، وعميد كلية أصول الدين (1964م)، وأمين عام مجمع البحوث الإسلامية، ثم وكيلا للأزهر الشريف (1970م)، ووزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، وأختتم حياته شيخاً للأزهر الشريف (1973م)، حيث ترك بصمة خالدة في وجدان الأمة. كما أثرى المكتبةَ الإسلاميةَ بعديدٍ من الكتب والمؤلفات في مجالات متعددة ربت على الستين مؤلفًا، منها ما كتب بالعربية، ومنها بالفرنسية، مِن أهمها: "موقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة، التفكير الفلسفي في الإسلام، منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع، أستاذ السائرين الحارث المحاسبي، الإمام الربانيّ الزاهد عبد الله بن المبارك، أوروبا والإسلام، فتاوى الإمام عبد الحليم محمود". وبعد حياة زاخرةٍ بالعطاء والإصلاح في كل ميدان، وخدمةِ قضايا الإسلام في كل مجال؛ ختم الشيخُ حياتَه بزيارة للأراضي المقدسة، وفي صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 ه / 27 أكتوبر 1977م، عقب عملية جراحية أجراها؛ فاضت روح الشيخ إلى بارئها. رؤيا النصر قبل حرب أكتوبر المجيدة رأى الإمام والعالم عبدالحليم محمود شيخ الازهر الشريف في هذا الوقت رؤية مبشرة حيث رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام وأخذه هو ومعه علماء المسلمين والقوات المسلحة وعبر النبي قناة السويس في إشارة منه بنجاح العبور للجيش المصري، وحين استيقظ الإمام عبدالحليم محمود سارع على الفور إلى الرئيس محمد أنور السادات وأخبره بما رآه في المنام ليرسخ في عقل السادات أمل النصر والعبور واقترح عليه أن يتخذ قرار الحرب مطمئنا إياه بالنصر وبعدها ذهب مسرعا إلى منبر الأزهر الشريف وألقى خطبة قال فيها إن حربنا مع إسرائيل هي حرب في سبيل الله وأن الذين يموتون فيها شهداء ولهم الجنة ومن تخلف عنها منافق.