د. سهير العلى: استنزاف للطاقة.. والأبناء الأكثر تضررا د. سامية قدرى: السبب سوء اختيار الشريك وعدم التكافؤ الشيخ محمود الجبرتى: ليس طلاقا رسميا والدين نهى عنه تحقيق: رانيا كرم الدين الطلاق العاطفى أو «الصامت» واحد من الظواهر الغريبة التى طرأت على مجتماعتنا، واصابت آلاف الأسر، وهى حالة من الانفصال العاطفى والوجدانى بين الزوجين، بحيث يعيش الزوجان تحت سقف واحد لكنهما لا يمارسان حياتهما الطبيعية كزوجين، ليستمر الزواج شكلا، كجسد بلا روح، وتصبح الحياة خالية من الرحمة والمودة التى دعا إليها ديننا الحنيف عملا بقوله تعالي: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا وجعل بينكم مودة ورحمة». وعلى الرغم من خطورة تلك الظاهرة على الحياة الأسرية، إلا أن كثيرا من الأزواج يتلاشى الحديث عنها لاعتبارات عديدة، خوفا من المجتمع وحفاظا على المظهر العام، خاصة فى حال وجود أبناء، فتكون النتيجة استمرار الحياة الزوجية أمام المجتمع فقط، لكنها منقطعة الخيوط بصورة شبه كاملة فى الحياة الخاصة للزوجين فى ظل حالة نفسية يشعر فيها أحد الزوجين أو كلاهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر. تقول د. سهير العُلى، مدرس علم النفس بجامعة عين شمس، إن الآثار النفسية التى يتعرض لها الزوجان أثناء الطلاق الصامت تؤثر عليهما بالسلب؛ حيث تتجرد المرأة تدريجيا من شخصيتها وأنوثتها وحبها للحياة، حتى تصبح جسدا دون روح خاليا من الأحاسيس والمشاعر، آلة جسدية مبرمجة للقيام بشئون المنزل بدوام كامل. وقد يصل الأمر بالزوجة فى ذلك الوضع إلى تعرضها للإهانة والضرب والتقليل من شأنها وإنجازاتها، والحط من مجهوداتها والتشكيك فى كل قدراتها سواء العملية أو الفكرية، وقد يصل الأمر إلى انتقاد تربية أطفالها وتنشئتهم، من خلال بعض العبارات التى يوجهها الزوج، فضلا عن تهميشها والتقليل من شأنها ليترسخ فى ذهنا أنها زوجة وأم فاشلة، مبينة أن الزوجة فى مقابل هذا الشعور الوهمى الذى بثه الزوج فى نفسها تحاول جاهدة بذل قصارى جهدها لإرضاء زوجها وأبنائها لتغير وجهة نظره، حتى تكون الأم والزوجة المثالية! وبذلك يصبح تسارعها وسباقها نحو الكمال «الوهمى» والمثالية التى تسعى إليه أمرا مرهقا لها، الأمر الذى يؤدى إلى استنزاف طاقتها الجسدية والنفسية على مرور الزمن حتى تصل حد الإنهاك، مما ينتج عنه اهتزاز فى ثقتها بنفسها وكفاءتها على جميع المستويات، إضافة الى حدوث العديد من الاضطرابات النفسية التى تعرضها لاكتئاب فضلا عن إصابتها بأمراض جسدية، تدفعها إلى التفكير فى الخلاص من حياتها. التزام الصمت وتضيف د. العلى أنه فى المقابل هناك بعض الرجال يتعرضون للقهر من قبل زوجاتهن اللاتى يفرضن سيطرتهن على أزواجهن لضعف شخصية بعض الرجال، وقبولهم التعرض للعنف من قبل زوجاتهم، الأمر الذى يصل إلى حد امتهان كرامتهم، مما يجعل من الصعب على كثير منهم التحدث فى الأمر أو الكشف عنه، حتى للمقربين منهم، لأن ذلك يمس من رجولتهم أمام الجميع، فيرضون بالعيش والتزام الصمت فى بيت ليس لهم فيه كلمة، بيت خال من الاحترام والحميمية. وتوضح د. سهير أن الأبناء هم الأكثر تضررا بسبب الطلاق الصامت، حيث إنه من الطبيعى أن يوفر الأباء لأبنائهم حاجاتهم النفسية والمعنوية، وذلك لن يكون إلا فى بيئة أسرية سليمة مليئة بالحب والحنان والاستقرار العاطفى الذى يمكن الأطفال من التمتع بطفولتهم، وتحقيق التوازن النفسى لهم، وبالتالى الاندماج فى المجتمع بصورة متوازنة، لينشئوا تنشئة سليمة ويكونوا عناصر نافعة لمجتمعهم وأنفسهم وأسرهم. من جانبها ترجع د.سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع سبب حدوث الطلاق الصامت إلى سوء اختيار شريك الحياة وعدم التكافؤ، فقد ينخدع أحد الزوجين «فى أثناء فترة الخطوبة» فى الطرف الآخر، حيث إنه كثيرا ما تتباين الصفات الشخصية لكليهما بعد الزواج، مع اختلاف الميول والاهتمامات لكلا الزوجين، مما يجعل كل منهما يعيش فى عالم مختلف عن الآخر، الأمر الذى يؤدى إلى تزايد الفجوة بينهما. لقب مطلقة وتشير د. سامية إلى العديد من العوامل الأخرى التى تتسبب فى حدوث هذه الظاهرة والتى منها اهتمام الطرفين كل بمصالحه الخاصة، حتى لو على حساب الطرف الآخر، كذلك سيطرة الروتين على حياة الزوجين، مما يجعل الزهق والملل يتسربان إلى حياتهما، لافتة إلى وجود معنيين يرافقان هذا النوع من الطلاق: المعنى الأول، يتجلى واضحا فى غياب الحوار والتواصل بين الطرفين، أو ما يعبّر عنه بعض المختصين فى العلاقات الزوجية ب «ظاهرة الخرسان» كأحد أهم مؤشرات هذا النوع من الطلاق (من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه)، أى أن كل طرف لم يعد يجد أى رغبة فى الحديث مع الطرف الآخر، فيغيم الصمت و«الخرس» على حياتهما. أما المعنى الثانى فيتجلى فى عدم ظهور تلك القطيعة خارج البيت، ليصبحا كموظفين فى الحياة الزوجية تجمعهما لقاءات عابرة والتزامات مادية للحفاظ على شكلهما الاجتماعى والأسرى أمام الآخرين، وذلك خوفا من لقب مطلق أو مطلقة، وخصوصا لقب مطلقة للزوجة؛ ولتجنب نظرة مجتمعنا القاصرة للمطلقات، وهذه الحالة قد لا يعرف أحد من المحيطين بالزوجين شيئا عنها، فأمام العائلة والأصدقاء يكونان وكأنهما أكثر من حبيبين! ولكن فى خلوتهما يخلعان قناع العائلة ويعودان إلى وجه الفراق السيئ. التنشئة الاجتماعية وتضيف د. سامية قد تكون مجرد ظاهرة عابرة نسميها «طلاق صامت من درجة أولى» يمكن أن يكون مجرد ظاهرة عابرة، وكأنها «سحابة صيف» لفترات معينة، سرعان ما تمر على الحياة الزوجية، ثم ينجح الطرفان فى تجاوزها، فكل العلاقات الزوجية تنتابها من حين أو لآخر خلافات نتيجة ضغوط الحياة اليومية والمعيشية، الروتين، اختلاف فى التنشئة الاجتماعية بين الطرفين، خاصة فى بدايات عمر الزواج، وفى هذه الحالة ينتج شبه قطيعة كثيرا ما تكون وقتية وظرفية لنعبر عنها بطلاق صامت من الدرجة الأولى، بل حتى الطلاق الصامت من الدرجة الثانية عادة ما تسبقه قطيعات مؤقتة. وتابعت: «إذا تكررت تلك الانقطاعات، فإن المشكلات تزداد، وبالتالى تتفاقم الخلافات، الأمر الذى يحول الطلاق الصامت من الدرجة الأولى إلى طلاق صامت من الدرجة الثانية». مشيرة إلى أنه بحسب الدراسات فإن تسعا من كل عشر سيدات يعانين من صمت الأزواج، وانعدام المشاعر بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الزواج، وتشير الأرقام إلى أن 72% من حالات الانفصال العاطفى تكون بسبب معاناة المرأة أو الرجل من غياب التواصل العاطفى وانعدام المشاعر، وعدم التعبير عن العواطف بين الزوجين، وعدم وجود حوار يربط بينهما، مؤكدة أن هذه الاعراض تؤدى الى شيوع ذلك النوع من الطلاق، وحينما يحصل الجفاف فهذا يعنى أن المشاعر الإيجابية دفنت تحت ركام من المشاعر السلبية القديمة، تلك المشاعر التى تعد من أكبر معاول الهدم للعلاقة الزوجية وللحياة الأسرية بكاملها. الطلاق الشرعى وفى السياق نفسه يوضح الشيخ إسماعيل أحمد أمين لجنة الفتوى بالأزهر الشريف أن الطلاق الصامت لا يعتبر طلاقا رسميا طالما أنه لم يظهر بشكل صريح، مشيرا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الشكل من الانفصال، استنادا للحديث الشريف القائل: «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، كما قال النبى أيضا: «خيركم من يبدأ أخاه بالسلام»، وينطبق ذلك على الرجل والمرأة أن يبدأ أحدهما بالسلام، وفى حال استحالة العيش بين الزوجين، فإنه من الأفضل الانفصال بطلاق رسمي، مع حفاظ الرجل على حقوق أولاده. ويؤكد الشيخ محمود الجبرتى، من علماء الأزهر الشريف، أنه من الواضح أن الطلاق الصامت حالة لا يحفظ فيها الزوج حدود الله عز وجل، التى شرعها وعد من يتعداها ظالما معتديا، وكذلك الزوجة فى هذه الحالة لم تحفظ حدود الله عز وجل ولم تؤدى واجباتها، فكلا الزوجين فى هذه الحالة معتد ظالم؛ ما دام يملك إنهاءها بإحدى صورتين: (إمساك بمعروف) أو (تسريح بإحسان)، لافتا إلى أن الشريعة الإسلامية لا يوجد فيها شيء اسمه الطلاق الصامت، حتى لو كان هناك انفصال بين الزوجين فى البيت كالخصام مثلا، فهما ما زالا زوجين. ويوضح، أن الطلاق فى الإسلام، هو الطلاق الشرعى الذى يصدق بقسيمة الطلاق أو التلفظ الصريح المتعمد بلفظ الطلاق، مبينا أن مشكلات الحياة الزوجية لها حلول، تطمئن إليها النفوس وتعيد الاستقرار والهدوء إلى الأسرة المصرية، فإن لم يستطع الزوجان فعل ذلك، فعليهما اللجوء إلى الأماكن التى تساعد على حل المشكلات الزوجية، أو تدخل الأهل والأشخاص الثقات لحل مثل هذه الخلافات التى بينهما فى هدوء.