في بريطانيا.. تحولت «الأجندة الخضراء» من مُجرد برنامج بيئي، إلى ساحة صراع حقيقي بين النخبة السياسية وجماهير الشعب البريطاني، ويشعر كثيرون أن سياسات تقليل الانبعاثات تُحمّل الفئات الأضعف أعباءً لا تحتمل، الأمر الذي يفتح الباب واسعًا أمام الهجوم الشعبي والشعبوي على هذه السياسات. بينما يقف رئيس الوزراء البريطاني زعيم حزب العمال، كير ستارمر، في مواجهة انتقادات حادة من قِبل قوى سياسية كبرى مثل رجل الدولة الأسبق توني بلير، الذي يرى أن هذه السياسات بعيدة عن واقع الشعب البريطاني، وفي الوقت نفسه، يُدافع نواب حزب الخضر البريطاني عن ضرورة العدالة البيئية، مُطالبين بتحميل الأغنياء نصيبهم في تكلفة التحول البيئي. وتسلط «بوابة أخبار اليوم» خلال السطور التالية، الضوء على تفاصيل تحليل الموقف السياسي حول الأجندة الخضراء في بريطانيا. تتصاعد في بريطانيا اليوم موجة من الضغوط السياسية المتزايدة على زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، بعد الهجوم العنيف الذي شنّه عليه توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، بسبب موقفه من "الأجندة الخضراء" وسياسات مواجهة تغير المناخ، بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية. لكن هذا الهجوم لم يكن مُجرد خلاف سياسي عابر، بل كشف عن صدام أيديولوجي عميق حول مستقبل بريطانيا بين قوى سياسية ترى أن السياسات البيئية الحالية تشكل عبئًا على المواطنين العاديين، خصوصًا الفقراء، وبين من يصرون على ضرورة تبني أجندة بيئية أكثر عدلاً وإنصافًا. وفي قلب هذا الصراع، يبرز صوت نواب حزب الخضر، مثل زاك بولانسكي، نائب زعيم الحزب، الذي يوضح أن المشكلة ليست في مطالب الحد من الانبعاثات فحسب، بل في طريقة تنفيذ هذه السياسات التي تضع عبء التغيير على الفئات الاجتماعية الأضعف. ودعا بولانسكي، إلى تدخل حكومي أكثر جرأة، وتركيز على مكافحة الفقر، وتحميل الأغنياء والطبقة الثرية الضرائب اللازمة لتمويل التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، واستعادة الطبيعة وحماية الموارد البيئية. فيما لم يقتصر هذا الخلاف على بريطانيا وحدها، بل يتردد صداه في مناطق أخرى من العالم، حيث تُواجه السياسات البيئية مقاومة شعبوية متزايدة، من بينها الولاياتالمتحدة تحت قيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث أصبحت "الأجندة الخضراء" هدفًا للهجوم اليميني الشعبوي، الذي يتهمها بأنها مشاريع نخبوية بعيدة عن هموم المواطن العادي. وفي بريطانيا، تؤكد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة صعود الحركات الشعبوية، مثل حزب "إصلاح المملكة المتحدة"، الذي شن هجومًا متكررًا على سياسات صافي الانبعاثات الصفري، معتبراً إياها سياسة "غبية" وغير واقعية، وحث مسؤولي المجالس المحلية على التخلي عن دورهم في مواجهة التغير المناخي، وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية. وفي ظل هذا التوتر السياسي، أصبح رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر أمام تحدٍ معقد، بين ضرورة تبني أجندة بيئية طموحة تحمي الكوكب.. وبين الحاجة إلى بناء تحالفات سياسية قوية تحترم مخاوف المجتمع ومصالحه، بعيدًا عن الاستقطاب الحاد، فيما أوضح هذا المشهد أزمة أكبر في كيفية تحقيق التوازن بين الطموحات البيئية والعدالة الاجتماعية، وهي المعركة التي ستحدد مُستقبل السياسة البريطانية في السنوات القادمة. اقرأ أيضًا| «لحظة فوكلاتد».. بريطانيا تخطط لإنفاق 118 مليار جنيه إسترليني لضمان التفوق النووي اشتباكات داخل حزب العمال.. وصراع حول الموقف المناخي قبل أيام قليلة من الانتخابات المحلية في بريطانيا، شهد حزب العمال البريطاني انقسامات حادة على خلفية تصريحات توني بلير التي انتقدت مواقف بعض قيادات الحزب، وعلى رأسهم وزير الطاقة البريطاني، إد ميليباند وزعيم الحزب كير ستارمر، تجاه هدف صافي الانبعاثات الصفري، وجاء هذا الخلاف في وقت كان فيه ستارمر يتطلع لتقديم نفسه كرجل دولة عالمي قادر على قيادة بريطانيا نحو مستقبل أكثر استدامة. وفي 24 أبريل، أي قبل أسبوع من الانتخابات، ألقى ستارمر خطابًا بارزًا في قمة أمن الطاقة بلانكستر هاوس، حضرها قادة ووزراء من أكثر من 60 دولة، وشدد فيه على أن الطاقة يجب أن تكون مصدر قوة وأمن وطني، مُشيرًا إلى أن الطاقة النظيفة المُنتجة محليًا هي السبيل الوحيد لتأمين إمدادات الطاقة وخفض فواتير المواطنين، واعتُبر الخطاب نقطة انطلاق مهمة لتأكيد التزامه بخطط بيئية واضحة وواقعية. تقرير يُثير الجدل حول استراتيجيات الطاقة النظيفة بينما كان ستارمر يروج لخطته الطموحة، قدم توني بلير تقريرًا مثيرًا للجدل يدعو فيه إلى زيادة الاستثمارات في الطاقة النووية وتكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون، منتقدًا في الوقت ذاته استراتيجية "التخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري التي وصفها بأنها ستفشل، وأشار إلى أن الناخبين يشعرون بثقل التضحيات المادية في حين أن تأثيرهم على الانبعاثات العالمية محدود، ما دفع لردود فعل واسعة داخل الأوساط السياسية. وأحدثت تصريحات بلير صدى واسعًا، حيث استغل المحافظون هذه الخلافات لتوجيه انتقادات لاذعة لحكومة ستارمر. في المقابل، استقبل حزب "إصلاح المملكة المتحدة" الشعبي نتائج الانتخابات المحلية بفرح، مُعلنًا رفضه الكامل لسياسات صافي الانبعاثات الصفري، وتعهد قادته، مثل ريتشارد تايس، بمواجهة أي مشاريع للطاقة المتجددة وشن حملة ضد هذه السياسات، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. لكن، رغم الضجة التي أطلقها تدخل بلير قبيل الانتخابات، خرجت دوائر رئاسة الوزراء البريطانية لتدافع عن موقف ستارمر، مُؤكدة التزام الحكومة البريطانية بسياسة الطاقة النظيفة والعمل على تحقيق أهداف المناخ. كما صرح مصدر في حزب العمال البريطاني، بأن كلمات كير ستارمر في قمة لانكستر هاوس تعكس نبرة واضحة لجدية الحكومة البريطانية في المضي قدمًا بالأجندة الخضراء رغم التحديات السياسية. دعم شعبي واسع لسياسات صافي الانبعاثات الصفري بينما تظهر استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الناخبين يدعمون اتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهة أزمة المناخ، حيث يُؤيد 40% منهم هدف المملكة المتحدة لعام 2050 للانبعاثات الصفري، مُقابل 21% فقط يعارضونه. وتشير البيانات إلى رغبة ثلثي الشعب البريطاني، في الحفاظ على وتيرة تنفيذ هذه السياسة أو تسريعها، حتى بين أنصار حزب العمال البريطاني الداعمين للإصلاحات، ما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية التحول البيئي. وفي ظل هذا الواقع، وجهت نائبة مدير الشؤون السياسية في التحالف الأخضر، هولي برازيير توب، دعوة واضحة لكير ستارمر بالحسم والجرأة، حيث أكدت أن حزب العمال البريطاني يملك أغلبية تاريخية تسمح له بإحداث تغييرات جوهرية في مجال الطاقة النظيفة، مُشددة على ضرورة خفض فواتير الطاقة للمواطنين والتخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري الباهظ. وبعد نتائج الانتخابات المحلية التي جاءت مخيبة، أعرب عدد من نواب حزب العمال البريطاني عن تفاؤلهم بتأكيد زعيم الحزب، كير ستارمر التزامه بتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري، كذلك وضفت النائبة آنا جيلدرد هذا الالتزام بأنه "فرصة ذهبية" للحزب لإعادة بناء ثقة الناخبين وتعزيز دوره في مواجهة التحديات البيئية. كما أشارت بولي بيلينجتون، نائبة البرلمان البريطاني عن شرق ثانيت في إنجلترا، إلى أن موضوع صافي الانبعاثات لم يحظ بالظهور الكافي في الحملات الانتخابية، وحثت الحكومة البريطانية على توضيح كيف يمكن ل الشعب البريطاني في مناطقهم الاستفادة المباشرة من السياسات الخضراء، بدلاً من التركيز على وجهات نظر نظرية أو عالمية فقط، وأضافت: "علينا أن نحافظ على التزامنا ونُروّج لرسالتنا بشكل يجذب الجميع، سواء من الناخبين الذين شاركوا أو الذين لم يصوتوا." أشهُر حاسمة لستارمر تشير التطورات إلى أن الأشهر القادمة ستكون مفصلية في اختبار قدرة كير ستارمر على ترجمة وعوده البيئية إلى واقع عملي، مع صدور قرارات هامة منها الاستراتيجية الصناعية الجديدة التي تستهدف دعم قطاعات تواجه تحديات كبيرة مثل صناعة الصلب وتصنيع السيارات، وسط تداعيات انسحاب شركة أورستيد الدنماركية من مشروع طاقة الرياح قبالة يوركشاير. ويتنازع الوزراء حول خطة بناء 1.5 مليون منزل جديد، مع إصدار قريب ل"معيار المنازل المستقبلية" الذي سيحدد مدى التزام المشاريع السكنية بأعلى المعايير البيئية. وهذه الخطوة ستساعد في خفض فواتير الطاقة للسكان وتقليل الانبعاثات، رغم المخاوف من تكاليف إضافية على المطورين الذين هددوا الحكومة بمواجهة الأهداف الصارمة. وتستعد الحكومة البريطانية لإطلاق برنامج "منازل دافئة" الذي يخصص 13.2 مليار جنيه إسترليني لعزل المنازل، خصوصًا للأسر ذات الدخل المنخفض، التي تعاني من ارتفاع فواتير الطاقة في مساكن غير معزولة جيدا، وهو ما يراه خبراء البيئة خطوة حاسمة لإثبات أن سياسات صافي الانبعاثات الصفري يمكن أن تعود بالنفع على الفئات الأكثر تضررًا. خطط لتعزيز الطاقة المتجددة في بريطانيا.. تتضمن الخطط الحكومية القادمة تعزيز توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية على اليابسة، إلى جانب قرارات مُثيرة للنقاش حول توسيع مطاري جاتويك وهيثرو، كما من المتوقع صدور استراتيجية متماسكة حول صافي الانبعاثات في نهاية أكتوبر، عقب انتصار قانوني لمنظمة أصدقاء الأرض العام الماضي. من جانب، تعتبر تيسا خان، المديرة التنفيذية لمجموعة "أبليفت" لحملة المناخ في بريطانيا، أن اختبار الحكومة البريطانية الأهم هذا الصيف هو كيفية الرد على حكم المحكمة الذي يعترض على حقول نفط جديدة مثل مشروعي روزبانك وجاكداو، مُشيرة إلى أن استغلال الموارد المتبقية في بحر الشمال يعود بالنفع فقط على شركات النفط العملاقة دون مصلحة العمال أو المجتمعات المحلية. أهمية دعم العمال في قطاع الطاقة في ذات السياق، أكدت خان، على ضرورة دعم العمال في قطاع النفط والغاز خلال عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وضمان استفادة المجتمعات التي شهدت تراجعًا اقتصاديًا نتيجة تغيرات الصناعة. وأشارت، إلى أن حزب العمال البريطاني بحاجة إلى الاصطفاف مع الأغلبية التي تدرك تكلفة الوقود الأحفوري ومخاطره، والوقوف في وجه مصالح الفئات المستفيدة من النظام القديم. تحديات التمويل يًواجه التمويل الحكومي للتحول الأخضر ضغوطاً كبيرة، حيث تستعد وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، لإصدار مُراجعة شاملة للإنفاق تحدد أولويات الحكومة المالية، مع تقليص بعض الميزانيات البيئية، تتزايد التساؤلات حول مدى توفر الموارد الكافية لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري وسط ضغوط على ميزانية الدفاع وقطاعات أخرى. ورغم أن ضريبة الثروة تحظى بشعبية في استطلاعات الرأي وتلقى دعمًا ضمن أوساط حزب العمال البريطاني، ترفض الحكومة البريطانية إدخالها ضمن سياساتها المالية، حيث تم استبعادها من الخطة المالية الحالية، وتبرز هذه القضية كواحدة من أبرز نقاط الخلاف بين الرؤية الطموحة للتحول الأخضر والقيود العملية على التمويل. ليبقى التحدي الأكبر، لرئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، هو تحجيم الصراعات الداخلية في بريطانيا وضمان توفر الموارد المالية اللازمة لتحقيق الأهداف البيئية إلى جانب مواجهة المعارضة من حزب الإصلاح أو التيارات البيئية المتشددة، مع ضرورة توحيد المواقف السياسية لضمان مستقبل مستدام لبريطانيا.