يُلوح في الأفق خطر حقيقي يُهدد مكانة الولاياتالمتحدة الصناعية، وذلك بسبب قرارات داخلية تقوض قوة القاعدة الصناعية الأمريكية الوطنية، حيث حذّر خبراء بارزون من أن إدارة ترامب، رغم إدراكها لأهمية إعادة بناء الصناعة الأمريكية، تتبع سياسات متناقضة.. قد تُضعف أسس القوة الإنتاجية للبلاد. الأمر الذي يفتح الباب واسعًا أمام صعود الصين، التي باتت تسيطر على قطاعات استراتيجية ضخمة مثل الفولاذ، والأسمنت، والسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة. اقرأ أيضًا| خيانة اقتصادية.. كيف تضرر أكبر حلفاء ترامب بسبب سياسة الرسوم الجمركية؟ وفي هذا السياق، تستعرض «بوابة أخبار اليوم»، خلال ذلك التقرير، المشهد الصناعي والاقتصادي في الولاياتالمتحدة، وتحليلات خبراء ومراقبين حذروا من أن السياسات المتبعة خلال إدارة ترامب قد تؤدي إلى تراجع القاعدة الصناعية الأمريكية، ما يفتح الباب واسعًا أمام صعود الصين كقوة صناعية وعسكرية عالمية، كذلك، نسلط الضوء على أبرز النقاط والتحديات التي تُواجه أمريكا داخليًا وخارجيًا في مواجهة التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة خلال الوقت الراهن.. وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية، تحوّلت الصين إلى قوة صناعية متكاملة تتفوق على الولاياتالمتحدة بعدة أضعاف في كثير من المجالات.. الأمر الذي كشف عنه تقرير حديث في مجلة «الشؤون الخارجية» لصانعي السياسات راش دوشي وكورت كامبل، اللذين أكدا أن القدرات البحرية الصينية ستتجاوز الأمريكية بحلول 2030 بنسبة 50%، في حين تهيمن الصين على صناعة البطاريات والطائرات بدون طيار وألواح الطاقة الشمسية. في هذا السياق، أصدرت إدارة ترامب أمرًا تنفيذيًا يحذر من أن «القاعدة الصناعية الدفاعية» الأمريكية أصبحت مُهددة بسبب اعتمادها الكبير على خصوم جيوسياسيين، في إشارة واضحة إلى الصين. لكن السؤال يبقى.. حول «هل تكفي هذه التحذيرات لتعديل المسار؟ أم أن السياسات المتبعة ستُشعل صراعات داخلية تعمّق الأزمة بدلًا من حلها؟»، ففي وقت تتنافس فيه القوى العظمى على الهيمنة الصناعية، تبقى الولاياتالمتحدة في مفترق طرق حاسم بين الاستمرار في التراجع أو إعادة بناء مجدها الصناعي من جديد. سياسة ترامب.. «عشوائية تُضعف القوة الأمريكية» على الرغم من الحاجة الملحة لإعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية لمواجهة التحديات الصينية، اتسم نهج إدارة ترامب بعدم التنظيم والكفاءة، بدلًا من بناء تحالفات عالمية قوية وسلاسل توريد متينة تنافس العملاق الصيني، شهدنا تهديدات حتى لحلفاء تاريخيين مثل كندا، وتوترات مع أوروبا وشرق آسيا نتيجة فرض الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة، وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية. وبدلًا من تعزيز الاستثمار في البحث العلمي والابتكار، وهو ركيزة أساسية لتفوق الولاياتالمتحدة التكنولوجي، شهدت هذه القطاعات هجمات مالية وإدارية، حيث تعرّضت المعاهد الوطنية للصحة والمؤسسة الوطنية للعلوم لضغوط تقشفية، كما تعرضت جامعات مرموقة مثل هارفارد وكولومبيا لانتقادات وملاحقات. وفي مجال الطاقة النظيفة بالولاياتالمتحدة، الذي يمثل مستقبل الصناعة العالمية، استهدفت إدارة ترامب برامج دعم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في حين قلّصت دعم المشاريع النووية عبر تقليص عدد موظفي مكتب برامج القروض بوزارة الطاقة الأمريكية بنسبة 60%. إلى جانب ذلك، تقلّصت مكانة أمريكا كوجهة جذب للمواهب الأجنبية، بعدما تم طرد أعداد كبيرة من الطلاب الأجانب الذين يشكلون ركيزة أساسية في تطوير الابتكار. انعكاسات ثقافية وسياسية.. ظلال «الماوية» تتكرر قال أحد الخبراء في الشؤون الصينية، لي راش دوشي، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يبدو وكأنه يحاكي جزءًا من سياسات ماو تسي تونج، الزعيم الصيني الذي قاد «القفزة الكبرى للأمام» التي تميزت بالاستهداف المتكرر للأفراد والذي أودى بحياة ملايين، وفقًا لما أشارت له مجلة «ذا أتلانتيك». ورغم أن دوشي لا يتوقع حدوث مجازر، إلا أنه يلاحظ تكرار مظاهر الاستهداف المتكرر للأفراد والمنظمات بسبب آراء تخالف إدارة ترامب، الأمر الذي أدى إلى عمليات تطهير داخل الحكومة الأمريكية وتدمير للقدرات المؤسسية. فيما وصف الكاتب روتيمي أديوي، هذا المشهد بأنه «ماجا ماو» (وهي تحوير لكلمة MAGA الحركة السياسة الأمريكية المؤيدية لترامب وسياسات ماو الصينية)، حيث يبدو أن اليمين الترامبي يُحاول إزالة كل أثر للفكر التقدمي في المكتبات والمتاحف الحكومية الأمريكية، حتى أن كُتبًا لمؤلفين سود وإناث ويهود أُزيلت من الأكاديمية البحرية، بينما بقي كتاب «كفاحي» (الذي يروي السيرة الذاتية لزعيم الحزب النازي أدولف هتلر) في مكانه. كما أُتهم المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الأفريقية بنشر «أيديولوجية غير لائقة»، ووجهت إدارات المتنزهات الوطنية بإعادة كتابة التاريخ لتلائم روايات معينة، بحسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية. اقرأ أيضًا| الحرب التجارية بين ترامب والدول الكبرى.. هل ستكون التجارة فريسة للرغبة الأمريكية؟ خطاب القوة والمصانع.. واقع متناقض مع الطموحات في خطاب التخرج بجامعة ألاباما في الولاياتالمتحدةالأمريكية، دعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الطلاب لاستثمار مهاراتهم في «تشكيل الفولاذ وصب الخرسانة في المصانع وأحواض بناء السفن والمدن الأمريكية الجديدة»، وهو خطاب يذكر بشكل غريب بدعوات «ماو»، في 1957 التي حثت المثقفين على التوجه للعمل مع العمال والفلاحين حتى لو تطلب ذلك العيش في الريف والعمل في المصانع. رغم هذا الحماس الخطابي، فإن الواقع يوضح ضعفًا حقيقيًا في دعم الصناعة الأمريكية، حيث تراجعت الاستثمارات في البحث والتطوير، وانخفض الدعم الحكومي الأمريكي لمشاريع التكنولوجيا المتقدمة بالولاياتالمتحدة، وعوضًا عن تعزيز القدرات، تضررت البنية التحتية الصناعية وتم تفكيك التحالفات التجارية الضرورية التي تعزز من قوة أمريكا الاقتصادية. هل تُعطي هذه السياسات الصين أفضلية استراتيجية؟ أشار الخبير في الشؤون الصينية، كورت كامبل، إلى أن سياسات ترامب الحالية تتجاوز في أثرها ما خططت له الصين لتحقيقه خلال سنوات طويلة، حيث يرى محللون صينيون، أن سرعة وتأثير الإجراءات الأمريكية في فترة قصيرة مكّن الصين من تحقيق مكاسب استراتيجية كانت ستحتاج لعقود لتحقيقها، بحسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية. وإذا استمرت سياسات ترامب هذه دون تعديل، فإن الولاياتالمتحدة قد تُواجه صُعوبة كبيرة في استعادة مكانتها الصناعية والعلمية، ما يفتح المجال للصين ليسيطر على مشهد القرن القادم على الصعيدين الصناعي والعسكري.. اقرأ أيضًا| «من زفايج إلى ترامب».. سردية انهيار النظام تتكرر بلغة أمريكية