في عالم يمكن فيه للآلة أن ترسم، تؤلف موسيقى، تكتب روايات، وتصنع أفلاما قصيرة بكفاءة مذهلة، يقف الفن في مفترق طرق.. فهل نحن بصدد ولادة شكل جديد من الإبداع؟، أم أن ما تفعله "الخوارزميات" مجرد محاكاة بلا روح ولا مشاعر؟، وهل يولد الخيال بنقرة على آلة تكنولوجية؟، وهل يمكن أن ينهي دور الفنان؟.. الفن المولد بالذكاء الاصطناعي، يثير جدلا واسعا حول ماهية الفن وحدود المبدع في ظل هذه التكنولوجيا الفائقة الدقة والتنفيذ، هناك برامج عديدة أصبحت قادرة على صناعة صور ولوحات وموسيقى وأفلام، بناء على أوامر نصية بسيطة، يكفي أن تكتب "شخصية تقرأ كتابا تحت المطر بأسلوب فان جوخ".. وستحصل على صورة قد تثير الإعجاب وربما الدهشة، وفي مجال الموسيقى، يستطيع الذكاء الاصطناعي توليف ألحان كاملة على غرار فنانين عالميين، بل إن هناك تجارب لأفلام قصيرة كتبها وأخرجها الذكاء الاصطناعي، اعتمادا على تحليل قواعد السرد التقليدي. رغم كل هذا التقدم، لا يشعر جميع الفنانين بالتهديد بعضهم يرى أن الذكاء الاصطناعي مجرد "فرشاة رقمية" جديدة، تحتاج إلى عقل فنان ليوجهها، وهناك من يرى أن هيمنة الذكاء الاصطناعي قد تقلل من قيمة الجهد البشري، خصوصا مع صعوبة التمييز بين ما هو أصيل وما هو من صنع التكنولوجيا، ولكن يمكن تحقيق معادلة بين الإنسان والآلة، فهناك تجارب ناجحة لدمج الذكاء الاصطناعي داخل العملية الإبداعية، مخرجون استخدموه لتصميم القصص المصورة، وكتاب استفادوا منه في خلق شخصيات أو حبكات درامية بديلة، وموسيقيون دمجوا الأصوات الاصطناعية في ألبوماتهم، وهنا الفنان لا يلغى، بل يتحول إلى موجه للذكاء الاصطناعي واستخدامه كأداة وليس بديلا عنه، فبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي يتعلم أسرع ويحلل أعمق، وينتج بكفاءة مذهلة، لكنه لا يشعر، ولا يمر بتجارب إنسانية وحياتية، وليس لديه مشاهد من طفولته مثلا ولا ذكريات يمكن أن يحكيها، فالفن ليس مجرد منتج نهائي جميل، بل هو انعكاس لما نعيشه ونشعر به ونخسره، وهذا لايمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفره فيظل الإنسان هو الفنان الحقيقي القادر على الإبداع والخيال، وهو من ينقل الحياة بروحه، ولن يسرق الفن، لكنه سيجبرنا على إعادة تعريفه، ومن المؤكد أن المعركة بين "الخيال البشري" و"الذكاء الاصطناعي" قد بدأت.!