لا يفصلنا عن القمة التنموية العربية الخامسة سوى ساعات. قمة بغداد تنعقد فى ظل بيئة إقليمية ودولية محملة بتحديات عاصفة، يعاد تحت وطأتها الشديدة تشكيل النظام الدولى برمته، وفى القلب منه الاقتصاد العالمى. أمام القمة العديد من الملفات المهمة، لكن ما يتمناه العربى من المحيط إلى الخليج ليس خروج بيان شامل يتناول كل هذه الملفات، مشمولة بقرارات وتوصيات، بقدر ما يصبو إلى تركيز البيان على ما يجب أن يحتل الأولوية المتقدمة، ويترجم عملياً التعاطى مع ما له صفة «العاجل» والأكثر أهمية من بين التحديات الماثلة فى اللحظة الراهنة بمفصليتها، وبما يتناسب معها بكل جدية وفعالية. بالطبع فإن الارتفاع بسقف الأمانى والطموحات، يجافى الواقعية السياسية المطلوبة، لكن لا بأس من التركيز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإضفاء التصويبات الممكنة على مسار الاقتصادات العربية، عبر تفعيل ناتج الخبرة العربية المتراكمة على مدى ما سبق من قمم تنموية، والبناء على أى إنجاز مهما بلغ تواضعه، من ثم فإن متابعة تطور الملفات المفتوحة يمثل ضرورة حتمية، لقراءة مدى الارتباط بين التخطيط والتنفيذ، وبالتالى التصدى لمعوقات العمل خلال المراحل السابقة. قبل ستة عقود تم إطلاق اتفاقية السوق العربية المشتركة، إلا أن خطوات الإنجاز لا تلائم المأمول ، وظل السوق حلماً، وبنداً يحل ضعيفاً دائماً على القمم العربية، وما دونها من مستويات العمل العربى المشترك، إلا ان إطلاق فكرة القمم التنموية بث فى الحلم روحاً جديدة، ومن حق العرب أن يشهدوا تقدماً ملموساً على طريق إقامة تكتل اقتصادى حقيقى، وسوف يحسب لهذه القمة أن تتبنى تحديد ملامح هذا التكتل بشكل عملى، فمؤسسة القمة وحدها القادرة على ملامسة ذلك الحلم. وإذا حالت عقبات عملية دون بلوغ بشائر الحلم، فثمة ملف يعد ضمن أكثر تحديات الأمن القومى العربى خطورة ، متمثلاً فى الأمن المائى، وثمة تصورات تم تقديمها للقمم السابقة بهذا الشأن، ولعل تحقيق تقدم فى ملف الأمن المائى يكون خطوة ذات صدى إيجابى عن دعم الأمن الغذائى والتنمية الصناعية فى آن واحد، وهو ما يصب فى خانة دعم أى برامج تكاملية ترفد التعاون العربى المشترك وتلتقى مع الحلم الأكبر أى السوق العربية المشتركة، كغاية وهدف أسمى. ويبقى الأمن والتنمية وجهين لعملة واحدة.