الفن التشكيلى مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله.. الاحتفال بعيد العمال يعود إلى اتحاد نقابات العمال فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما حدث إضراب عام 1889 من عمال المصانع مطالبين بحقوقهم، وقُتل عدد منهم على أيدى الشرطة فى مدينة شيكاغو، وبعد عدّة أحداث متلاحقة، تم إطلاق دعوات حول العالم بتوحيد صفوف العمال، وكان ذلك فى 1 مايو 1890، حيث أصبح هذا اليوم عيدًا للعمال عقب هذا التاريخ فى العديد من دول العالم ومنها مصر. اقرأ أيضًا | وزير العمل يعلن عن منح تدريبية مجانية ل 28 مهنة بمعهد السالزيان الإيطالي الفنان محمد حامد عويس (1919-2011) صاحب البصمات الواضحة فى تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، الذى كان مهمومًا بالطبقة الكادحة من أبناء الوطن، فضلًا عن تجسيده نضال العمال فى المصانع، وكفاح الفلاحين والصيادين بحثًا عن الرزق، رسم آمال وطموحات المصريين، ونجح فى التعبير عن صمود الشعب المصرى فى لحظات حاسمة من تاريخه، جسد ملحمة السد العالى وقت تشييده، ونقل لنا بإحساسه مشهد قناة السويس لحظة تأميمها، وانتصار حرب أكتوبر المجيدة. كتب ماركس فى تعريفه للعمل: «إن عمر الفن يوشك أن يكون هو عمر الإنسان، فالفن صورة من صور العمل، والعمل هو النشاط المميز للجنس البشرى». وهذا ما جسده حامد عويس فى لوحات عديدة ترتبط بالعمل، حيث وضح تأثره بالأحداث التى مر بها الوطن، ورسم ملحمة المواطن المصرى، وجسد معانى الحرية والعدالة الاجتماعية التى فرضتها ثورة يوليو 1952، مثلما ظهر فى لوحة: «خروج العمال» ولوحة «ناصر»، كما برهن عن وطنيته حينما رسم معظم الأحداث المصرية التى تركت علامات بارزة فى أذهان البسطاء من أبناء الوطن. رائد الواقعية يعد عويس أحد رواد الواقعية المصرية، حيث ظهر تأثره بشدة بأفكار جماعة الفن الحديث الذى نبذ أعضاؤها الفن السيريالى بقوة، فقد كانوا يؤمنون بأن الفن يجب أن يكون نبضًا للجماهير.. يشعر بآلامهم وأفراحهم، وبالنظر للفن عنده نجد أنه قضية إنسانية بالطراز الأول، وتجلى هذا فى تنقيبه فى الموروث الثقافى المصرى، فضلًا عن تأثره بنشأته على شواطئ الإسكندرية الملهمة التى أنجبت العديد من الفنانين أمثال: محمود سعيد ومحمد ناجى والأخوين سيف وأدهم وانلى، حيث رسم لوحات «البلاج» و«محطة ترام كليوباترا» و«حوار الصيادين» و«بنت البلد» و«الصياد والسمكة» و«شمس الشتاء». أعمال استمدها من نشأته الإسكندرانية، فقد كان تركيزه ينصب على الكتلة والمبالغة فى تضخيم العنصر البشرى، كأنه أسلوب معمارى ابتدعه ونهجه فى أعماله، من هنا تكمن فرادة العلاقة التى اتخذها عويس متكئًا على أسلوبه الفريد الذى من الصعب أن تخطئه العين، فقد كان متيمًا بالعنصر اللونى الذى يعتبره من أساسيات بناء التكوين، وألوانه فى مجملها متجانسة ترتبط بقوة بماهية العمل ودلالاته، تظهر عنده سطوة اللون وعنفوانه وارتباطهما بالحركة التى تضيف معانى كثيرة للعمل الذى يعتمد فى المقام الأول على القضية الإنسانية التى يسعى إليها من خلال أدواته بعيدًا عن الصياغات التشكيلية التى تأتى فى المقام الثانى دائمًا عنده. لوحة الخروج عكس حامد عويس فى أعماله الواقعية انحيازه للعامل الكادح والإنسان الذى يسعى دائمًا للبناء والتشييد، وظهر ذلك جليًا فى لوحته الشهيرة «خروج العمال» التى رسمها عام 1953 بالألوان الزيتية فى مساحة 100x80 سم مجسدًا مشهد عمال مصنع الغزل والنسيج بالمحلة أثناء خروجهم من وردية الليل فى مجموعات وهم يرتدون ملابس ثقيلة وأغطية رأس، وتختلف تعبيرات وجوههم وحركاتهم، فمنهم من يركب دراجته، ومنهم من ينصت إلى حديث زميله، وآخر يحاول أن يشعل سيجارة وهو يتدثر بمعطفه من برد الليل القارس، وهناك من يظهر عليه علامات التعب والإرهاق بعد يوم عمل شاق، وغيره شارد الزهن كأنه يفكر فى شىء ما يرتبط بعمل الغد، ورسم حامد فى الخلفية الأربعة مداخن العملاقة التى تعد علامة من علامات مصنع الغزل والنسيج بالمحلة، وتظهر آثار تصاعد الأدخنة منها لتختلط بلون السماء الزرقاء، فضلًا عن انعكاس ضوء النهار فى بدايته على وجوه العمال فى مشهد أقرب للمشاهد المسرحية، وقد اهتم عويس برسم العمال متلاحمين مترابطين كأنهم فى وحدة واحدة كالبيان القوى، وبرهن على ذلك من خلال ملامحهم التى يتضح عليها الجدية والتركيز. قال عنه النحات الألمانى «فريتس كريمر»: إن فن حامد عويس بجانب ما يحمل من صفات إنسانية عالمية إلا أنك حين ترى لوحاته تؤمن أن صانعها لابد أن يكون من مصر وذلك لما تزخر به هذه الأعمال من سمات شعب مصر وأمانيه.