فى رحاب صرحٍ يحمل على عاتقه رسالة إنسانية وفنية نبيلة، أمضيتُ ليلة سينمائية ممتعة، مع جمهور مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما، المهرجان العريق الذى يُكرم أعمال سينمائية تمسّ الروح وتوقظ الضمير، بعيدًا عن الابتذال الذى يمارسه بعض المخرجين ممن اختاروا تشويه صورة المجتمع وتصدير أبشع ما فيه. حين تلقيتُ دعوة كريمة من الأب بطرس دانيال لإدارة ندوة فيلم «الفستان الأبيض»، لم أكن قد شاهدته بعد، لكنى قررت رؤيته تلبيةً لدعوة صديق يقود هذا الصرح بروح منفتحة وعقل مبدع. اكتشفتُ أننى أمام تجربة سينمائية تمنح الأشياء اليومية فى حياتنا عمقًا وجوديًا وإنسانيًا، فيلم يلامس مشاعرنا ويعكس أحلامنا الصغيرة التى تضيع وسط زحام المدينة، نسجت المؤلفة والمخرجة «چيلان عوف» حبكة درامية خلال يوم واحد، لكنها تحمل من الزخم الإنسانى ما يجعلها تجربة تتسع لأعمار من التأمل، عمل أول لمخرجة تمتلك رؤية واعية، وقدرة على صناعة فيلم يُشبه المجتمع دون تجميل أو زيف، محمّلًا بالشجن، وخفة الظل، وتناقضات البشر، وأصوات وملامح منحت الفيلم مصداقية وثراءً بصريًا وعاطفيًا. فى صمت المدينة المُتعب، وبين شوارعها التى تنبض بحكايات لا تنتهي، تمضى الكاميرا لتلاحق فتاة تقف على عتبة حلمها الكبير، فستان أبيض تنتظره منذ سنوات، لكننا لا نعيش قصة فتاة تبحث عن فستان زفاف، أو رحلة بحث فى المدينة عن ثوب ليلة العمر، بل رحلة داخل خبايا النفس البشرية، ووجوه الناس، وأحلامهم، وأوجاعهم، رحلة بحث عن الحلم والذات، الإنسانية المفقودة، والأمل المتجدد، عن معنى فى شوارع مدينة تضجّ بالتحولات والصراعات الخفية، رحلة تضعنا أمام مرآة صادقة لحياتنا، نرى فيها تفاصيل تُشبهنا، وتعدد وجوه المدينة، بلحظاتها الإنسانية وتناقضاتها، لوحة فنية لا تعزف على الوتر الميلودرامي، بل ترسم واقعًا نعيشه ونتجاهله. أداء «ياسمين رئيس» يعيدنا إلى فيلم «فتاة المصنع»، وضيوف شرف تركوا أثرًا بديع رغم قصر أدوارهم: ميمى جمال، أروى جودة، إنجى أبو السعود، محمد محسن، فضلًا عن سلوى محمد على، التى تؤكد مجددًا أنها واحدة من أهم ممثلات جيلها، رحلة «وردة» قصيرة فى زمنها، لكنها ممتدة فى وجداننا، معها اكتشفنا أن الأشياء الصغيرة، فى السينما كما فى الحياة، هى التى تصنع الفارق الحقيقى، شكرًا للمنتج محمد حفظى، والموسيقار خالد حماد، وكل مَن منح العمل من قلبه وفنه، ليُقدّم سينما تليق بنا وبأحلامنا.