في قلب الظلال الدامسة والمعاناة التي لا تعرف نهاية.. ينبثق صوتٌ صامتٌ يحملُ في طياته قصص أطفال غزة الذين فقدوا أحلامهم وسط معركة الحياة والموت. قصة تتردد أصداؤها في أروقة الزمن وتختلط بدموع الآباء.. وأصوات البؤس التي لا تنضب.. لتذكر العالم أجمع بأن الإنسانية ما زالت ترتجف في مُواجهة التجويع المُمنهج من قبل الاحتلال الغاشم. في السطور التالية، تسلط «بوابة أخبار اليوم» الضوء، على لوحةً واقعيةً تحملنا إلى عمق الألم الذي يعيشه أولئك الأطفال الأبرياء والنساء والرجال والشيوخ العُزل في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 19 شهرًا... التجويع يفتك بأجساد أطفال غزة في خيمة قديمة ومهترئة بمدينة دير البلح، بوسط قطاع غزة، تجلس الطفلة دانا الحاج مع والدتها على أرضية خرسانية مُغطاة بحصير بسيط، تسكنهما حالة صحية وإنسانية مزرية، عقب تدمير منزلهم على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في إطار الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 19 شهرًا وحتى اللحظة، وفقًا لما أفادت به وكالة «وفا» الفلسطينية. اقرأ أيضًا| الصمت القاتل.. صحفية تروي كواليس قمع «بي بي سي» للحقيقة في تغطية أحداث غزة قصة الطفلة «دانا» تعاني الطفلة دانا، التي يبلغ عمرها 11 عامًا، من إعاقة ذهنية مصحوبة بسوء تغذية حاد، وتظهر عليها العلامات الواضحة للتدهور الصحي نتيجة نقص الرعاية الطبية الحاسمة وانعدام الأمن الغذائي، وهو ما ينجم عن حصار الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي فرض على قطاع غزة لأكثر من شهرين وأحَّدَ الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق. بجسدها النحيل.. الذي لا يغطيه سوى طبقة رقيقة من الجلد، تجسد دانا معاناة آلاف الأطفال في غزة.. تجلس في صمت مؤلم لا يكسره سوى أنين خافت متقطع، غير قادرة على تناول الطعام رغم محاولات والدتها المتكررة لإطعامها بما توفره التكيات. أعربت والدة دانا، عن حالتها بثقل الألم وهي تمسك قدم طفلتها: «كانت دانا طبيعية تقريبا، لكن المجاعة وقلة الطعام أدّت إلى تدهور حالتها بشكل مخيف». وتضيف بأن طفلتها تعاني من الإعاقة، ولا تميز بين الأطعمة المقدمة، وترفض الطعام المحفوظ في المعلبات/ كما تُشير إلى أن حجم الطفلة دانا لا يُعبر عن عمرها الحقيقي، وأنها تقضي ساعات طويلة في البكاء من شدة الجوع، فيما تكافح العائلة لتوفير ما يحتاجه جسدها الضعيف، وفق شبكة «الميادين» الإخبارية. رحلة النزوح والواقع المعيشي انجبرت الأسرة على ترك مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد تدمير منزلهم، فاضطرت للجوء إلى مدينة دير البلح والإقامة في خيمة لا تقي حرارة الصيف ولا برودة الشتاء. أوضحت الأم أن ابنتها بحاجة ماسة إلى رعاية طبية وتغذية خاصة، وإلى نوعيات محددة من الفيتامينات، وذلك في ظل انقطاع كافة الإمدادات نتيجة التجويع الممنهج الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على كامل القطاع. وفي مدينة دير البلح، كما هو الحال في مناطق أخرى من غزة، يعيش أهالي القطاع وأطفال غزة على أمل يومي بوصول شاحنة مساعدات أو حتى كيس من الطحين، بعدما باتت الطوابير تشكل مشهدًا يوميًا أمام التكيات التي تقدم طعامًا متواضعًا؛ يحصل عليه البعض ولا يكفي البعض الآخر، بينما تكافح الأمهات استخدام الموارد الشحيحة لتوفير وجبة واحدة يوميًا تكاد تكفي لسد رمق الأطفال. حالة الطفلة دانا، ليست استثناءً فريدة، بل هي مرآة تعكس معاناة عشرات الآلاف من أطفال غزة الذين حوّلتهم الحرب الإسرائيلية إلى «هياكل عظمية تنتظر الغذاء والدواء والنجدة، تحت وطأة شح الموارد الغذائية وغياب المساعدات الضرورية». فقد أصبح الطعام المعلب المصدر الرئيسي لغذاء العائلات في قطاع غزة، رغم أنه لا يلبي الاحتياجات الخاصة لبعض الحالات الصحية الحرجة. وتتابع الأم بالحديث عن حالة دانا، حيث تقول: "من شدة الضعف لا تستطيع الوقوف، فقد صار جسدها أشبه بعضم عظمي، قبل الحرب الإسرائيلية، أجرينا لها عملية جراحية في الدماغ وتحسنت حالتها، لكن الحرب والمجاعة في غزة قضتا على كل شيء". وأضافت، بأن نقص الفواكه والخضروات وارتفاع أسعار الدواء يصعبان الحصول على العلاج اللازم، مشيرة إلى أن الحياة أصبحت أصعب من أي وقت مضى. كما سجلت الجهات الصحية بقطاع غزة، وفاة 57 طفلاً نتيجة سوء التغذية والمضاعفات الصحية، خاصةً مع النقص الحاد في الحليب العلاجي المخصص للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. موت بطيء ينهش في أهالي القطاع في كل يوم جديد في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، تتضاءل فرص النجاة لأطفال غزة أمثال دانا، إذ إن المجاعة لا تميز بين الضعيف والقوي، ولا تترك للعائلات مجالاً لاختيار الطعام أو العلاج. الكثير من الأمهات، مثل والدة الطفلة دانا، يعشن في رعب دائم حيث يتحول الليل إلى كابوس بسبب بكاء الأطفال الجائعين.. أما النهار فيتحول إلى رحلة مرهقة بحثًا عن لقمة عيش أصبحت نادرة. وفي خضم هذه الظروف المزرية، رفعت والدة الطفلة دانا صوتها برسالة إنسانية أخيرة: "نحن لا نطالب بالترف، بل نريد حياة كريمة لابنتي؛ تحتاج إلى طعام طبيعي، علاج ورعاية". وقد طالبت إنقاذ حياة ابنتها قبل فوات الأوان، مُؤكدةً أن الحاجة للعلاج والغذاء أصبحت أمرًا ماسة لا يحتمل الانتظار... وفي يوم السبت، أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، عن بالغ أسفها لمعاناة أهالي قطاع غزة جراء سياسات التجويع الإسرائيلية. وأوضحت ألبانيز، أن وقف دخول الإمدادات الغذائية للقطاع، يستخدم الغذاء كسلاح حرب للإبادة ضد غزة. كما تأتي الأزمة في ظل نزوح أكثر من 90% من سكان القطاع من منازلهم، حيث أُجبر الكثير منهم على تكرار تجربة النزوح والعيش في ملاجئ مُكتظة أو في العراء دون مأوى، مما أسهم في انتشار الأمراض والأوبئة وزاد من معاناة العائلات التي تكافح يوميًا من أجل البقاء فقط.... اقرأ أيضًا| «هآرتس» تصف حكومة نتنياهو بالمتهورة: خطة مصر حول غزة «أساس الحل»