غزة تموت ببطء، ومنظمات الإغاثة الدولية تُحذر من نقص الأغذية والخيام، العدو يحاصر أى «بصيص غذاء» براً وبحراً وجواً، ويهاجم سفينة مساعدات دولية، تداول العالم هذه العناوين خلال الأيام الماضية، وغالباً كان مشاهدو الفضائيات يتناولون الطعام بشراهة، وهم يتابعون أخبار مجاعة سوف تلتهم القطاع المنكوب خلال أيام! . تحوّل الأمر إذن إلى مجرد أنباء عابرة، حتى أن أعداد الضحايا خرجت من دوائر الاهتمام. مظاهرات التضامن التى اجتاحت الكوكب ذات صحوة ضمير مؤقتة، صارت مجرّد ذكرى بعد أن انشغل المتظاهرون، أو أصابهم اليأس لأن صرخاتهم فقدت صلاحية التأثير فى أنظمتهم الغربية، وفى منطقتنا العربية انتقل صخب «السوشيال ميديا» إلى مناطق اشتعال أخرى، تحتفى بجدليات مفتعلة حول تفاصيل هامشية تماماً. أنا لستُ مثاليا، لهذا أعترف بوضوح أننى ترددتُ لبعض الوقت، قبل أن أكتب عما يجرى فى القطاع، فكرتُ للحظات أن هدفى من الكتابة هو جذب حفنة قرّاء، وقد بات الحديث عن الأزمة غير جاذب بحُكم الاعتياد، تصفحتُ «فيس بوك» لانتقى ما يجود به «التريند»، فمن جاور السعيد يسعد، ولا مانع من أن أنال حظى من بعض نقرات الإعجاب، التى تهرب عادة من منشورات تثير الشجون والأحزان. بالفعل كتبتُ ثم محوت، ففى الجوار أطفال لا يتناولون سوى وجبة يومية، وعائلات تعانى من استمرار الإبادة الجماعية، والناجون يعانون من تآمر الفصول عليهم، تتلاعب بهم وتنقلهم من جحيم البرد إلى جمر نار الحر، فضلا عن انتظارهم موت الفجأة فى أية لحظة، برصاصة غادرة أو قذيفة لا يُمكن وصفها بأنها طائشة، لأنها تعرف طريقها جيداً، فى النهاية قررتُ الكتابة عن ضحايا البربرية، رغم أن الحروف أصبحت مجرد نواح، لكن عبارات التضامن مطلوبة، حتى لو ظلت مجرد تحصيل حاصل. الاعتياد آفة البشر فى هذا العصر، لأنه يجعل المجازر مجرد خبر يتوارى وسط ضجيجنا المزمن، وهكذا انشغلنا بالتفاهات، بينما تستمر الوحشية فى ارتكاب جرائمها.. إنه موتٌ بطىء للضمائر!