فيما تتسارع الأيام المئة الأولى من ولاية دونالد ترامب الثانية، تكشفت أمام العالم صورة رئيس ينحت معالم فصل جديد في التاريخ الأمريكي.. قد يكون الأكثر تأثيرًا في القرن الواحد والعشرين.. وربما منذ عهد فرانكلين روزفلت الذي يعد أطول الرؤساء خدمة في تاريخ الولاياتالمتحدة. فبعد عودة ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض، كان الجميع يتساءل عن نوع الحكومة التي سيقودها ترامب، لكن الآن، ومع مرور 100 يوم من حكم ترامب، أصبح واضحًا أن الرئيس الأمريكي يقود مشروعًا ثوريًا يهدف إلى إعادة تشكيل أمريكا من جذورها، وتغيير مفهوم الاقتصاد، والسياسة، والثقافة، وحتى القيم الوطنية الأمريكية. اقرأ أيضًا| الصين تتكيّف مع حرب ترامب التجارية بخطة إنعاش اقتصادية متعددة المسارات كان يعتقد الكثيرون أن رئاسة ترامب ستنطوي على تغييرات محدودة، إلا أن الأيام أثبتت عكس ذلك. فالرجل الذي يحظى بشعبية هائلة بين الناخبين الجمهوريين، حيث تتجاوز نسبة تأييده 90%، لا يتوقف عن مهاجمة المؤسسات التي تربطها صلة بالنخبة التقليدية، حيث تشمل هذه الهجمات الخدمة المدنية، وسائل الإعلام، والجامعات، وكل ما يعارض رؤيته، في محاولة لإعادة صياغة النظام السياسي الأمريكي بما يتماشى مع توجهاته القومية والشعبوية. كما تتجسد حركته الثورية في منهجية قانونية متجددة: وهي الأوامر التنفيذية. هذه الأوامر تتحدى النظام، وتحرفه، وأحيانًا تقوضه.. وفي أحيان أخرى، يواجهها القضاء، لكن ترامب يصر على سلطة تنفيذية غير مقيدة، يعتقد أنها تخوله تجاوز أي قيد أو عقبة قانونية. ووراء هذا الأسلوب الثوري، يقف مشروع سياسي يسعى لتمزيق التقاليد التي كانت تعبر عن أمريكا العميقة، وهي المصلحة الوطنية، وقيمة المؤسسات المستقلة، واحترام التنوع السياسي، ليتساءل العالم، الآن أكثر من أي وقت مضى، هل سيكتب ترامب دستورًا جديدًا لأمريكا؟ وهل سينجح في تحويل أفكاره إلى واقع دائم؟ تستعرض «بوابة أخبار اليوم» في هذا التقرير تطورات الوضع السياسي الأمريكي الراهن، كما تتابع التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الحرب التجارية مع الصين وعواقبها على الاقتصاد الأمريكي. في الوقت الذي أقر فيه الكونجرس العديد من الاستثناءات للقواعد العادية، يسمح النظام الرئاسي الأمريكي لرئيس الدولة بتفعيل تلك الاستثناءات من خلال إعلان حالة الطوارئ، وهو ما استغله ترامب بشكل كامل، في خطوة تثير تساؤلات بشأن الحدود القانونية والشرعية، وفقًا لما أفادت به مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية. ورغم أن حركة ماجا «لنعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى»، لا تسيطر بشكل كامل على وسائل الإعلام، إلا أن الحركة أصبحت قادرة على ممارسة ضغوط وترهيب مالكي وسائل الإعلام عبر الشركات الكبرى، وهو ما أضعف قدرة الصحافة على محاسبة الرئيس الأمريكي كما كان الحال في الماضي. من جهة أخرى، يبدو أن الكونجرس قد أصبح مقيدًا، حيث يعترف الجمهوريون أنهم مدينون بوجودهم في مناصبهم للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ما يجعلهم يقفون موقفًا ضعيفًا أمام محاولاته لتغيير بنية النظام. ورغم ذلك، فإن التحدي الأكبر قد يأتي من المحاكم، التي قد تُصرّ على موقفها وتُواجه قرارات ترامب في معركة قانونية مستمرة. تحديات ترامب في الانتخابات القادمة على الجانب الآخر، هناك سيناريو يبدو الأكثر ترجيحًا في المستقبل، حيث يثير التطرف الذي بدأه ترامب في الأيام ال 100 الأولى من حكمه ردود فعل قوية من العديد من القوى الفاعلة. من أبرز هذه القوى مستثمرو أسواق السندات والأسهم في الولاياتالمتحدة، الذين رغم دعمهم القوي لترامب في البداية، إلا أنهم بدأوا في التعبير عن معارضتهم بسبب تأثير سياساته على الاقتصاد الأمريكي. حيث إنهم قلقون، من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضها ترامب على الاقتصاد، وكذلك من العجز الكبير في الميزانية، الذي قد يؤدي في النهاية إلى انهيار الدولار الأمريكي. مع تصاعد ضغوط الأسواق المالية، بدأ ترامب يتراجع عن بعض سياساته، حيث أوقف فرض الرسوم الجمركية "المتبادلة"، وتراجع أيضًا عن إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. ولكن في نفس الوقت، ألمح ترامب، إلى رغبته في إيجاد مخرج من الحرب التجارية غير المدروسة ضد الصين، وهي خطوة قد تكون محورية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من المزيد من التدهور. وفي حال استمرار تدهور الاقتصاد، قد يُشكّل الناخبون، بمن فيهم الجمهوريون، جبهة مقاومة جديدة ضد ترامب. وبالرغم من نجاحه في فرض سيطرته على الهجرة غير الشرعية، إلا أن شعبيته على المستوى الوطني شهدت انخفاضًا ملحوظًا، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الدعم في الولايات المتأرجحة التي فاز بها في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كما تُظهر التحليلات أن نسبة تأييده تراجعت بشكل أسرع من أي رئيس آخر في التاريخ الأمريكي. وفقًا لما أفادت به مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، فالأمريكيون لا يريدون ثورة، صحيح أنهم يؤيدون فكرة إعادة التصنيع إلى الداخل، ولكن نسبة قليلة منهم فقط ترغب في العمل داخل المصانع التي يُخطط ترامب لإنشائها. وبالرغم من تفضيلهم لفكرة التجارة العادلة، إلا أن فوضى الحرب التجارية قد تُعرقل هذه الرغبات، وبالرغم من الضغوط التي يمارسها ترامب، فإن هذا لا يُعطيه الحق في التلاعب بالمؤسسات الحكومية، مثل تعليق أوامر الإحضار أو إغلاق الوكالات الفيدرالية، بحسب المجلة ذاتها. اقرأ أيضًا| تفاصيل من خلف الكواليس.. ترامب يكشف خطط ولايته الثانية في مقابلة مع مجلة «ذا أتلانتيك» هل سينجح ترامب في الحفاظ على سلطته؟ القيود القانونية والعملية التي تواجه ترامب تأتي من كل الاتجاهات، فالكونجرس الذي يمتلك أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، قد يُشكل عقبة أمام تنفيذ سياسات ترامب. ومن المُرجح أن يستعيد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات الأمريكية القادمة، مما يمنحهم فرصة لإحباط مخططات ترامب، حتى إذا استمر في اتباع أسلوب الحكم بالأوامر التنفيذية. أما آخر المصادر التي قد تُشكل تحديًا كبيرًا لترامب هي المحاكم، فقد بدأت المحكمة العليا بالفعل في اتخاذ مواقف معارضة لبعض قرارات ترامب، مما قد يؤدي إلى تقويض سلطته التنفيذية. وإذا استمرت المحاكم في تحدّي قراراته، فإن هيبة السلطة التنفيذية قد تتعرض للاهتزاز، مما يضر بمصداقية الرئيس الأمريكي في تنفيذ سياساته. اقرأ أيضًا| حرب الرسوم الجمركية.. ما الذي ينتظر أمريكاوالصين في صراعهم الاقتصادي؟ هل تمر الولاياتالمتحدة بمرحلة جديدة من السياسة الأمريكية؟ حتى في أحسن التفسيرات لثورة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، من الواضح أن ترامب بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» ألحق ضررًا بالغًا بمؤسسات أمريكا وتحالفاتها الدولية. وفي حال فشله في تحقيق أهدافه بسبب مقاومة الأسواق أو الناخبين أو المحاكم، قد يزداد تطرفه في التعامل مع المؤسسات الداخلية بالولاياتالمتحدة، مما سيزيد من حالة الاستقطاب السياسي في البلاد. كما قد يواجه خصومه السياسيين باستخدام وزارة العدل المُسيّسة، ما يفتح الباب أمام المزيد من الصراعات الداخلية، وعلى الصعيد الدولي، قد تزداد استفزازات ترامب، مثلما حدث في قضيتي جزيرة جرينلاند وقناة بنما، مما قد يهدد التحالفات الأمريكية بشكل أكبر. اقرأ أيضًا| في أربعة نماذج.. أسرار فوضى ترامب تتكشف وتفتح صندوق رئاسته المغلق