تحوّل اجتماع المكتب السياسي الصيني الأخير إلى ما يشبه منصة لبث رسائل استراتيجية موجهة بعناية للعالم الخارجي.، بدايةً من أن بكين بدأت ترى بوادر تعافي لكنها في ذات الوقت لا تُنكر عمق الجراح، وثانيًا، أنها باتت تدرك أن التعريفات الجمركية لم تكن مجرّد أداة اقتصادية بل رأس حربة في سياسة كبح الصين، وأخيرًا، أنها بصدد إعادة هندسة علاقتها بالأسواق الدولية عبر بوابة «التعددية» ورفض «البلطجة الأحادية» كما وصفها بيان الاجتماع. ففي بكين، لم يعد الخوف من الرسوم الجمركية الأمريكية هو القضية، حيث تحولت الحروب التجارية من مجرد تبادل نيران عبر البيانات والأسواق، لمعركة شرسة على نموذج الحياة نفسه. والتحدي لم يعُد: كيف ترد الصين على رسوم ترامب؟، بل.. كيف تبني اقتصاد لا يهتز، حتى لو اهتزّ العالم. بدايةً من قطاع إسكان يئن، وشباب عاطل، ورسوم أمريكية خانقة على مئات السلع... لكن على طاولة المكتب السياسي، لا أحد يرفع راية الذعر، بل خريطة بديلة تتمثل في استهلاك محلي أقوى، وتحفيز نقدي مركّز، ومفاجآت ذكية في التعاطي مع المنتجات الأمريكية عالية الحساسية. وكأن الصين تُطلق خطة أقرب إلى "هندسة جذرية للأولويات"، هدفها: ألا تُؤخذ على حين غرة مرة أخرى... لا من واشنطن، ولا من أسواق تتحول أو تنقلب عليها بلا إنذار سابق. اقرأ أيضًا| حرب الرسوم الجمركية.. ما الذي ينتظر أمريكاوالصين في صراعهم الاقتصادي؟ تستعرض «بوابة أخبار اليوم» تفاصيل تحليل الوضع بين بكينوواشنطن لتكشف خلفيات التصعيد التجاري والسياسي بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الصيني شي جين بينج، في ظل توتر متصاعد ومواقف متضاربة. ومع تراكم الأزمات الداخلية في الصين من أزمة قطاع الإسكان التي أضعفت العمود الفقري للثروة الصينية، إلى بطالة شابة ترتفع بصمت قرّر شي جين بينج كسر الجمود عبر خطة إنعاش اقتصادية متعددة المسارات، تُعلن عن تحول جديد في استراتيجية الحزب الشيوعي، وهي «التكيّف بدل المواجهة، والترقب بدل الرد السريع، والتحفيز بدل الانكماش». وتُراهن بكين على مزيج من التهدئة والانفتاح من جهة، والتماسك الداخلي والتحفيز الموجّه من جهة أخرى، لتجاوز ما يبدو أنه أحد أعقد التحديات الاقتصادية منذ ثلاثة عقود، وذلك وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية. ترامب يتمسك بادعاء «مكالمة شي» رغم نفي بكين أعاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تأكيد روايته بأن نظيره الصيني شي جين بينج تواصل معه بشأن الرسوم الجمركية، رغم أن الصين نفت تمامًا حدوث أي اتصال. وفي حوار مع مجلة "تايم" الأمريكية نُشر الأسبوع الماضي، أصر ترامب على صحة ادعائه، قائلًا: "هو اتصل بي... وهذا ليس ضعف منه"، لكنه لم يوضح لا توقيت المكالمة ولا فحواها. في المقابل، خرج المتحدث باسم الخارجية الصينية، قوه جيا كون، ليعلن بوضوح: "هذا الكلام ليس حقيقي". بكين تُطلق خطة اقتصادية مضادة وتدعم المواطنين والشركات ردًا على التصعيد التجاري من جانب واشنطن على غرار فرض ترامب الرسوم الجمركية الأمريكية، أعلن المكتب السياسي الصيني سلسلة إجراءات هدفها إنقاذ الاقتصاد المحلي من تأثير الحرب التجارية. البيان الذي صدر الأسبوع الماضي، تضمن تعهدات بزيادة دعم الشركات الصينية، ورفع دخل الطبقات المتوسطة والمنخفضة، وتوسيع قطاع الخدمات. كما وعدت الحكومة الصينية بمضاعفة مدفوعات التأمين ضد البطالة، وتقديم دعم مالي عاجل للمؤسسات المُتضررة. اقرأ أيضًا| في أربعة نماذج.. أسرار فوضى ترامب تتكشف وتفتح صندوق رئاسته المغلق استعداد اقتصادي طويل المدى الخطة الصينية ركزت على تطوير نموذج جديد للعقارات، وزيادة المعروض من المساكن، إلى جانب تسريع عمليات التجديد الحضري. كما أكدت الحكومة الصينية، على ضرورة تبنّي سياسات اقتصادية مرنة واستباقية لمواجهة الضغوط الخارجية. خبير أمريكي: الصين تستعد لحرب طويلة وتتقبّل التضخم يرى وين تي سونج، الباحث في مركز الصين التابع للمجلس الأطلسي، أن بكين باتت تنظر للعالم كبيئة اقتصادية عدائية، ومستعدة للتضحية ببعض الاستقرار المحلي من أجل الثبات لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية. وقال: "الصين بدأت تحفر الخنادق... وتحضر نفسها لمعركة تجارية طويلة الأمد". وأكد أن بكين تُكثف تحفيز الطلب الداخلي، وتدعم السوق المحلي بقوة، في ظل غياب أي بوادر تحسن خارجي. إعفاءات جمركية محتملة ضمن خطة موازنة الخسائر وسط كل هذا، ذكرت تقارير أن الصين تدرس إعفاء بعض المنتجات الأمريكية من الرسوم الجمركية الباهظة التي وصلت إلى 125%. بحسب "بلومبرج" و"رويترز"، تشمل هذه المنتجات أجهزة طبية، وأشباه موصلات، وبعض المواد الكيميائية مثل الإيثان، ما يعكس رغبة في تخفيف بعض الأضرار الاقتصادية دون التراجع عن الموقف السياسي. أعلن أحد الموردين في مدينة شنتشن الصينية، أنه تلقى إخطارًا رسميًا من هيئة الجمارك يفيد بإلغاء الرسوم الجمركية البالغة 125% على ثمانية منتجات من أشباه الموصلات، وأعاد القرار الأمل في احتمال تخفيف التوترات التجارية، وفتح نافذة تعاون ولو جزئي بين العملاقين الاقتصاديين. اقرأ أيضًا| حرب الرسوم الجمركية.. ما الذي ينتظر أمريكاوالصين في صراعهم الاقتصادي؟ بحث عن بدائل نادرة كشف مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين، أن السلطات الصينية بدأت التواصل مع الشركات الأمريكية لسؤالها عن المنتجات التي تستوردها من الولاياتالمتحدة ولا توجد بدائل محلية لها. وتوضح هذه الخطوة رغبة في إعادة ترتيب قوائم السلع معفاة الرسوم، وهي نقطة قد تُمهّد لتسويات أوسع. وتفاعلت الأسواق بسرعة، إذ شهدت بورصات آسيا والمحيط الهادئ ارتفاعًا ملحوظًا فور انتشار التقارير عن مراجعة الرسوم، وعكست هذه التحركات المالية التفاؤل الحذر بأن الطرفين ( الصينوالولاياتالمتحدة) ربما يخطوان خطوة حقيقية نحو تهدئة النزاع الذي كبّد اقتصادَي البلدين خسائر فادحة. اقرأ أيضًا| من العقوبات إلى الصفقات.. ملامح سياسة ترامب «غير المعلنة» تجاه أفريقيا إعفاءات متبادلة الولاياتالمتحدة بدورها، كانت قد أعفت بالفعل بعض المنتجات الصينية من الرسوم، مثل الهواتف الذكية واللابتوبات، والأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أن "الرسوم ستُخفّض بشكل كبير، لكنها لن تُلغى بالكامل". ورغم المؤشرات الإيجابية، إلا أن الروايات الرسمية لا تزال متضاربة، ففي حين قال ترامب للصحفيين: "نجتمع مع الصين، وقد نُعلن التفاصيل لاحقًا"، رفض الكشف عن هوية من يقصدهم ب"نحن"، بالمقابل، أكدت وزارة الخارجية الصينية مجددًا أنه "لا توجد حاليًا مفاوضات جارية بشأن الرسوم الجمركية". وفي تصريح مباشر، نفى المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، هي يادونج، وجود أي محادثات اقتصادية أو تجارية بين البلدين في الوقت الراهن، في حين يأتي النفي الصيني كرد واضح على تصريحات ترامب، ويوضح استمرار حالة الغموض في مسار المفاوضات. اقرأ أيضًا| تفاصيل من خلف الكواليس.. ترامب يكشف خطط ولايته الثانية في مقابلة مع مجلة «ذا أتلانتيك»