محمد جمال الزهيرى بعد مُضى حوالى 100 يوم على تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية للمرة الثانية، بعدما تولى ذات المنصب فى الفترة منذ عام 2017 وحتى 2021، يبدو أنه لم ينجح فى تحقيق العديد من وعوده التى زعم أن بإمكانه تحقيقها ومنها إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية التى اندلعت فى مطلع عام 2022، فبعد مرور نحو ثلاثة أشهر على عودته إلى الحكم، لا يزال النزاع بين البلدين مستعرا بدون أن يلوح فى الأفق أية بوادر لحل الأزمة خصوصا بعدما أعاد الرئيس الأمريكى فتح قنوات التواصل مع موسكو وقام بتهميش الجانب الأوروبى والأوكرانى خلال المفاوضات مما أضعف موقف كييف بعد أن كانت أوكرانيا تستند إلى الدعم الأوروبى والأمريكى فى قضيتها. وفيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، فقد زعم ترامب خلال حملته الانتخابية أن باستطاعته حلها فى أول يوم له فى المنصب وتعجب من ان الحرب التى اندلعت بين البلدين فى 24 فبراير 2022، مازالت مستمرة، وذلك بالرغم من الجهود الدولية المبذولة والتى لم تنجح حتى الآن فى التوصل إلى حل أو حتى مجرد هدنة مؤقتة على الأقل. اقرأ أيضًا | إسرائيل: ترامب صديقنا العدو! ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، أجرى دونالد ترامب وفريقه جولات من المباحثات مع نظرائهم الروس دون إشراك أوكرانيا، بحثًا عن تسوية تنهى الحرب، إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة، بل دخل ترامب فى أعقاب هذه المحادثات فى سجالات علنية داخل المكتب البيضاوى مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى وصلت إلى حد وصفه ب«الديكتاتور» وتحميله المسئولية عن اندلاع الحرب واحباط جميع الجهود الرامية للسلام، وذلك فى موقف مغاير تماما للسياسة التى انتهجتها إدارة سلفه الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن والتى تبنت نهج الدعم غير المشروط لكييف. ففى فبراير الماضى، بادر ترامب بالاتصال بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، واتفقا على عقد قمة فى العاصمة السعودية الرياض، جمعت مسؤولين أمريكيين وروس دون مشاركة أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبى، وتضمنت المقترحات الأمريكية لوقف الحرب اعتراف أوكرانيا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا فى عام 2014 وتخلى كييف عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، فضلًا عن التخلى عن بعض الأراضى التى سيطرت عليها القوات الروسية، مقابل وقف إطلاق النار ورفع بعض العقوبات، وهو ما قوبل برفض أوكرانى وأوروبى واسع حيث اعتُبرت تنازلاً عن السيادة الأوكرانية ومكافأة للعدوان الروسى. وفى مارس، علقت إدارة ترامب المساعدات العسكرية والاستخباراتية لأوكرانيا، مما زاد من مخاوف كييف من تخلى واشنطن عنها فى مواجهة العدوان الروسى، كما طالب ترامب أوكرانيا بإعادة المساعدات الأمريكية العسكرية التى قدمتها سواء من خلال النفط أو المعادن، مشيرًا فى كلمته أمام تجمع للمحافظين فى ماريلاند الأمريكية إلى أن الدول الأوروبية دفعت لأوكرانيا 100 مليار دولار، وفى المقابل دفعت الولاياتالمتحدة 350 مليار دولار دون ضمانات، قائلًا إن بلاده كانت تحت قيادة «رئيس غبى وغير كفء»، فى إشارة لسلفه جو بايدن. وفى هذا الشأن، توصلت الولاياتالمتحدةوأوكرانيا إلى توقيع اتفاق إطارى بشأن المعادن، ويأتى هذا الاختراق بعد لقاء جمع ترامب وزيلينسكى فى الفاتيكان الأسبوع الماضى، فى تطور مهم بعد إلغاء مراسم توقيع نسخة سابقة من الاتفاق فى فبراير الماضى، إثر الخلاف العلنى بين الرئيسين ترامب وزيلينسكى داخل المكتب البيضاوى، والذى أصر ترامب من بعده على أن المليارات من المساعدات العسكرية الأمريكية السابقة يجب اعتبارها قروضًا يتم سدادها من خلال الاتفاق، غير أن زيلينسكى رفض هذا الطرح. ويرى ترامب أن اتفاق المعادن، الذى يتضمن استغلال مشترك للمعادن الأرضية النادرة والموارد الطبيعية الأخرى فى أوكرانيا، هو وسيلة لاسترداد المليارات التى قُدمت لكييف كمساعدات عسكرية خلال إدارة جو بايدن، وأداة للضغط على زيلينسكى من أجل الدخول فى مفاوضات سلام أوسع. وأثار التقارب بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا مع بدء تولى ترامب منصبه، قلق الدول الأوروبية وأوكرانيا خصوصا بعدما أعلن ترامب رفضه إطلاق مصطلح «العدوان أو الغزو» على هذه الحرب، ودعوته المتكررة لكييف لضرورة تقديم بعض التنازلات من أجل إنهاء الحرب، وهى السياسة التى أدت إلى توتر العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، حيث أعربت دول مثل ألمانيا وفرنسا عن قلقها من تهميش دور الحلفاء التقليديين لواشنطن كما زادت المخاوف من تراجع الالتزام الأمريكى بأمن أوروبا، مما زاد الفجوة بين واشنطن وحلفائها. ولم تكن تلك الأسباب فقط هى ما أثار قلق واستياء أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، فقد أعلنت الدول الأوروبية أيضا عن استيائها من أن النهج الذى يتبعه ترامب كسر العزلة الدولية التى فرضت على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذى اعتبرته كييف «ضوء أخضر» لموسكو لمواصلة التصعيد. ورغم التصريحات التى صدرت عن البيت الأبيض بخصوص هدنة مؤقتة مدتها 30 يومًا، إلا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رفض المقترح فى مارس الماضى، رغم موافقة أوكرانيا عليه، ولم يتحول الاتفاق غير الرسمى على عدم استهداف منشآت الطاقة إلى واقع فعلى، حيث استمر الطرفان فى تبادل الاتهامات بخرق هذا التعهد. وشهدت الأيام الأخيرة تحولا فى موقف ترامب الذى عبّر عن استيائه الشديد من كل من أوكرانياوروسيا، لما يرى انه عدم رغبة الطرفين المتحاربين فى تقديم تنازلات لإنهاء أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ 80 عامًا، كما قال الرئيس الأمريكى إنه يعتقد أن نظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى مستعد للتخلى عن القرم، وأكد أن اجتماعه الفردى مع الرئيس الأوكرانى فى الفاتيكان الأسبوع الماضى مر بشكل جيد وقال عن زيلينسكى «أراه أكثر هدوءا، أعتقد أنه يفهم الصورة، ويريد إبرام اتفاق». فى غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو إن إدارة ترامب قد تتخلى عن محاولاتها للتوسط فى اتفاق إذا لم تحقق روسياوأوكرانيا تقدما خلال الفترة الزمنية القصيرة المقبلة. ميدانيًا، واصلت القوات الروسية تقدمها فى شرق أوكرانيا بوتيرة أبطأ مما كانت عليه فى نهاية العام الماضى، لكنها أحرزت مكاسب عديدة أبرزها طرد القوات الأوكرانية بشكل شبه كامل من منطقة كورسك الحدودية غرب روسيا، والتى توغلت فيها خلال صيف 2024 وكانت ورقة المساومة الوحيدة لدى كييف. كما تواصل القوات الروسية ضرباتها الصاروخية على مناطق متعددة فى أوكرانيا مخلفة وراءها مئات القتلى والجرحى فضلا عن الدمار فى البنى التحتية الأوكرانية. كما أنه من الواضح أن ترامب فشل فى الوفاء بوعده بإنهاء الحرب فى أوكرانيا، بل ساهمت سياساته فى زيادة التوترات مع الحلفاء وتفاقم الأزمة ليبقى مستقبل الدور الأمريكى فى هذه الحرب غير واضح، وسط مخاوف متنامية من انسحاب واشنطن من جهود السلام.