بورسعيد: أيمن عبد الهادى لم تكن هذه الأم تعلم أنها سترى ملامحه للمرة الأخيرة وهو يودعها بابتسامة أمل، ولم تكن المسكينة المكتوى قلبها بنار فراق ابنها تدري أن خطواته التي خرج بها من باب البيت متجهًا نحو العلاج، ستنتهي به محمولًا على الأعناق عائدًا الى بيته، جسد ساكن عليه آثار تعذيب، وصدر أم وأب مفطور يبكيه فوق التراب. من المشهد الأخير اخترنا البداية؛ في جنازة مهيبة تسكنها الدموع، شيعت بورسعيد جثمان "أحمد ياسر"، الشاب ذو ال28 عامًا، الذي دخل مصحة علاج إدمان في محافظة الإسماعيلية، طامعًا في بداية جديدة وحياة نظيفة خالية من سموم تعاطاها، لكنه لم يكمل 8 ساعات داخل المكان حتى عاد جثة هامدة، وعليها آثار تعذيب لا تخطئها عين. "يا بابا شوفلي مصحة.. أنا عايز أتعالج وأتجوز"، بهذه الكلمات طلب أحمد من والده أن يساعده على بدء حياة جديدة، لم يكن مدمنًا هائمًا بلا وعي، بل شابًا واعيًا، أدرك أن طريق المخدرات نهايته مظلمة، فقرر أن يتغير. قال والده ل"أخبار الحوادث" بأسى ودموع غلبته: "ابني كان من خيرة شباب بورسعيد، لكن أصحاب السوء ضيعوه، جالي بنفسه، وقاللي شوفلي مصحة كويسة أنا تعبان وعايز أتعالج، أنا عايز أتجوز وأكون بني آدم جديد، كنت فرحان بيه، وشايف فيه الرجوع الحقيقي للطريق القويم"، وبالفعل قررت الأسرة إدخاله مصحة خاصة لعلاج الإدمان بمدينة الإسماعيلية، بحثًا عن الخلاص، دون أن تعلم أن هذه المصحة ما هي إلا "مصيدة موت" تفتك بأحلام الشباب، وتحصد أرواحهم خلف الأبواب المغلقة. مصيدة 8 ساعات من الأمل تحولت إلى تعذيب ودماء، هذا ملخص ما حدث لأحمد..، وصل أحمد إلى المصحة مساء يوم الخميس، وبحسب أسرته، كان مطمئنًا وواثقًا في العلاج، لكن في ظهر اليوم التالي، تلقى الأب مكالمة هاتفية انقلبت معها حياة الأسرة: "ابنك مات"، ركض الأب مذهولًا، لا يصدق أن فلذة كبده قد فارق الحياة، لكنه لم يتخيل أبدًا ما رآه عند استلام الجثمان، "وشه كان أزرق، جسمه كله آثار تعذيب وكهربا.. كانوا معلقينه بالجانش، مكبلينه وصعقينه، ظلوا يضربونه في رأسه وأسفل صدره.. ابني كان بيموت بالبطيئ وأنا معرفش." أم تبكي في مشهد يقطع القلوب، وقفت الأم على قبر نجلها وهي تصرخ وتنتحب، تعيد مشاهد آخر لحظة جمعتهما تقول بدموع عينيها: "أنا اللي وديته بإيدي.. كنت فاكراه هيرجع بني آدم سليم، ماكنتش عارفة إنهم هيقتلوه، بدل ما يرجع عشان يتجوز رجع لنا جثة هامدة"، وأكدت الأم أن تقرير الصحة أثبت وجود آثار تعذيب واضحة على وجهه وقدميه ويديه ومناطق حساسة من جسده، بالإضافة إلى آثار خنق: "كان فيه كدمات بكل حتة، كانوا بيعذبوه كأنه مش بني آدم." القبض والتحقيق أكدت مصادر أمنية ل"أخبار الحوادث": أن وزارة الداخلية نجحت في ضبط 3 من المتورطين داخل المصحة غير المرخصة، وجاري ملاحقة آخرين شاركوا في الجريمة البشعة، وصرحت النيابة العامة بدفن الجثمان بعد الانتهاء من المعاينة والإجراءات القانونية، فيما بدأت التحقيقات الموسعة لكشف تفاصيل الحادث ومحاسبة المسئولين بعد حبسهم. لم يكن المشهد داخل المقابر أقل حزنًا، شقيقات أحمد انهارت أعصابهن، وصرخن وهن يودعنه للمرة الأخيرة، "كان نفسه يتعالج.. راح بإرادته.. قتلوا الأمل وقتلوا قلب أمه"، وقال أحد الأقارب: فيما طالب الجميع بالقصاص العادل، قائلين: "نعلم علم اليقين أن دم أحمد مش هيروح هدر، وأن القضاء المصري العادل سوف يقتص لنا بالأحكام الرادعة على المتهمين". مصحات الموت هذه ليست الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دامت المصحات غير المرخصة تفتح أبوابها دون رقابة، تحبس المرضى، وتعذبهم خلف الجدران، وصفت أسرة أحمد تلك الأماكن ب"مصحات الموت"، مطالبة وزارة الصحة بشن حملات تفتيش مكثفة، وغلق أي مكان يعمل دون ترخيص. قال والد الضحية: "لو كانت مرخصة، كانوا خافوا من القانون، لكن دي أوكار إجرام مش علاج، ابني اتعذب ومات، ولازم اللي عمل كده يتحاكم قصاد الدنيا كلها". كما وجهت الأسرة رسالة استغاثة إلى الجهات المعنية، مطالبين بتشديد الرقابة على مصحات علاج الإدمان، وإنشاء جهة موثوقة تُشرف على دخول المرضى وتقييم سلامة الإجراءات الطبية داخل كل منشأة، ومحاسبة أي مخالفة. اقرأ أيضا: اليوم| محاكمة طبيب علاج الإدمان وآخرين بتهمة تعذيب المرضى داخل مصحة