العمر الحقيقي للفنان يقاس بإبداعه وأدواره المؤثرة التي تصنع تاريخه في دنيا الفن.. وتبقى مؤشرا على كونه بات «كبيرا» بتألقه وتوهجه وشغفه ورسوخه في وجدان الجمهور . وبخط موازي، طبيعي أن يتقدم الفنان في العمر، لكنه يتقدم برشاقة بمهنة مبهجة كممثل وفنان يحقق المزيد من النجاح والأهم من ذلك، كإنسان من الممكن أن يتقدم الممثل في السن برشاقة؟.. هناك أمثلة لا تُحصى لممثلين حققوا نجاحًا باهرًا في سن الأربعين فما فوق، مثل ميليسا مكارثي تألقت في فيلم «Bridesmaids» في سن 41، كاثي بيتس قامت ببطولة فيلم (Misery) وهي في الثانية والأربعين من عمرها، وفازت بجائزة (الأوسكار لأفضل ممثلة)، ستيف كاريل قام ببطولة مسلسل (The Office) عندما كان عمره 43 عامًا، وفاز بجائزة (جولدن جلوب لأفضل ممثل في مسلسل كوميدي تلفزيوني)، جين لينش تألقت في مسلسل (Glee) في سن ال49، أقول تلك المقدمة قبل أن ألقي الضوء على الإبداع الذي تقدمه الفنانة ريهام عبدالغفور في تلك المرحلة التي واجهت فيها تنمرا من البعض، ربما بسبب ظهور وجهها بدون مكياج وملامح التقدم في العمر بكواليس مسلسلها «ظلم المصطبة»، ونسى هؤلاء النضج الفني الكبير الذي تقدمه الفنانة، وبدت مسيرتها الفني تزدهر بطرق وتجارب جديدة ومثيرة للاهتمام وهذا يتجلى في أعمالها. نعم أحب ريهام عبدالغفور، وأقدر مشوارها ورحلتها ونضجها وتألقها، وقد باتت أكثر جاذبية، خاصة في آخر أدوارها ب»ظلم المصطبة» بشخصية «هند رضوان».. النظرات، الإيماءات، حركات الجسد في توصيل المشاعر والأحداث، ما جعل حتى لحظات الصمت نفسها وسيلة تعبير قوية في المواجهات بين كافة الأطراف، لتنقل مشاعر الخوف والإتهام وصوت الضمير الحائر والمصير المجهول بين زوج اليوم وحبيب الأمس.. صمت «هند» لم يكن خضوعا، بل احتجاجا دفينا عما تواجهه. حالة نضج لا تتوقف!، ماراثون تمثيل وإمتاع تقوده ريهام أمام المتميزين إياد نصار وفتحي عبد الوهاب في «ظلم المصطبة»، التي تستمد قصتها وأحداثها من الواقع. مشهد واحد يكفي لكي تختطف الكاميرا وتؤكد أنها قديرة وقادرة على السهل الممتنع في الأداء، لفت نظري في أداء ريهام أنه رغم المهانة التي تتعرض لها هند جسديا ونفسيا وطعنا في شرفها، إلا أنها تٌحافظ على نظرة مُتحدية، وكأنها تدين ظالميها، «هند» قوية الشخصية، واثقة، لا تقبل أن تكون من بقية المتاع، تتحمل لكن لا تستسلم، وربما يكون ذلك سبب معاناتها، وريهام عبّرت عن كل ذلك ببراعة، في دور مرهق للغاية، ولكنه يستحق هذا التعب. تألقت ريهام في أدوراها المختلفة خلال الأونة الأخيرة، والتي لا طالما تعبر عن تطورها في تقمص الأدوار، وتمكنها من توصيل الرسالة الإنسانية التي تسعى لتوصيلها للجمهور والنقاد معا، بحكمة ممثلة استثنائية، وبالإخلاص لمنهج الأداء الذي تتطلبه الشخصية بكل كياناتها، اتذكر مسلسل «أزمة منتصف العمر»، كان أداء ريهام مبهرا لشخصية «فيروز»، السيدة التي تم تزويجها وهي في سن صغيرة لرجل أكبر منها في العمر، فتحولت حياتها معه لجحيم بسبب قسوته وغياب المشاعر وعزوفه عنها فضلا عن الخيانة والإهانة، إلى أن تجد الحب الحقيقي في منتصف العمر، لكنه حب غير متوقع ومثير للجدل. أزمة منتصف العمر شكل حالة نضج غير طبيعي لريهام، كتلة من الجمال والإحساس والرقي والموهبة، وقد مثل دورها تحديًا جديدًا لها في مسيرتها الفنية، وفي حياتنا التي مسحتها تلك الشخصية بعمق. أيضا كان هناك أداء مميز لريهام بمسلسلات «منعطف خطر» و«غرفة 207» جسدتهما بضمير وإخلاص، دون مبالغة أو انفعالات زائدة.. في العمل الأول قدمت دور «جيهان» والدة الفتاة الضحية وتظهر بدون وضع أي مكياج ويبدو على وجهها ملامح الخوف والقلق وهي تحتضن طفلا صغيرا، في مشهد رائع ونسمع صوتها مع لقطات لها وهي تقول: «قلبي مش هيهدى ولا يرتاح، قبل ما أعرف مين عمل كده في سلمى وليه».. وفي المسلسل الثاني تقدم شخصية مخيفة بدت للوهلة أنها طبيبة نفسية تدعى «د. شيرين»، قادرة على معرفة أسرار الناس والولوج إلى خباياهم وعُقدهم والجانب المظلم من شخصياتهم، لكن بتوالي الحلقات تبين أنها تملك قدرات مذهلة على الإيذاء والقتل في أجواء مرعبة، حيث تظهر وتختفي كالأشباح وتملك نظرات نارية ورسائل تحذير بنبرة باردة تمهد غالباً لكارثة مقبلة، بدت قدرة الفنانة على تجاوز الأدوار النمطية التي فرضتها عليها ملامحها الرقيقة ونبرة صوتها الخافتة ما جعلها تنحصر إلى حد ما في أدوار الفتاة الرومانسية الحالمة أو السيدة الناعمة الثرية أو الزوجة المغلوب على أمرها، مؤكدين أن الفنان الموهوب بحق يستطيع أن يجسد شخصيات مفارقة لملامحه، فهذا هو جوهر فن التمثيل. تألقت ريهام في عدد من الأعمال التي حاولت فيها تغيير جلدها مثل تقديم شخصية الراقصة الشعبية في مسلسل «وش وضهر» مع النجم إياد نصار، وفي «الأصلي» حيث تلك الشخصية التي تحمل ملامح قوة لكنها ضعيفة من الداخل، واستطاعت أن تغوص في تلك المشاعر المزدوجة، و«قصر النيل» كانت النظرات تلخص طريقة أداء ريهام لشخصية «عايدة» الشخصية القوية والمسيطرة والتي لديها إستعداد لعمل أي شيء لكي تحافظ على وضعها المادي والاجتماعي داخل القصر وخارجه، لم تكن شخصية شريرة بشكل مطلق، تعثر بداخلها على جانب خير أو دوافع مفهومة لتصرفاتها، وخاصة وهي تواجه كاميليا (دينا الشربيني)، تلك الشخصية التي لا يمكن التعاطف معها بشكل مطلق، وكان المهم في أداء ريهام، أنه يجسد تلك النظرة التي تبدو غير مريحة، والتي تدعوك للسبب وراءها دائما، وفي نفس الوقت هي نظرة تخلو من المبالغة، وحالة وسط بين الشر واللا شر . كذلك مسلسل «الريان» الذي كان نقطة تحول في حياتها، والتوقف أيضا عند ثقة الفنان الكبير يحيى الفخراني عندما اسند لريهام دوراً من أهم الأدوار في مسرحية «الملك لير»، وهو دور «كورديليا» التي تفوفقت به، كما قدمت معه «شيخ العرب همام». ريهام عبد الغفور.. تسلمي ويسلم إحساسك وموهبتك الكبيرة.