فى خطوة مثيرة، قررت السويد إلغاء التعليم عبر الوسائل الإلكترونية والعودة إلى المناهج الورقية والطرق التقليدية فى التعليم. بُنى قرار السويد على تقارير علمية وتقييمات تربوية دقيقة خلصت إلى أن الوسائل الرقمية، رغم بريقها التقني، قد تضر أكثر مما تنفع. ويذكرنا قرار السويد بمناهج محو الأمية «زمان» فى مصر وأغنية الراديو الشهيرة، (ورقة وقلم ومرايا)، للتعليم فى الموقع، سواء كان حقلا زراعيا أو مصنعا. السويد دولة لا تتخذ قراراتها بشكل انفعالى أو تقليدي، بل تعتمد على مراكز الأبحاث، ولجان التقييم، والتجريب الميداني، ودراسات الجدوى الاجتماعية والنفسية، لذا فإن قرارها بإلغاء التعليم الرقمى لا يمكن أن يُنظر إليه كمجرد نزوة أو تراجع رجعي، بل هو أقرب إلى إعادة ضبط للبوصلة التربوية بعد أن أثبتت الأدلة العلمية أن الاعتماد المفرط على الشاشات يضعف مهارات التركيز، ويقلل من القدرة على الكتابة اليدوية، ويؤثر سلبًا على نمو اللغة والتفكير النقدى لدى الأطفال. من المرجح أن تبدأ بعض الدول الأوروبية، وربما الآسيوية أيضًا، فى مراجعة استراتيجياتها التعليمية، فالدول التى تحرص على جودة التعليم ليست بمعزل عن التجربة السويدية، بل ربما ترى فيها جرس إنذار لتقويم المسار. فى الدول العربية يمثل التوجه السويدى فرصة لإعادة التفكير فى جدوى بعض البرامج التعليمية الإلكترونية التى تم استيرادها دون تمحيص. بل إن العودة إلى دعم القراءة الورقية، وتعزيز الكتاب المدرسي، وتكثيف الدروس التفاعلية المباشرة قد تصبح أولوية فى المستقبل القريب. قرار السويد لا يعنى رفض التكنولوجيا، بل تصحيح لموقعها فى منظومة التعليم. فالكمبيوتر والآيباد ليسا عدوين، ولكن يجب ألا يتحولا إلى المعلّم والمعلومة والوسيلة فى آنٍ واحد. فالتعليم الفعال هو الذى يوازن بين العقل والتقنية، بين الشاشة والكتاب، بين التفاعل الافتراضى والإنساني. إن قرار السويد بمثابة صدمة إيجابية، تعيد إحياء السؤال الذى تجاهله العالم وسط سحر التطور التكنولوجي: هل كل ما هو حديث بالضرورة مفيد؟ وهل علينا أن نواكب العصر دائمًا، أم نتوقف أحيانًا لنسأل: إلى أين نمضي؟