يشتد التصادم بين القضاء الأمريكي، وإدارة ترامب ليكشف أزمة دستورية تزداد تعقيدًا في معركة وجود بين سلطة تسعى لفرض إرادتها، وقضاء يرفع لواء الدستور في وجه تغوّل غير مسبوق. فمع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تسارعت المواجهات مع المحاكم الفيدرالية، بداية من أوامر قضائية تُخرق، وترحيلات تُنفذ رغم قرارات الإيقاف، وقضاة يلوّحون بازدراء المحكمة، في لحظة فارقة، تهدد بتقويض ميزان السلطات، وتضع أسس النظام الديمقراطي الأمريكي على المحك. اقرأ أيضًا| من أوكرانيا لغزة إلى الصين.. ما الذي تغير في أول 100 يوم من حكم ترامب؟ ففي الوقت الذي أعاد فيه ترامب مفاتيح البيت الأبيض إلى قبضته في ولاية ثانية مضطربة، بدأت المحاكم الفيدرالية الأمريكية في اتخاذ مواقف أكثر حسمًا لمواجهة ما تعتبره تهديدًا لهيبة القانون، وانتهاكًا صارخًا لأحكام القضاء الأمريكي. في تكساس، أُوقفت عمليات ترحيل جماعية بقرار طارئ في ساعة مبكرة من صباح السبت قبل الماضي، وفي واشنطن، لم يتردد القاضي الفيدرالي جيمس بواسبيرج في التلويح باتهام الحكومة الأمريكية بازدراء المحكمة بعد تجاهلها أوامره، بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية. وفي قضية أكثر تعقيدًا، فرضت القاضية باولا زينيس رقابة يومية على أداء الإدارة الأمريكية في ملف ترحيل تمّ بشكل خاطئ لرجل يُدعى كيلمار أبريجو جارسيا إلى السلفادور، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية الولاياتالمتحدة في تعويض الأخطاء الجسيمة. وتستعرض «بوابة أخبار اليوم»، في هذا التقرير، السيناريوهات المحتملة في ظل تصاعد المواجهة بين إدارة ترامب وسلطة القضاء الفيدرالي الأمريكي، مع تسليط الضوء على المخاطر التي تهدد توازن السلطات في قلب الديمقراطية الأمريكية. ترامب في مواجهة القضاء في منشور لافت على مدونة بعنوان "لا يوجد روبيكون"، كتب بن راتيرسدورف، الباحث والمحلل السياسي والمساعد في مجموعة مراقبة "حماية الديمقراطية": «الرئيس يختبر إلى أي مدى لا يزال القضاء يقيده بشكل فعّال». أوضح تصريح راتيرسدورف، المأزق الذي تواجهه الديمقراطية الأمريكية اليوم، حيث بات التساؤل حول قدرة المحاكم الأمريكية على فرض أوامرها أمرًا وجوديًا، فسيادة القانون، التي تقوم على احترام الأحكام القضائية حتى عندما تكون محل خلاف، أصبحت على المحك، وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية. اقرأ أيضًا| الصحف البريطانية تقرأ بين سطور ترامب: «هذه ليست مجرد رسوم.. إنها رسالة» معيار الاستقلال القضائي في مهب الريح أكد ستيفن بوربانك، الأستاذ الفخري في جامعة بنسلفانيا، أن قوة القضاء الأمريكي لم تستند في معظم فتراته إلى القواعد بقدر ما اعتمدت على الالتزام بالمعايير، ويحذر من أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يتجاهل هذه المعايير تمامًا، ما يثير قلقًا عميقًا بشأن مستقبل الاستقلال القضائي في البلاد. تدخل قضائي عاجل يوقف الترحيل في تكساس في تصعيد مثير، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية، يوم السبت قبل الماضي، أمرًا مؤقتًا يمنع إدارة ترامب من ترحيل عدد من المحتجزين في مركز احتجاز بمدينة أنسون بولاية تكساس، وهذا الإجراء جاء بموجب قانون الأعداء الأجانب (AEA)، وهو قانون نادرًا ما يُستخدم في مثل هذه القضايا. واللافت أن المحكمة الأمريكية كانت قد سمحت، في وقت سابق من أبريل الجاري، بعمليات الترحيل بشرط إبلاغ المهاجرين بإشعارات واضحة ومبكرة تتيح لهم فرصة الطعن، لكن محامي المحتجزين أبلغوا المحكمة أن موكليهم تلقوا إشعارات باللغة الإنجليزية فقط، ودون أي توضيح حول كيفية الطعن القانوني، ما دفع المحكمة للتدخل العاجل. فيما تدخلت المحكمة العليا الأمريكية قبل صدور قرار من محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الخامسة، في مؤشر على شعورها بالإلحاح، وقد أشار ستيفن فلاديك، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون، إلى أن هذا التدخل العاجل يعكس مدى جدية المحكمة في التعامل مع المسألة، رغم أنه كان بإمكانها التريث حتى السبت. هجوم مضاد من معسكر ترامب لكن هذا التدخل القضائي لم يمر دون رد.. فقد أشعل قرار المحكمة هجومًا لاذعًا من شخصيات محافظة بارزة، بينهم، شون ديفيس، الرئيس التنفيذي لصحيفة «ذا فيدراليست» الأمريكية، الذي قال على موقع «إكس»: "إذا تجاهلت المحكمة العليا القانون والدستور، فعلى الرئيس الأمريكي أن يتجاهلها بدوره ويعيدها إلى حجمها الحقيقي"، بحسب تعبيره. وفي منشور آخر، أضاف ساخرًا: "بعد الانتهاء من ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، سيحين وقت ترحيل القضاة المارقين". اقرأ أيضًا| تحليل انخفاض الدولار يكشف تصدع الثقة في الاقتصاد الأمريكي تصعيد قضائي خارج أسوار المحكمة العليا على خط موازٍ، صعّد القاضي جيمس بواسبيرج الإجراءات ضد إدارة ترامب، ملوحًا بخطوات لمعاقبة المسؤولين بسبب تجاهل أوامر المحكمة الأمريكية، وفي حين أوقفت محكمة الاستئناف تنفيذ قرار ازدراء المحكمة مؤقتًا، تستمر المواجهة القانونية خلف الكواليس. وفي قضية أخرى أمام القاضية باولا زينيس، تبرز قصة كيلمار أبريجو جارسيا، الذي تم ترحيله بشكل خاطئ إلى السلفادور، حيث أمرت القاضية الحكومة الأمريكية، باتخاذ كل ما يلزم لإعادته إلى الولاياتالمتحدة، بل وألزمتها بتقديم تحديثات يومية حول خطوات الامتثال. لكن الحكومة الأمريكية، لم تُبدِ أي تقدم فعلي، ما دفع القاضية إلى استدعاء المسؤولين للإدلاء بإفاداتهم، في تصعيد واضح يعكس حجم الإحباط القضائي من المماطلة الحكومية. محكمة الاستئناف ترد على ترامب رفضت محكمة الاستئناف الأمريكية بالدائرة الرابعة، التي نظرت استئناف إدارة ترامب، وقف تنفيذ أوامر القاضية زينيس، فيما كتب القاضي هارفي ويلكنسون، المعيّن من الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، في رأي مؤثر يحذر فيه من اقتراب السلطات الأمريكية من تصادم لا رجعة فيه: "نحن نقترب من لحظة تصطدم فيها الفروع الدستورية ببعضها البعض، السلطة القضائية تفقد شرعيتها بفعل التلميحات المستمرة، والسلطة التنفيذية الأمريكية تُخاطر بالخروج على القانون". ويختتم بقوله: "قد تنجح الإدارة الأمريكية لفترة في إضعاف القضاء، لكن التاريخ سيسجل الفجوة المؤلمة بين ما كان.. وكل ما كان يمكن أن يكون.. وسينطق القانون في الوقت المناسب برثاء هذه اللحظة". اقرأ أيضًا| أمريكا بلا مكابح.. ترامب يضغط على زر الفوضى الاقتصادية