ارتبطت سيناء في العقل المصري والعالمي بوصفها أرض عبور؛ منطقة صحراوية تمر عبرها الجيوش وتُخاض فيها المعارك، كما حدث في حروب 1956 و1967 و1973. غير أن هذا المفهوم بدأ يتغير تدريجيًا، خاصة في العقود الأخيرة، ليأخذ مسارًا تنمويًا جديدًا يعكس تحولًا جوهريًا في العقيدة الوطنية المصرية تجاه شبه الجزيرة ذات الموقع الجغرافي الحرج. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت الدولة المصرية أكثر إصرارًا على أن تتحول سيناء إلى أرض إقامة، حيث تسعى إلى ترسيخ الوجود السكاني والبنية التحتية فيها، وتحويلها إلى منطقة جاذبة للاستثمار والسكن الدائم، لا مجرد ممر استراتيجي. اقرأ ايضا | بإرادة وعقيدة| مساعد وزير الدفاع الأسبق يسرد كيف أعاد الجيش بناء نفسه بعد 67 المصطلح يعكس رؤية أمنية وتنموية متكاملة في تصريحات خاصة ل "بوابة أخبار اليوم"، قال اللواء أركان حرب محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، إن عبارة أرض إقامة وليست أرض عبور ليست مجرد شعار إعلامي، بل تعبير دقيق عن تحول جذري في التعامل مع سيناء. وأوضح الغباري أن هذا المفهوم يمثل استراتيجية وطنية تقوم على تأمين سيناء من خلال توطين سكان دائمين، وتوفير بنية تحتية شاملة تتيح حياة كريمة للمواطنين. وأضاف أن الفكرة بدأت في أعقاب نصر أكتوبر، لكنها لم تأخذ شكلًا تنفيذيًا فعالًا إلا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أطلق مجموعة من المشاريع القومية العملاقة بهدف إدماج سيناء إدماجًا كاملًا في الجغرافيا الاقتصادية والاجتماعية لمصر. التنمية في سيناء: الرد العملي على التحديات الأمنية وأشار الغبارى إلى أن تحويل سيناء إلى أرض إقامة يعني بالضرورة مواجهة التحديات الأمنية، وعلى رأسها الإرهاب، من خلال التنمية الشاملة. وقد أطلقت الدولة المصرية حزمة مشاريع ضخمة تضمنت إنشاء 22 قرية بدوية جديدة، ومدن سكنية حديثة، واستصلاح آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية، إلى جانب تطوير الطرق والموانئ والأنفاق التي تربط سيناء بالدلتا والوادي. كما شهدت سيناء طفرة تعليمية وخدمية، بإنشاء جامعات مثل جامعة العريش، ومدارس ومستشفيات ومراكز تنمية بشرية. هذه المشاريع تعكس رؤية القيادة السياسية لجعل سيناء جزءًا لا يتجزأ من نسيج الدولة المصرية، ما يخلق بيئة مستقرة تقطع الطريق أمام أي أطماع خارجية أو توترات داخلية. استراتيجية استيطانية وطنية... لا تفرغ سكاني وأضاف أن التوطين في سيناء ليس تكرارًا لنماذج التهجير أو الاستيطان القسري، بل هو مشروع تنموي قائم على اختيار المواطن ومصلحته. الدولة المصرية لم تفرض انتقال السكان، بل وفرت الحوافز الاقتصادية والبنية التحتية لضمان استقرار الراغبين في الإقامة، وهو ما يظهر بوضوح في ازدياد أعداد السكان ومعدلات الاستثمار المحلي. وقال إن تحويل سيناء إلى أرض إقامة يعزز الأمن القومي ويحول دون استخدامها كمسرح للصراع أو التدخلات الخارجية، ويجعل منها نموذجًا للتنمية المتكاملة في المناطق الحدودية.