منذ تنصيبه في 20 يناير 2025، أطلق الرئيس دونالد ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي أحدثت تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية، وحتى منتصف أبريل، وقّع الرئيس على أكثر من 100 أمر تنفيذي، مما أدى إلى تنفيذ سياسات غير مسبوقة تاريخياً وإعادة هيكلة العديد من مؤسسات الدولة والبرامج الفيدرالية. ومع اقتراب اليوم المائة لإدارة ترامب الثانية، نستعرض أبرز القرارات والسياسات التي تبناها الرئيس الأمريكي والتأثيرات المتوقعة على المشهد الأمريكي. إعادة هيكلة النظام التعليمي وتفكيك وزارة التعليم في خطوة وصفها مراقبون بالجريئة، أصدر ترامب في 20 مارس 2025 الأمر التنفيذي رقم 14242 الذي يهدف إلى تفكيك وزارة التعليم الأمريكية وإعادة سلطة الإشراف على التعليم إلى الولايات والمجتمعات المحلية. وتعتبر هذه الخطوة تحولاً جذرياً في النظام التعليمي الأمريكي، خاصةً وأن وزارة التعليم تخدم أكثر من 50 مليون طالب وتقدم المنح والقروض والمساعدات المالية لأكثر من 12 مليون طالب في مرحلة التعليم العالي. ويرى المؤيدون لهذا القرار أن نقل صلاحيات التعليم إلى المستوى المحلي سيعزز الرقابة المجتمعية ويحسن جودة القرارات التعليمية. وفي هذا السياق، يقول أحد الخبراء المحليين من أرلينجتون: "إذا انتقلت هذه الأموال إلى مستوى الولاية بدلاً من توجيهها عبر وزارة التعليم، فستشهد سيطرة محلية أفضل بكثير، بدلاً من أن يتخذ بيروقراطيون غير منتخبين على بعد آلاف الأميال في واشنطن القرارات الإدارية المهمة". أما المعارضون فيحذرون من تداعيات هذا القرار على برامج الدعم الطلابي والأنشطة الثقافية، مع تقارير تشير إلى إلغاء العديد من المهرجانات الثقافية وصناديق الطوارئ المخصصة للطلاب المتعثرين مالياً في بعض المؤسسات التعليمية. اقرأ أيضًا: رسوم ترامب الجمركية تضع صادرات الأرز التايلاندية في مأزق السياسة التجارية في إطار رؤيته لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، فرض ترامب في 2 أبريل 2025 تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الدولية، مع تعريفات إضافية خاصة على الدول التي تعاني الولاياتالمتحدة من عجز تجاري معها، وعلى رأسها الصين التي تواجه الآن تعريفة جمركية تصل إلى 245% على صادراتها للسوق الأمريكية. وأوضح البيت الأبيض في بيان رسمي أن هذه الإجراءات تهدف إلى "ضمان الأمن القومي والمرونة الاقتصادية والاستقلال"، مشيراً إلى تعليق المفاوضات التجارية مع أكثر من 75 دولة في أعقاب هذا القرار. وتباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول هذه السياسة، حيث يرى البعض أن "التجارة الحرة تساعد في الحفاظ على انخفاض الأسعار، والاستمرار في رفع التعريفات الجمركية لا يفيد أي طرف، خاصة عند بدء حرب تجارية مع دول أخرى". في المقابل، يرى المدافعون عن هذه السياسة أنها ضرورية لحماية الصناعات الاستراتيجية الأمريكية من المنافسة غير العادلة، خاصة في قطاعات حيوية مثل الصلب والألومنيوم، حيث تقوم دول مثل الصين بدعم منتجاتها عمداً لخفض أسعارها بشكل غير تنافسي. شكلت قضية الهجرة إحدى أولويات ترامب في أول 100 يوم من ولايته، حيث أصدر في 20 يناير 2025 الأمر التنفيذي رقم 14159 الذي وصف المهاجرين غير الشرعيين بأنهم "تهديدات كبيرة للأمن القومي والسلامة العامة"، وأمر بتعبئة عدة وكالات فيدرالية، مثل هيئة الهجرة والجمارك، لتشديد الرقابة على الحدود وتكثيف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما وقع ترامب في اليوم نفسه ثلاثة أوامر تنفيذية إضافية صنفت عصابات المخدرات كمنظمات إرهابية أجنبية، ووضعت خططاً لبناء حواجز مادية إضافية على الحدود الجنوبية، وأنهت برامج إطلاق سراح المهاجرين المؤقت. ووفقاً لصحيفة "تكساس تريبيون"، حددت إدارة ترامب حصة وطنية لاعتقال ما لا يقل عن 1200 مهاجر غير شرعي يومياً. ورغم عدم تحقيق هذه الحصة بالكامل، أظهرت تقارير الاعتقال اليومية زيادة كبيرة مقارنة بالإدارة السابقة. ويرى محللون سياسيون أن هذه السياسات تعكس التزام ترامب بوعوده الانتخابية فيما يتعلق بالهجرة، مع تأكيد مؤيديه على ضرورة احترام القوانين وتعزيز مفهوم السيادة الوطنية، حيث يقول أحد الخبراء القانونيين: "الولاياتالمتحدة لديها عوامل قانونية تحدد المواطن، ولكي تنجح الديمقراطية، يجب تطبيق هذه القوانين. إذا كانت لدينا حدود مفتوحة، فنحن نسلب حق الأمة في تنفيذ قوانينها الخاصة." إلغاء سياسات التنوع والإنصاف والشمول في 21 يناير 2025، وقع ترامب الأمر التنفيذي رقم 14173، مستهدفاً سياسات العمل الإيجابي التي يعود تاريخها لعقود، ومنع مبادرات التنوع والإنصاف والشمول والإتاحة ضمن البرامج الفيدرالية. وينص الأمر على أن سياسات التنوع والإنصاف والشمول "تهدد سلامة" الأمريكيين من خلال التقليل من قيمة الجدارة الفردية في الوظائف والخدمات، كما يضغط الأمر على القطاع الخاص لوقف هذه السياسات، ومنح النائب العام 120 يوماً لتقديم توصيات لتنفيذ قوانين الحقوق المدنية الفيدرالية واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد ما وصفه ب"أكثر ممارسات التنوع والإنصاف والشمول فظاعة وتمييزاً". وفي خطابه المشترك أمام الكونجرس في 4 مارس 2025، لخص ترامب فلسفته قائلاً: "نعتقد أنه سواء كنت طبيباً أو محاسباً أو محامياً أو مراقب حركة جوية، يجب توظيفك وترقيتك بناءً على المهارة والكفاءة، وليس العرق أو الجنس." ويرى مؤيدو هذا التوجه أن الحزب الجمهوري طالما دعم المساواة في الفرص بدلاً من المساواة في النتائج، وأن هذا النهج يضع مهارات الأفراد ومؤهلاتهم في المقام الأول. أما المدافعون عن سياسات التنوع والإنصاف والشمول فيؤكدون أهميتها في بناء مجتمع عادل، مشيرين إلى أن العديد من الفئات الاجتماعية تستفيد من هذه البرامج التي تهدف إلى معالجة عقود من التمييز المنهجي. التأثيرات المجتمعية والتداعيات المستقبلية تظهر المؤشرات الأولية أن قرارات ترامب خلال الأيام المائة الأولى أحدثت صدمة في النظام السياسي والإداري الأمريكي، مع تغييرات جذرية في ملفات حساسة مثل التعليم والهجرة والاقتصاد. وتشير استطلاعات الرأي إلى انقسام حاد في المجتمع الأمريكي حول هذه السياسات، حيث يراها مؤيدو ترامب خطوات ضرورية لإعادة أمريكا إلى مسارها الصحيح وتعزيز قوتها الاقتصادية واستقلالها، بينما يعتبرها معارضوه تراجعاً عن مكتسبات اجتماعية مهمة وتهديداً للتنوع والشمول في المجتمع الأمريكي.