توفي البابا فرنسيس فجر الاثنين 21 أبريل، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد أن قضى ساعاته الأخيرة في خدمة الكنيسة والمؤمنين متحدياً نصائح أطباء الفاتيكان بالراحة التامة، إذ أظهرت الساعات الأربع والعشرون الأخيرة من حياته إصراراً استثنائياً على مواصلة رسالته الدينية حتى النفس الأخير. صراع مع المرض وإصرار على أداء الواجب بدأت رحلة البابا الأخيرة مع المرض في فبراير الماضي، حين أصيب بالتهاب رئوي حاد في كلتا الرئتين استدعى إدخاله مستشفى أغوسطينو جيميلي في روما. وكشف الدكتور سيرجيو ألفييري، رئيس الفريق الطبي المعالج، أن حالة البابا كانت حرجة للغاية لدرجة أن الأطباء فكروا في السماح له بالموت، خاصة بعد تعرضه ل"أزمة تشنج قصبي" في أواخر فبراير كادت أن تودي بحياته. كانت الاحتمالات ضده، ليس فقط بسبب عمره، بل لأن رئتيه كانتا في حالة سيئة منذ عقود، إذ تمت إزالة الجزء العلوي من الرئة اليمنى بعد إصابته بعدوى تنفسية عندما كان عمره 21 عاماً. بعد خمسة أسابيع من العلاج المكثف، غادر البابا المستشفى في 23 مارس، ومنح نفسه فترة نقاهة لمدة شهر فقط بدلاً من شهرين كما أوصى الأطباء. وقال الكاردينال مايكل تشيرني، المسؤول الكبير في الفاتيكان المقرب من البابا: "الراحة المطلقة ليست شفاءً. لقد وازن بين النقاهة وكونه أسقف روما." الظهور الأخير في يوم عيد القيامة، ظهر البابا فرنسيس للعالم أكثر حيوية مما كان عليه منذ خروجه من المستشفى، إذ خرج على شرفة بازيليك القديس بطرس في نهاية بركة "أوربي إت أوربي" التقليدية، بدون أنابيب الأكسجين الأنفية التي كان يرتديها في الأسبوع السابق. وخاطب الجموع بصوت أقوى من ذي قبل قائلاً: "أيها الإخوة والأخوات، عيد فصح مجيد"، مما أثار هتافات من الحشود. ورغم أنه لم يكن بصحة جيدة بما يكفي لإلقاء عظة عيد الفصح بنفسه، فقد بقي على الشرفة لمدة 20 دقيقة وأعطى البركة الرسولية باللاتينية. أوضح الفاتيكان أن العظة التي قرأها رئيس الأساقفة دييجو رافيلي نيابة عنه كانت كلمات البابا نفسه، صاغها وكتبها شخصياً. وكانت، كما اتضح فيما بعد، آخر رسالة له للعالم. رسالة أخيرة للسلام والرحمة احتوت رسالة البابا الأخيرة على نداءات من أجل السلام في العالم، خاصة في مناطق النزاع في غزة وأوكرانيا، وكذلك في المناطق المهملة من الكونغو وميانمار إلى اليمن وجنوب القوقاز ودول الساحل الأفريقي. كما وجه نداءً خاصاً بشأن معاملة المهاجرين، قائلاً: "كم من الازدراء يثار أحياناً تجاه الضعفاء والمهمشين والمهاجرين. في هذا اليوم، أود أن نأمل جميعاً من جديد وأن نحيي ثقتنا في الآخرين، بمن فيهم أولئك الذين يختلفون عنا، أو الذين يأتون من بلاد بعيدة، يحملون عادات وأساليب حياة وأفكاراً غير مألوفة - فكلنا أبناء الله." يُعتقد أن تعليقات البابا كانت موجهة جزئياً على الأقل إلى نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، الذي كان قد التقى به قبل ذلك بوقت قصير. وكان البابا قد وصف خطط إدارة ترامب لترحيل المهاجرين بأنها "عار" في مقابلة سابقة أجريت في يناير. اللقاء الأخير والجولة الوداعية رغم الخلافات السياسية، كان لقاء البابا الأخير مع فانس ودياً، إذ قدم البابا له ثلاث بيضات عيد فصح من الشوكولاتة لأطفاله الصغار، بالإضافة إلى ربطة عنق من الفاتيكان ومسابح. بعد ظهوره على الشرفة، قام البابا بجولته الأخيرة بين الجماهير في سيارته البابوية المكشوفة حول ساحة القديس بطرس. وكعادته، توقف مراراً لمباركة الأطفال، رغم صعوبة رفع ذراعه أكثر من بضع بوصات. استمرت جولته لما يقرب من ساعة في الساحة المزينة بالنرجس والزنبق لعيد الفصح، وسط هتافات الجماهير "فيفا إل بابا" (عاش البابا). كانت هذه آخر مرة يراه فيها الجمهور على قيد الحياة. أسبوع مقدس حافل رغم المرض رفض البابا فرنسيس التخلي تماماً عن جدول أعماله خلال الأسبوع المقدس رغم تدهور صحته. في سبت النور، ظهر في بازيليك القديس بطرس للصلاة وتقديم الحلوى للأطفال، وإن كان قد فوض واجبات السهرة التقليدية إلى كارديناله. وأحيا الجمعة العظيمة في خلوة خاصة، لكنه أصر على زيارة السجناء يوم خميس العهد في سجن ريجينا كويلي بمنطقة تراستيفيري. وقال لهم: "لا أستطيع غسل أقدامكم هذا العام كما فعلت في السنوات السابقة، لكنني أريد أن أكون قريباً منكم." الوداع الأخير ذكرت وكالة الأنباء الوطنية الإيطالية يوم الاثنين أن البابا ربما توفي بسبب نزيف دماغي وليس بسبب مشاكل تنفسية مرتبطة بمرضه السابق. وهكذا رحل البابا فرنسيس بعد أن عاش حياته وفقاً لقناعته الراسخة بأن "عمل الله لا يتوقف أبداً"، حتى لو كنت في الثامنة والثمانين من العمر وتتعافى من نوبة التهاب رئوي مزدوج كادت أن تكون قاتلة، إذ كانت لديه البركات ليمنحها، وأطفال ليباركهم، وسجناء ليواسيهم، رافضاً أن يسمح لصحته المتدهورة بأن تمنعه من أداء واجبه الديني حتى اللحظة الأخيرة من حياته.