شم النسيم ليس مجرد عيد تقليدي يحتفل به المصريين في كل ربيع، بل هو امتداد عريق لجذور حضارية ضاربة في أعماق التاريخ الفرعوني. فمنذ آلاف السنين، عرف المصري القديم كيف يحتفل بتجدد الحياة وازدهار الطبيعة، فجعل من الربيع مناسبة للفرح والتواصل مع الطبيعة، في طقوس ومأكولات ما زالت تُمارس حتى يومنا هذا. وبين النقوش القديمة والأساطير المتوارثة، تبقى «شم النسيم» قصة مصرية خالصة تعكس عبقرية حضارة عرفت كيف تمجد الحياة وتخلد مواسمها، كما أكده الدكتور محمود حامد الحصري، أستاذ الآثار بجامعة الوادي الجديد، يؤكد هذا التشابه اللافت بين الماضي والحاضر. عيد الربيع في مصر القديمة في عمق التاريخ الفرعوني، وتحديداً مع بداية فصل الربيع، كان المصريون القدماء يحتفلون بعيد «شمو»، الذي يُعتقد أنه الأصل التاريخي لعيد "شم النسيم" الحالي، ورغم عدم وجود دليل قاطع يؤكد هذا الربط، إلا أن النقوش والرسومات على جدران المعابد والمقابر تصور مظاهر احتفال مشابهة لما يفعله المصريون اليوم من خروج إلى الحدائق، وتناول أطعمة معينة. - طقوس قديمة وأصول لغوية ذكر المؤرخ بلوتارخس في القرن الأول الميلادي أن المصريين كانوا يقدمون في هذا العيد الأسماك المملحة والخس والبصل للآلهة، كما تشير بعض الآراء إلى أن كلمة "شم النسيم" ما هي إلا تحوير لكلمة "شمو"، والتي تعني في اللغة المصرية القديمة "بداية الخلق" أو "فصل الحصاد". ما يميز شم النسيم أنه عيد وطني شعبي، يحتفل به المصريون بمختلف دياناتهم ومعتقداتهم. يأتي بعد عيد القيامة المجيد مباشرة، ويقع في شهر "برمودة" وفقاً للتقويم القبطي. يحتفل به المصريون بالخروج إلى الحدائق والحقول، وتناول أطعمة مخصوصة لها جذور تاريخية عميقة. - مشاركة الفراعنة وكبار رجال الدولة في العصور الفرعونية، لم يكن شم النسيم عيداً شعبياً فقط، بل شارك فيه الفرعون والوزراء وكبار رجال الدولة، احتفالاً بعودة الحياة وتفتح الزهور وازدهار النباتات. لم تكن أطعمة شم النسيم عشوائية، بل ارتبطت بعقائد ورموز دينية لدى المصري القديم: البيض (سوحت): رمز للخلق والتجدد، اعتاد المصريون تلوينه وتعليقه في السلال ليطل عليه نور الشمس، في طقس فرعوني قديم لتحقيق الأمنيات. السمك المملح (الفسيخ): يرمز لنهر النيل ومياه الخلق الأولى، وله أصول صناعية دقيقة ظهرت في نقوش المقابر، وكان يُستخدم طبياً في علاج أمراض الربيع. البصل (حجو): ارتبط بأسطورة شفاء أمير مريض، فأصبح رمزا للحماية والشفاء. الخس (عبو): نبات مقدس مرتبط بالإله "مين"، إله الخصوبة، وله فوائد صحية بحسب البرديات الطبية القديمة. الحمص الأخضر (الملانة): رمز لقدوم فصل التجدد، وكان يُعرف باسم "حور-بك" في الدولة القديمة. اقرأ أيضا| أصل الحكاية | «تقاليد واحتفالات عيد الربيع في مصر القديمة» - شم النسيم.. عيد الحياة المتجددة يُعد شم النسيم احتفالاً بتجدد الحياة ونهاية فصل الشتاء القاسي، حيث تزدهر الأرض وتبتسم الطبيعة، في مشهد متكامل من الجمال والفرح. هذه المناسبة تذكرنا بأن المصري القديم لم يكن فقط باني حضارات ومعابد، بل كان أيضاً صاحب فكر متكامل، يعرف كيف يحتفل بالحياة ويجعل من الطبيعة شريكةً له في طقوسه اليومية.