يُعد الاحتفال بشم النسيم" من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية، حيث تمتد جذوره إلى الحضارة المصرية القديمة، التي كانت تعطي للأعياد طابعًا دينيًا وفلسفيًا يعكس معتقداتهم حول الحياة والموت والبعث. كان المصريون القدماء يحتفلون بهذا العيد مع بداية الربيع، حيث كانوا يعتقدون أنه يوم تجدد الحياة وانبعاث الروح من جديد، وهو ما يتماشى مع فلسفتهم الدينية التي تقوم على فكرة الخلود والتجدد. انتهاء فصل الشتاء في مصر وبداية الربيع مع تطبيق التوقيت الصيفي 2025 في هذا التقرير، نستعرض كيف نشأ الاحتفال بشم النسيم في مصر القديمة، وما هي الطقوس التي ارتبطت به، وكيف تطورت هذه الاحتفالات عبر العصور، حتى وصلت إلى شكلها الحالي في المجتمع المصري الحديث. ** أصول الاحتفال بشم النسيم في مصر القديمة * الاحتفال ببداية الحياة الجديدة يعود تاريخ الاحتفال بشم النسيم إلى حوالي 2700 قبل الميلاد، حيث ارتبط هذا العيد عند المصريين القدماء بمهرجان "شمو"، الذي كان يُقام مع بداية فصل الربيع. اعتقد الفراعنة أن هذا اليوم يمثل بداية الخلق والتجدد، حيث تتفتح الزهور، وتعود الحياة إلى النباتات بعد فترة الشتاء، فكانوا يعتبرونه عيدًا مقدسًا يجسد معاني النور والحياة والاستمرارية. * الاحتفال في التقويم المصري القديم كان المصريون القدماء يستخدمون تقويمًا يعتمد على الظواهر الفلكية، وكان يوم "شمو" يقع في وقت محدد من العام مع الاعتدال الربيعي، حيث تشرق الشمس بشكل متساوٍ بين الليل والنهار، وهو ما كان يُعد رمزًا للانسجام والتوازن في الكون، لذلك اعتبروا هذا اليوم مناسبًا للاحتفال بعودة الحياة والتجدد الطبيعي. ** طقوس الاحتفال بشم النسيم عند المصريين القدماء * الخروج إلى الحدائق والطبيعة كان من أهم مظاهر الاحتفال بشم النسيم عند الفراعنة الخروج إلى الحدائق والمتنزهات، حيث كانوا يعتبرون أن الطبيعة هي المكان المثالي للاحتفال بالحياة الجديدة. كان المصريون القدماء يتوجهون إلى ضفاف نهر النيل، والحدائق المحيطة بالمعابد، حيث يقضون اليوم في الهواء الطلق ويستمتعون بجمال الطبيعة. * تزيين المنازل والمعابد كان الفراعنة يزينون منازلهم بالورود والزهور الملونة، ويُعتقد أنهم كانوا يستخدمون زهور اللوتس في هذا العيد، حيث كانت ترمز إلى النقاء والتجدد. كما كانت المعابد تُزين بزخارف خاصة احتفالًا بهذه المناسبة. ** تحضير الأطعمة الخاصة بالمناسبة من العادات التي نشأت مع الاحتفال بعيد "شمو" تناول أطعمة معينة ذات دلالات رمزية، منها: - البيض: كان رمزًا لخلق الحياة والتجدد، حيث اعتقد المصريون القدماء أن البيضة تحمل داخلها الحياة الجديدة. كانوا يلونون البيض بألوان زاهية كرمز لتجدد الحياة. - السمك المملح (الفسيخ): كان يُعتبر رمزًا للخصوبة والوفرة، حيث اعتقد الفراعنة أن السمك يجلب الرزق، وكان تناوله في هذه المناسبة يعكس فكرة استمرارية الحياة. - البصل: كان يُستخدم في الاحتفالات لاعتقادهم بأنه يقي من الأرواح الشريرة ويمنح القوة والحماية. - الخس: كان يرمز إلى الخصوبة والنمو، حيث كان يُعتقد أن تناوله يجلب البركة والصحة. ** الموسيقى والاحتفالات الدينية كانت الاحتفالات تشمل العروض الموسيقية والغنائية التي تُقام في المعابد، حيث كان الكهنة يقدمون القرابين للآلهة شكرًا على تجدد الحياة. كما كان الناس يجتمعون لأداء الطقوس الدينية التي تُعبر عن الامتنان للطبيعة والقوى الإلهية التي تجدد الحياة في الكون. ** رمزية شم النسيم في العقيدة المصرية القديمة * الارتباط بأسطورة أوزوريس وإيزيس ارتبط عيد "شمو" بأسطورة أوزوريس، حيث كان يُنظر إليه على أنه إله البعث والتجدد، الذي يعود إلى الحياة بعد موته. وبهذا المعنى، كان الاحتفال بشم النسيم يُعتبر تجسيدًا لفكرة البعث والخلود، وهي من المفاهيم الأساسية في العقيدة المصرية القديمة. * الشمس كرمز للحياة كان المصريون القدماء يقدسون الشمس ويعتبرونها مصدر الحياة، وكان شم النسيم يحتفل بعودة أشعة الشمس الدافئة بعد الشتاء، حيث كانت الشمس تُعتبر رمزًا للتجدد والقوة الإلهية. ** تطور الاحتفال بشم النسيم عبر العصور * من مصر القديمة إلى العصور القبطية والإسلامية مع مرور الزمن، استمر الاحتفال بشم النسيم حتى بعد انتهاء العصر الفرعوني، حيث تبنته العصور القبطية، ثم انتقل إلى العصر الإسلامي. وعلى الرغم من اختلاف الفترات الزمنية، حافظ المصريون على تقاليد هذا العيد، مع بعض التغيرات التي طرأت عليه بسبب اختلاف الثقافات والتقاليد الدينية. * شم النسيم في العصر الحديث اليوم، ما زال المصريون يحتفلون بشم النسيم بنفس الطقوس التي تعود إلى آلاف السنين، حيث يخرجون إلى الحدائق والمتنزهات، ويتناولون البيض الملون والفسيخ والبصل والخس، وهو ما يعكس استمرارية هذا العيد العريق رغم مرور الزمن. يعد شم النسيم من الأعياد القليلة التي استطاعت الصمود لآلاف السنين دون أن تفقد هويتها أو معناها، حيث ظل مرتبطًا بتجدد الحياة والبعث والاحتفاء بجمال الطبيعة. وبالرغم من التغيرات التي طرأت عليه عبر العصور، إلا أن جوهره ظل ثابتًا، مما يجعله جزءًا أصيلًا من التراث المصري. يبقى شم النسيم شاهدًا على عظمة المصريين القدماء وقدرتهم على الربط بين الطبيعة والمعتقدات الدينية والاحتفالات المجتمعية، ليظل هذا العيد تقليدًا خالدًا يمتد من الفراعنة حتى يومنا هذا.