من بين طيات التاريخ المصري العريق، تتسلل إلينا حكايات نسجها الأجداد بعناية، وخلدوها في نقوش المعابد ورسوم المقابر، لتحكي عن طقوس ارتبطت بعشقهم للطبيعة، واحتفائهم بالحياة في كل ربيع. لم يكن «شم النسيم» مجرد مناسبة موسمية، بل كان يوماً يحمل بين طياته رموزًا روحية وعقائدية، وممارسات غلفتها الأساطير والحكم الشعبية. ومن هذه الطقوس، ولدت قصصٌ لا تزال تُروى، يختلط فيها الواقع بالأسطورة، ويعيش فيها عبق الحضارة المصرية القديمة حتى يومنا هذا. في السطور التالية، نستعرض أبرز هذه القصص التي تشهد على عمق الجذور التي ربطت المصريين بعيد الربيع منذ آلاف السنين. ◄ قصة الأمير وشفائه بالبصل تُحكى في مصر القديمة أسطورة عن أمير صغير أصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه. وفقاً للأسطورة، وضع أحد الكهنة حبة بصل تحت وسادة الأمير، وأوصاه بأن يستنشق رائحته عند شروق الشمس في يوم عيد الربيع. فعلاً، شُفي الأمير تماماً، وأصبح البصل رمزًا للشفاء والحماية. ومنذ ذلك الحين، أصبح تناول البصل جزءًا من طقوس عيد شم النسيم في مصر. اقرأ أيضا| شم النسيم 2025 .. نصائح يجب اتباعها قبل شراء الأسماك المدخنة ◄ الأسماك المملحة وطقوس النيل كانت الأسماك المملحة، المعروفة بالفسيخ، من الأطعمة الأساسية في عيد شم النسيم لدى المصريين القدماء. ارتبط تناول الفسيخ ارتباطًا وثيقًا بنهر النيل، الذي كان يُعتبر مصدر الحياة والخصوبة. في أحد النقوش القديمة في مقبرة الوزير «رخ-مي-رع» في الأسرة ال18، يظهر الفراعنة وهم يصطادون الأسماك من النهر استعدادًا للاحتفال، مؤكدين العلاقة العميقة بين الأعياد والتقديس للطبيعة. ◄ البيض الملون: رمزية تجدد الحياة كان البيض الملون جزءًا مهمًا من الاحتفالات، حيث كان المصريون يعتقدون أن البيضة ترمز إلى بداية الخلق وتجدد الحياة. كانوا يلونون البيض بألوان زاهية، ويعلقونه في سلال فوق الأبواب ليطل عليه نور الشمس. كان هذا الطقس يُعتبر رمزًا لتحقيق الأمنيات وطريقًا لجذب البركة والخصوبة طوال العام. هذا التقليد استمر عبر العصور، وما زال قائماً حتى اليوم في الاحتفال بشم النسيم. ◄ الخس الرمز لإله الخصوبة «مين» كان المصريون القدماء يعتبرون الخس رمزًا للإله «مين»، إله الخصوبة، ويُعتقد أن تناول الخس في عيد شم النسيم يُساعد في تحقيق التوازن الصحي للجسم. في بعض الأساطير، كان "مين" يُصور وهو يحمل الخس، وهو دليل على دوره في تعزيز خصوبة الأرض والنباتات. تُظهر بعض النقوش من معابد العصور الفرعونية كيف كان هذا النبات جزءًا أساسيًا من طقوس الاحتفال. ◄ الحمص الأخضر: بداية التجدد يُقال إن المصريين القدماء كانوا يعتبرون الحمص الأخضر، المعروف ب"الملانة"، رمزًا لفصل الربيع والتجدد. عندما تبدأ بذور الحمص في الامتلاء والنضج، كان المصريون يرون في ذلك بداية لعودة الحياة وتجدد الطبيعة. في رسومات قديمة على جدران المعابد، يظهر الحمص بجانب آلهة الخصوبة والعطاء، مما يعكس ارتباطه العميق بالاحتفال بقدوم فصل الربيع. هذه القصص تمثل جزءاً من التراث الثقافي الذي ورثته مصر عبر آلاف السنين، ويظل عيد شم النسيم شاهداً حياً على احتفالات قديمة تحمل رسائل من الماضي وتربط المصريين بأجدادهم الفراعنة.