الإحسان هو الجميل الحَسن المُتقَن وكل ما يُصنع من معروف وخير فضلا ومحبةً. وهو المرتبة العليا من مراتب الدين الثلاثة : ( الإسلام ، والإيمان ، والإحسان الذي هو عبادة الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، ومرتبة الإحسان عبارة عن مقامين مقام من يَعبد اللهَ كأنه يراه وتلك عبادة المحبة والقرب والإنس ، والمقام الثاني لمن لم يستطع إدراك المقام الأول فيعبد الله خوفا وخشية بسبب المراقبة من الله. ويكون الإحسان بالتجميل والتحسين والإحكام والتجويد والمراقبة في مجالات العبادات والمعاملات ومع الحيوانات وسائر الكائنات حتى الجمادات وشاملا كذلك السرائر والنيات. وهذا الإحسان رغم أنه تجميل وتحسين وتجويد وإتقان فإنه ليس نافلةً أو فضلة كمالية بل هو فريضة من الفرائض التي جاء الأمر بها وجوبيا في الآية الذهبية التي لَخّصت فضائل الإسلام ومناقبه ومزاياه : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ). وجاء الأمر بالإحسان وجوبيا كذلك عندما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم عموم الإحسان وشموليته : ( إن الله كتَبَ الإحسان على كل شيئ ) ذلك البيان الذي حكى فيه الإمام ابن حزم الإجماع . وكذلك جاء الأمر بالإحسان وجوبيا كذلك عند التفصيل في مجالات الإحسان وبيان أبوابه مثل ؛ بِرّ الوالدين : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) ، وفي الدعوة إلى الله وحوار أهل الأديان الأُخَر : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، وفي إحسان القول لعموم الناس : ( وقولوا للناس حُسْناً ). وكذلك جاء الأمر بالإحسان وجوباً عندما بيَّن الله للإنسان وجه وجوب الإحسان على الإنسان والتزامه به بأنه ليس تفضلا منه بل إنه عِوض ومقابل للإحسان الإلهي إليه : ( وأحسِنْ كما أحسَنَ اللهُ إليك ). ورغم أن الإحسان من الإنسان عِوضٌ ومقابلٌ للإحسان الإلهي إليه إلا أن جزاء هذا الإحسان جاء مضاعفاً جَمَع الله فيه بين ثوابَيْ الدنيا والآخرة : ( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحُسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) . ثم جاءت فوق هذا الثواب المُضَاعف زيادةٌ أخرى : ( للذين أحسنوا الحُسنى وزيادة ) تتمثل في : 1. محبة الله لهم : ( إنّ الله يحب المحسنين ). 2. معيّة الله لهم بالتأييد والتسديد والحفظ والنصرة : ( وإن الله لمع المحسنين ). 3. البشرى بالنعيم كي تطمئن قلوبهم وتنشرح صدورهم وترتاح نفوسهم : ( وبشِّر المحسنين ). 4. رؤية الله تعالى يوم القيامة : ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربّها ناظرة ) تلك الرؤية البيّنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( إنكم سترون ربّكم كما ترون القمر لا تُضامون في رؤيته ). وربما تكون رؤية الله تعالى قد جاءت للمحسنين زيادة من عند الله تفضيلا وتمييزا لهم عن سائر المسلمين من ناحية ، ونكايةً في المحجوبين المعاقبين بألم الحَجْب وعذاب الحاجب عن الله وهو نفوسهم الأمَّارة بالسوء وأمراض قلوبهم وسوداويتها وظلاميتها المكتظة حقدا وحسدا للناس على ما آتاهم الله من فضله وكرها لهم وميلا للفساد والإفساد وسعيا بين الناس بالأكاذيب والفتن والافتراءات . ممّا كوَّن حاجزا كثيفا وطبقةً عازلة تُسمّى الرَّيْن تكسو قلوبهم فتمنع عنها الأنوار وتمنعهم من رؤية الله : ( كلا بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ). فعقوبة الحَجْب عن الله هي للأحباب المحبين أقسى من عذاب الجحيم ؛ لأن حياة المُحب الحقيقية تكون إلى جوار الحبيب وبقربه حيث تقرُّ العين ويطمئن القلب وتسكن الروح ، وبالحجاب عن الحبيب تكون الهموم والأحزان والعذابات والآلام التي لا تُذْهبُها لذة طعام أو شراب أو نكاح.