فى زمن تتسابق فيه الأمم نحو التقدم، ويغدو فيه العلم سيد الموقف، يبرز الذكاء الاصطناعى كقوة قادمة تُعيد تشكيل العالم، وتطرح على الإنسانية أسئلة جديدة. هل سيكون الذكاء الاصطناعى أداة تمكين؟ أم مصدراً للفتنة؟ بين هذه الازدواجية، فى كتابه جاءت الآيات لتمحو من داخلنا الشك وعدم المعرفة «علَّم الإنسان ما لم يعلم».. هذا النص الربانى دلالة واضحة على أن العلم جزء من التكليف الإلهى، ومجال من مجالات التفكر والتدبر. الذكاء الاصطناعى، بما يحمله من قدرة على التعلم، والتطوير الذاتى، وتحليل البيانات، هو تجلٍ عصريٌّ لهذا المفهوم، وهو ما يحتم علينا أن ننظر إليه كأمانة ومسئولية. قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات». وهنا مربط الفرس. فالذكاء الاصطناعى فى جوهره محايد؛ لا يحمل شراً ولا خيراً، بل يعكس نية مَن يطوره ويوجهه. إذا كان الهدف هو خدمة الإنسان، وتيسير حياته، ومساعدته على اتخاذ قرارات أكثر حكمة، فإن الذكاء الاصطناعى يصبح عندها نعمة من نعم الله. أما إذا زُرع فيه الجشع، أو التحيز، أو استُخدم فى غير محلة، أو إشعال الفتن، فإنه يتحول إلى وسيلة إفساد فى الأرض. السؤال هنا هل يصبح الذكاء الاصطناعى جزءاً من حياتنا اليومية؟ الجواب: نعم، بل إنه كذلك بالفعل. من هواتفنا إلى منازلنا الذكية، من محركات البحث إلى السيارات ذاتية القيادة، من المستشفيات إلى المصانع، الذكاء الاصطناعى موجود، ويتوسع. لكن وسط هذا الزحف التكنولوجى، يجب أن نُعيد التذكير بالغاية العليا للوجود البشرى، كما قال تعالى: «وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون» فالذكاء الاصطناعى، مهما كان متقدماً، يبقى وسيلة ضمن هذا الإطار الكلّى، يجب أن تُضبط بالضوابط الشرعية، وتُقَوَّم بالقيم الأخلاقية. إن الحديث الشريف: «اعقلها وتوكل» يلخص علاقتنا بالتقنية الحديثة. نحن مطالبون بالأخذ بالأسباب، بالاجتهاد، بالابتكار، ولكن دون أن نتكل على الآلات ونترك عقولنا. بل على العكس، الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون مساعدًا للعقل، لا بديلاً عنه. إذا كنا نريد للذكاء الاصطناعى أن يكون فعلًا ذكيًا، علينا أن نستحضر فى كل خطوة قول الله: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، فبهذا التوجيه الإيمانى، نستطيع أن نجعل من الذكاء الاصطناعى جسراً نحو مستقبل أفضل، لا هاوية نحو المجهول.