span style="font-family:"Arial",sans-serif"إلى السيدات والسادة الكرام قراء اللواء الإسلامي، وإلى كل شعب مصر العظيم، وإلى الأمتين العربية والإسلامية، وإلى كل إنسان فى الوجود، وإلى كل ذرة في هذا الكون.. أهلاً ومرحبًا بكم في رحلة جديدة مع القرآن الكريم، نصطاد منها لآلئ وكنوز القيم والتعاليم القرآنية السامية، من خلال الجزء الثاني من القرآن الكريم. span style="font-family:"Arial",sans-serif"إن الوقوف مع آيات الله عز وجل، يظهر عظمة هذا القرآن بلاغةً ونظمًا، وتشريعًا وقيمًا، حتى إنك لتجد في الآية الواحدة ما يستوقفك تشريعًا، ودعوةً، وتأملاً، وفكرًا. وعند الوقوف مع هذا الجزء نجد مسائل متعددة، وقيمًا سامية، إذ يتناول مسألة تحويل القبلة، ثم انتقل إلى تكريم الله تعالى لنا بنبي كريم علمه الله الكتاب والحكمة، كما شمل جمهرةً من المقاصد، منها العمران، فانتقل بنا إلى آيات الصيام، وشمل أيضًا أحكام الحج، ثم انتقل إلى أحكام النفقة، والطلاق، والحيض، والرضاعة، ويختم الجزء الثاني بقصة طالوت، كل ذلك في تناسق في النظم، وسلاسة في الانتقال، وزخم كبير المعاني والقيم، ينهل منها القاصدون والباحثون عن الهداية والرشد، والراغبون في التعلم والتثبت span style="font-family:"Times New Roman",serif"– جعلني الله والقارئ الكريم منهم. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"والوقفة الأولى لنا في الجزء الثاني هي وقفة بيانية دعوية، وفكرية أيضًا، وذلك مع قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143)، فإن هذه الآية تشير إلى أن الأمة المحمدية هي أمة الاعتدال والتوازن، فهي لا تعرف التطرف ولا التكفير، وهذه الكلمة وحدها تمثل شعار الأمة المحمدية، وهي الحصن الحصين الذي يحميها من تيارات الإرهاب والتطرف التي بدأت منذ أيام الخوارج، وصولاً إلى التيارات المتشددة في العصر الحديث، وهذه هي القيم العظمى التي يتسم بها الإسلام، ويرد بها القرآن على المعارضين والحاقدين، الذين يحاولون مرارًا وتكرارًا تشويه صورة الإسلام، والعبث برسالته، والنيل من رجاله، والإساءة إلى مقدساته. span style="font-family:"Arial",sans-serif"كما أن بناء الأمة الوسط يكون عن طريق العلم، والكتاب، والحكمة، يقول الله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيْكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 151). ولابد من فهم كلمة "الكتاب"، إذ يقول عز من قائل: {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (مريم: 12)، وأول ما أنزل من القرآن كان: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1)، مؤكدًا أن الكتاب هو العلم، والمعرفة، والنور، والهداية؛ ولهذا نجد العلماء دائمًا يوصون بطلب العلم، كما قال الشيخ رفاعة الطهطاوي: "تَعَلَّمِ العِلْمَ وَاقْرَأْ تَحُزْ فَخَارَ النُبُوَّة --- فَاللهُ قَالَ لِيَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة". span style="font-family:"Arial",sans-serif"ولكن ليس العلم وحده يكفي، بل لابد من أن يقترن بذكر الله، حيث يقول تعالى بعد ذلك مباشرة: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة: 152) فالأمة الوسط تُبنى على العلم، والكتاب، والحكمة، وذكر الله. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"والآن أنتقل بالقارئ الكريم إلى الوقفة الثانية في هذا الجزء، وهي وقفة تبين نعمَ الله سبحانه على عباده؛ لتيسير العمل والرزق والخير لهم، وهي مع قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (البقرة: 164)، فهنا يبين القرآن فائدة الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وهو بيان يحمل في طياته أسرارًا عظيمة في العمران والتجارة والاقتصاد، فالبحار تربط الأمم ببعضها، وتنقل الخيرات من مكان إلى آخر، ما يسهم في رواج التجارة وازدهار الحضارات. كما أن العلم الحديث شاهد على قدرات لامتناهية للبحار والمحيطات في إنتاج الموارد، والجود بالغذاء، وتوليد الطاقة، واستخراج الثروات، وغير ذلك من العطايا الربانية في مخلوقاته؛ حتى صرنا نقرأ اليوم دراسات موثقة معتبرة تتحدث عن "الاقتصاد الأزرق" span style="font-family:"Times New Roman",serif"– أي المعتمد بالأساس على المسطحات المائية. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"وأما الوقفة الثالثة في الجزء الثاني من القرآن الكريم فهي وقفة تأملية مع قول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} (البقرة: 185)، فالقرآن يوضح أن الهداية ليست خاصة بالمؤمنين فقط، بل هي هدى للناس أجمعين. span style="font-family:"Arial",sans-serif"ولذا فقد تساءل العلماء، لماذا قال الله في أول السورة "هُدًى لِلمُتَّقِينَ"، بينما هنا يقول: "هُدًى لِلنَّاسِ"؟ فكان الجواب: أن القرآن يحمل مستويات من الهداية، فمنه ما هو خاص بالمتقين، ومنه ما هو موجه للناس كافة. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"وننطلق من ذلك إلى الوقفة الرابعة في الجزء نفسه، وهي وقفة تأملية للتزكية وتحريك القلوب، وبيان مكانة الذكر والتعلق بالله تعالى في كل وقت وعمل، وهي مع قول الله تعالى في آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186). ولنفهم ونلاحظ الرابط بينه وبين ما يلي من الآيات: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} (البقرة: 198)؛ وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ} (البقرة: 200)؛ وقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: 203). فهذا يدل على أهمية الذكر وكثرة الدعاء، إذ إن ذكر الله هو العبادة الوحيدة التي لا تقيد بزمان أو مكان، فهو مستمر في كل الأوقات. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"وأما الوقفة الخامسة فهي مع المعاملة الحسنة، وحسن الأدب والعشرة، والرفق في كل شيء، حتى في أصعب الأوقات؛ وذلك مع قول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229)، فالله سبحانه يأمرنا بالإحسان حتى في أشد لحظات الانفصال والخصومة؛ ولذلك قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُم} (البقرة: 237) فالمؤمن لا يتعامل بالعدل فقط، بل يرتقي إلى مستوى الفضل، وهو أعلى درجات الأخلاق. span style="font-family:"Arial",sans-serif"●●● span style="font-family:"Arial",sans-serif"من ذلك نفهم أن القرآن يحثنا على الاعتدال في كل شئون الحياة، والتمسك بتعاليم الإسلام السمحة في كل الأحوال، والبعد عن الزيغ والانحراف، والتطرف بكل صوره وأشكاله، ويدعونا إلى العلم والمعرفة والتأمل؛ ويأمرنا بالمداومة على ذكر الله، وحسن العشرة والمعاملة الطيبة. فالمسلم سلم للناس والأكوان، كيف لا وسيدنا المصطفى للرحمة عنوان؟! span style="font-family:"Arial",sans-serif"وإلى لقاء يتجدد