تشهد العلاقات التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين توتراً متصاعداً منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تكشف تقارير جديدة عن استراتيجية صينية ذكية لا تعتمد فقط على الرسوم الجمركية التقليدية، بل تستخدم أساليب أكثر تعقيداً وتأثيراً لوقف تدفق الصادرات الأمريكية إلى أسواقها. أسلحة خفية في حرب التجارة قبل أن يعلن الرئيس ترامب من حديقة البيت الأبيض عن جولة جديدة من الرسوم الجمركية ضد الصين، كانت بكين قد بدأت بالفعل في تنفيذ خطة محكمة لمنع استيراد سلع أمريكية رئيسية، إذ انه وفقاً لما كشفته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، عملت الحكومة الصينية على مدار الأشهر الأربعة الماضية على وقف أو تقليص وارداتها المباشرة من السلع الأمريكية الرئيسية، بما في ذلك لحوم البقر والدواجن والغاز الطبيعي المسال، من خلال سلسلة من العوائق البيروقراطية والصفقات التجارية المعقدة عبر أطراف ثالثة. وتعتبر هذه الحواجز غير التعريفية للتجارة أكثر فاعلية من الرسوم الجمركية المتصاعدة التي تجتاح الاقتصاد العالمي حالياً. ويقول بن ليلستون، مدير الاستراتيجيات الريفية وتغير المناخ في معهد الزراعة والتجارة الأمريكي: "التعريفة الجمركية يمكن دفعها ببساطة، وتصبح الأمور أكثر تكلفة فقط، لكن هذه قيود كاملة على قدرتك على إرسال المنتجات إلى تلك الدولة". استهداف دقيق لمؤيدي ترامب السياسيين وتوضح "بوليتيكو" أن الحكومة الصينية تعرف جيداً أين يمكنها إيلام المصدرين الأمريكيين بشدة، إذ استهدفت بشكل مقصود القطاعات الاقتصادية في الولايات ذات التصويت الجمهوري القوي مثل أيوا ونبراسكا، والتي تعتبر من أكثر المؤيدين السياسيين للرئيس ترامب. كما رفضت بكين تجديد تراخيص التصدير لمئات من مصانع تعبئة اللحوم، وادعت أن بعض منتجات الدجاج الأمريكية تحتوي على أدوية غير مرغوب فيها، وأوقفت استيراد الغاز الطبيعي الأمريكي. وكما قال توم سوبر، المتحدث باسم المجلس الوطني للدجاج، إن الصين اعتمدت على الحواجز غير التعريفية "لسنوات"، واصفاً المخاوف الصينية الصحية والنباتية بشأن واردات الدجاج الأمريكية بأنها "هراء". وأضاف: "المضاد الحيوي الذي ذكرته بكين محظور في إنتاج الدجاج الأمريكي منذ عقود"، في إشارة إلى دواء فوراسيلين، المحظور في الولاياتالمتحدة لكن الصين تقول إنها وجدته بشكل متكرر في شحنات من شركة ماونتير فارمز. تصعيد متبادل للإجراءات الاقتصادية العقابية توضح هذه التكتيكات براعة رد بكين على تصاعد التوتر التجاري بين الولاياتالمتحدةوالصين وسنوات استعدادها لحرب تجارية جديدة، إذ ان ما بدأ كتعريفة إضافية بنسبة 50% رفعت الرسوم على الواردات الصينية إلى أكثر من 104% يوم الأربعاء، تحول إلى مستوى تعريفة بنسبة 145% بعد حوالي 12 ساعة فقط. وجاءت تلك الزيادة الثانية بعد أن رفعت بكين رسومها الجمركية على السلع الأمريكية إلى إجمالي 84%، ودفع انتقام بكين المضاد الرسوم على الواردات الأمريكية إلى 125% يوم الجمعة. استراتيجية متقنة منذ دخول منظمة التجارة العالمية هذا النهج الصيني ليس جديداً، إذ أتقنته بكين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، فعلى الفور تقريباً، صدت بكين موجة من الواردات الأجنبية للسلع، بما في ذلك فول الصويا، من خلال ادعاءات مشكوك فيها بأنها تحتوي على إصابات حشرية أو كائنات معدلة وراثياً. يقول مارك بوش، الذي قدم المشورة لكل من الممثل التجاري الأمريكي ووزارة التجارة بشأن الحواجز التجارية التقنية وأصبح الآن أستاذاً للدبلوماسية التجارية الدولية في جامعة جورجتاون: "هذا ما تفعله الصين - إجراءات تجارية متنكرة في شكل سياسة عامة مشروعة قائمة على العلم". وأضاف بوش أن مثل هذه الحواجز التجارية التقنية تمنح بكين "ضربتين بضربة واحدة - إنكار معقول وفتك". قطاع الطاقة والغاز الطبيعي في المقدمة يجلب هجوم ترامب الأخير شعوراً بال"ديجا فو"، على حد تعبير الصحيفة، لصناعة الغاز الطبيعي الأمريكية، التي وقعت أيضاً في نيران حرب التجارة المتقاطعة خلال فترة ترامب الأولى، إذ توقفت الصين، آنذاك كما هو الحال الآن، عن استيراد الغاز الطبيعي باعتباره "خطوة استراتيجية محسوبة"، وفقاً لما قالته ليزلي بالتي-جوزمان، محللة أمن الطاقة وتغير المناخ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وكشفت بيانات من شركة تحليل السلع "كبلر" أن الصين استوردت حتى الآن هذا العام شحنة واحدة فقط من الغاز الأمريكي، مقارنة ب 14 شحنة خلال نفس الفترة من عام 2024. وقد وضعت بكين تعريفة بنسبة 10% على واردات الغاز الأمريكي في فبراير، كما أوضحت أيضاً أن استيراد الغاز الأمريكي إلى الموانئ كان مستهجناً سياسياً نظراً لحرب التجارة المتصاعدة مع البيت الأبيض في عهد ترامب. صناعة اللحوم الأمريكية تواجه خسائر فادحة ليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الصين صناعة لحوم البقر الأمريكية، وهي دائرة سياسية رئيسية لا تعتمد على السوق الصينية بشكل كبير مثل قطاع فول الصويا. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة مستورد صافٍ للحوم البقر، فإن الصين تعد مشترياً رئيسياً للحوم البقر الأمريكية والسلع ذات الصلة. وقد أدى تردد الصين في تجديد تراخيص التصدير إلى وقف أكثر من 90% من صادرات لحوم البقر الأمريكية. سلاح صيني إضافي مشكلة أكبر محتملة هي قرار بكين تقييد صادراتها من المعادن الحيوية إلى الولاياتالمتحدة. تلك الخطوة تضرب مصنعي الطاقة النظيفة والبتروكيماويات الأمريكية، مما يجعل من الصعب إنتاج كل شيء من بطاريات السيارات الكهربائية إلى البلاستيك المستخدم للأدوات المنزلية. والصين هي المصدر الأكبر بفارق كبير لهذه المعادن، مما يترك الولاياتالمتحدة مع بدائل قليلة للإمداد.