قبل سنوات طويلة، حاول مُعدّ برامج أن يُثير لُعاب جيْبي! بالحديث عن مكافأة مالية مقابل استضافتي، فَعَل ذلك عندما سحبتُ موافقتى المبدئية على المشاركة، بعد أن عرفتُ اسم الفضائية الأمريكية، التى اتخذ مثقفون مصريون كثيرون موقفاً رافضاً لها، خاصة فى الأعوام التالية للغزو الأمريكى للعراق، واعتبرنا جميعاً أنها تحاول إجراء عمليات «غسل مخ» لجمهور مُستهدف فى منطقتنا العربية، وبالمناسبة هو حق مشروع لكل دولة، أن تسعى لاستخدام قوتها الناعمة فى خدمة سياساتها، لكن من حقى أيضاً أن أرفض تحويلى ل«تِرْس» فى ماكينات التلاعب بالعقول. مرت الأعوام لتجد قناة «الحرة» نفسها فى مواجهة رفض داخل بلادها، غير أن حيثياته اعتمدت على مبررات أخرى تتعلق بالتمويل، منذ قررت إدارة ترامب تجميد الدعم المادى لوسائل الإعلام الممولة من الحكومة، بهدف خَفْض مصروفات الميزانية الفيدرالية، الأمر الذى دعا القناة إلى تقليص موظفيها وبرامجها بشكل اضطراري، وقد يُصبح الإغلاق حلاً نهائياً، خاصة أن هناك حالات سابقة مماثلة، لعل أشهرها رفْع إذاعة «بى بى سي» العربية من الخدمة، وهو ما أحزننى بشكل شخصي، لأسباب متعلقة بالحنين أكثر من تأثرى بوقف تدفق المعلومات! رغم تحفظى على أهداف القنوات المُوجهة، إلا أننى أشعر بالأسى عادة مع غلْق أى منها، وهو إحساس انتابنى عندما اتخذ وزير الإعلام الأسبق ممدوح البلتاجى قراراً بوقف بث الإذاعات الموجهة إلى إفريقيا، لأنها تُكبد ميزانيتنا خمسة ملايين جنيه دون مردود حقيقي، ورأيتُ أن ضبط الأداء لضمان تواجد مصرى أكثر فاعلية، سيحقق مردوداً سياسياً يتجاوز حجم الملايين الخمسة، ويدعم قوتنا الناعمة التى نحتاجها فى مواجهة كيانات دولية أخرى تستهدف قدرات القارة السمراء. لكن يبدو أننى أنتمى لفكر قديم نسبياً، فها هو العالم يمضى فى المسار نفسه، ويعتمد على حسابات المكسب والخسارة المادية فقط. هل يحدث ذلك لأن دور الإعلام تراجع أمام تنامى وسائط أخرى؟، أم أن القوى الناعمة تحتضر وسط عالم أصبح يتسم بالخشونة؟!.