فى عام 2006، صدر قرار رسمي من وزارة الشئون الاجتماعية العرب، ينص على إقامة يوم الاحتفال بالأطفال اليتامى، كما خصصت جامعة الدول العربية يومًا للاحتفال بهم، فتم تعميم الاحتفال من مصر إلى بقية الدول العربية، فأصبحت أول جمعة من شهر أبريل، يومًا مخصصًا للاحتفال بالأطفال اليتامى في كل أنحاء العالم، السؤال الآن كيف يعيش اليتيم داخل دور الرعاية؟ وكيف تكون حياته بعد بلوغ سن الرشد ومواجهة المجتمع بمفرده؟ وما رد فعل المجتمع تجاهه؟ ولماذا يضطر إلى إخفاء حقيقته في معظم الأحيان؟ أسئلة عديدة وتفاصيل كثيرة تجيب عنها نهلة النمر سفيرة الأيتام في مصر. نهلة النمر ابنة محافظة أسوان.. عاشت طفولتها وحياتها داخل دار أيتام وبعد حصولها على بكالوريوس خدمة اجتماعية خرجت إلى سوق العمل لأول مرة وواجهت الكثير من الصعوبات والتحديات خاصة لخريجي دور الرعاية أو ملاجئ الايتام بسبب نظرة الناس والرفض المجتمعي لهم لكنها لم تستسلم واجتهدت وكافحت فى تغيير النظرة المجتمعية للأيتام وبالفعل عقدت العزم على ذلك وبدأت رحلتها فى دعم الايتام وتطوير منظومة دور الرعاية فى مصر إلى أن تم اختيارها سفيرة للتضامن الاجتماعي للمراقبة المجتمعية على دور الرعاية ومناهضة التنمر الواقع على تلك الفئة. في البداية أكدت نهلة النمر قائلة:»هناك حقيقة لابد وأن نذكرها في البداية؛ وهي أن الرئيس عبدالفتاح السيسى في السنوات ال11 الأخيرة أولى»الأيتام» اهتمامًا خاصًا، ورعاية ومبادرات لأجلهم، فالرئيس يحرص فى كل عام، ومع حلول يوم اليتيم بتوجيه رسائل إنسانية مباشرة، إلى أبنائه وبناته من الأطفال الأيتام، مؤكدًا لهم «أنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن»، وأنهم يحظون بدعم وتقدير القيادة السياسية والمجتمع المصرى بأكمله، داعيًا المصريين، لمشاركة الأيتام احتفالاتهم، واصفا هذا اليوم «بيوم الرحمة والألفة والطمأنينة»، ولا يمكن أن ننسى أن الرئيس أكد، «أن لكل يتيم الحق أن يعيش حياة سعيدة كلها أمل ورعاية، ودورنا أن نوفر لهم كل سبل الراحة والأمان والتعويض، فليكن كل منا عائلة لكل يتيم، نشاركهم أفراحهم وأحزانهم ونرسم البسمة على وجوههم»، فلا تزال كلماته ترن في أذني وأذن كل يتيم عندما قال يومًا في تدوينة على حسابه الرسمي علي فيسبوك: «إن أعظم الناس وأجودهم من صان اليتيم». وهذا ما أكدته أيضًا السيدة انتصار السيسي عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك» عندما كتبت قائلة: «في يوم اليتيم، نؤكد التزامنا برعاية الأطفال ودعمهم، فهم يستحقون كل اهتمام ورعاية، لنجعل هذا اليوم فرصة لنشر الأمل وإضفاء السعادة على قلوبهم». كيف بدأت قصتك فى دار رعاية الاطفال؟ القصة بدأت وأنا عمري عامين وجدت نفسي فى دار أيتام غير قادرة على استيعاب الفكرة وقتها تملكني شعور غريب بعدم القدرة على فهم مايحدث حولي، وبرغم صغر سني وقتها لكنني اتذكر جيدا تلك اللحظات الاليمة بمجرد دخولي الدار وكأنها لحظات محفورة بداخلي لاتنسى، بدأت استيعاب الفكرة بالاعتياد خاصة أن العاملين فى الدار وقتها كانوا غير مؤهلين لفهم الطفل سبب وجوده فى هذا المكان وانعدام الحوار، كان الحديث فى هذا الشأن غير مباح فبالتالي تعودنا بالفطرة أننا أيتام تعيش فى دار رعاية، أدركت ذلك وأنا عمري ست سنوات خاصة بعد التحاقي بالمدرسة وأننا أناس مختلفين عن بقية الناس الاخرى بالتعاملات والتميز الذي كان يحدث للاسف . هل واجهت صعوبات فى مرحلة طفولتك؟ من أصعب المواقف عندما سألت عن اهلي ولم أتلقى ردا او عن سبب وجودي فى هذه الدار أو هل لدي أشقاء مثلا دون جدوى من الرد على تلك الاسئلة غير المفهومة فى ذلك الوقت، ومن أصعب الاشياء أيضا فكرة التعاملات الخارجية مع الناس خارج الدار كانت مأساة فى حد ذاتها، التعامل مع طفل يتيم يتملكه احاسيس مختلطة بالخوف والشفقة والعطف والتجنب أيضا خاصة ان أغلب الناس التي تساعد اليتامي وتقدم لهم الهدايا فى يوم اليتيم وغيره تفرق جيدا بين هذا وبين التقبل بفكرة ان الطفل اليتيم الذى يعيش فى دور رعاية ممكن يكون زميل ابني فى المدرسة مثلا أو زميل فى الجامعة أو حتى رئيسي فى العمل بالطبع احيانا يقابل رفضا صريحا لذلك اغلب الايتام الذين خرجوا من الدار كي يتعايشون مع المجتمع اخفوا هويتهم عن الناس بسبب الرفض المجتمعي لهم مع الاسف الشديد. أشد أنواع الصدمات التي تعرضت لها فى دور الرعاية؟ من أشد المعاناة التي تعرضت لها عندما قالوا لي «خذي شنطتك وأمشي» وقتها لم اجد في جيبي غير 25 جنيها، وحيدة اواجه مصيرًا مجهولا لا أعلم عنه شيئا، أول مرة اخرج الشارع وحدي وقتها قالت لي إحدى المشرفات التي ربتني وأنا صغيرة «خذي مفتاح الشقة وروحي فيها لحد ما تعرفي هتعملي ايه»، كانت أصعب الليالي التي مرت عليا وقتها كنت منهارة الدنيا كلها بالنسبة لي ظلام والمستقبل مجهول تماما وكأنه احساسا باليتم من أول وجديد، لكنني لم أستسلم وقررت ألا أكون ضحية لمأساتي بل قررت أن تتحول تلك المأساة الى صوت يدافع عن الايتام فى دور الرعاية وتغيير القوانين التي تعود بالاذى على الاطفال اليتامى خاصة الذين يواجهون مصيرًا مظلمًا عند بلوغهم سن الرشد. أصعب موقف تعرضت له فى طفولتك؟ من أصعب المواقف التي تعرضت لها كانت جملة لاتنسى وهى يا»بتوع الملجأ» عندما كنت طفلة فى المدرسة الابتدائية، وقف بعض الصبية الذين كشفوا السر وعرفوا أننا أيتام نعيش فى الدار وفى الذهاب والاياب يقولون لنا «بتوع الملجأ» لم أستوعب الجملة وقتها لكنها جرحتني بشكل كبير بجانب التنمر الدائم على بشرتي السمراء وقتها فقط عرفت معنى الخوف . متى بدأت معاناتك وكيف تمردت على وضعك داخل دار الرعاية؟ بدأت المعاناة بعد انتهاء المرحلة الاعدادية حيث كنت وقتها من الطلبة المتفوقين أحصل على جميع الدرجات النهائية فى أغلب المواد الدراسية وبالفعل حصلت على مراكز متقدمة على مستوى منطقة مصر القديمة، وقتها كانت لدي الكثير من الطموحات والتحديات لكنني تفاجأت أنه ممنوع استكمال الفتيات تعليمهن بالثانوية العامة وأن عليهن جميعًا الالتحاق بالتمريض أيا كان المجموع أو الدرجات النهائية التي حصلت عليها الفتاة دون تقديم مبرر منطقي لهذا القرار العقيم وكانت المشرفات فى الدار تقول لنا «كويس اننا علمناكم لحد كده»!، لكني تمردت على الوضع وعلى تعنت المشرفات وصممت على استكمال التعليم بالمرحلة الثانوية، وبالفعل سحبت اوراقي من المدرسة الاعدادية وقدمت بالمدرسة الثانوية ودفعت 15 جنيها كانوا كل ما أحتكم عليه من مصروفي، علمًا أنني اعشق القراءة منذ صغري، مثلا قرأت روايات إحسان عبد القدوس ويوسف ادريس وغيرهما من الأدباء العظام، وبالمناسبة الطفل اليتيم هو شخص لديه القدرة على أن يكون عظيمًا إذا توافرت له الامكانيات. كيف وجهت طاقتك العملية بعد حصولك على بكالوريوس خدمة اجتماعية؟ ركزت فى البداية على تطوير معايير دور الرعاية للايتام والعمل على تطبيق اللوائح بأنشطة فعلية على أرض الواقع وبدأت الرحلة من محافظتي القاهرة والجيزة حتى شملت كافة محافظات الجمهورية وخلالها حصلت على شهادة لتعزيز نمو الأطفال، وركزت على أهم شىء من وجهة نظري وهو تنمية قدرات الاخصائيات والاخصائيين الاجتماعيين للتعامل مع الايتام من خلال عقد ورش عمل للايتام من أجل تاهيلهم لمواجهة نظرة المجتمع لديهم. ما المشكلات التي تواجه الشباب بعد خروجهم من دار الرعاية؟ من أهم المشكلات التي تواجه الشباب بعد خروجهم من دور الرعاية عدم وضوح خطتهم لمواجهة المجتمع، أحيانا بعض دور الرعاية تؤهل الشباب وتدعمهم سواء بدعم مادي أو معنوي لكن للاسف هذا ليس مع أغلب دور الرعاية؛ حيث توجد بعض الدور تفتح الباب وتتركهم يواجهون وحدهم مصيرهم المجهول فى هذه الحالة نقول «من قال إن هؤلاء الشباب مؤهلين للخروج من دور الرعاية»؟، خاصة أن هؤلاء الشباب الايتام فى أشد الحاجة لسند يدعمهم ويقف بجانبهم ويقدم لهم النصائح ويأخذون برأيه. ما الحل من وجهة نظرك؟ الحل أنه لابد من وجود مكان مؤهل ينقل فيه الشباب الايتام بعد سن ال18 بهدف تأهيلهم فيه لان أولى خطوات التأهيل تبدأ من الصغر لكن خطوات بداية رحلة الاستقلالية تحتاج قبلها بسنة أو على الاقل ستة أشهر مختصين فى هذا الشأن لمساعدة هؤلاء الشباب على مواجهة المجتمع ويبدأ بعدها بالانسحاب تدريجيًا لانه من وجهة نظري الانفصال المفاجئ للشباب بعد خروجهم من دار الرعاية قد يكون السبب الرئيسي فى الآثار النفسية السلبية فى نفوس هؤلاء الشباب الايتام قد يصل بهم الشعور بالوحدة والانطواء. أهم المشكلات التي تواجه الفتيات تحديدًا فى دور الرعاية؟ من المفترض أن الفتيات يقمن فى الدار لحد سن الزواج، المشكلة هنا تكمن فى تحديد سن الزواج حيث لابد وأن يكون هناك معايير لهذا السن بمعنى ان هناك فتاة تتزوج وعمرها 20 عاما واخرى 30 عاما مثلا ومن الممكن ألا تتزوج أيضا؛ المشكلة أننا نجد بعض الدور تخرج الفتيات وهن لديهن 18 عاما وتتركهن يواجهن مصيرًا مجهولا وهذه كارثة فى حد ذاتها؛ لذلك لابد من تغيير القوانين ووضع معايير جودة خاصة فيما يخص سن الزواج للفتاة وخروجها من دار رعاية الايتام. من أين جاء لقب سفيرة الايتام؟ جاء اللقب من وزيرة التضامن السابقة نيفين القباج فى احتفالية يوم الفتاة العالمي وقبلها كنت حصلت بالفعل على واحدة من أفضل عشر شخصيات نسائية مؤثرة فى المجتمع المصري بتصويت من الجماهير وبناء عليه فى احتفالية الفتاة العالمي أعلنت الوزيرة حصولي على لقب سفيرة الايتام وقتها كان شعوري لايوصف احساس ممتزج بالفرحة والفخر والمسئولية أيضا . ما هى احلام سفيرة الايتام نهلة النمر؟ اتمنى من كل قلبي أن يكون المجتمع أكثر وعيًا بكيفية التعامل مع الطفل اليتيم وأن تتغير ثقافة الفكر تجاهه بأن كل مايحتاجه الطفل اليتيم هي الهدايا والبطاطين فهناك الكثير الذي ينقصه حقا . ما رأيك فى مسلسل أولاد الشمس خاصة وأنه ناقش قضية استغلال الاطفال فى دور الرعاية؟ شعرت بالانبهار منذ اللحظة الاولى التي شاهدت فيها أحداث المسلسل لانه أول مسلسل من وجهة نظري يصور الايتام بصورتهم الحقيقية ويبرز خوفهم على بعضهم البعض حد التضحية وآمالهم البسيطة فى تكوين حياة كريمة لانه للاسف الصورة النمطية التي تنقلها الدراما بأن الايتام دائمًا ما يكونوا بلطجية ومدمنين أو فتيات منحرفات هذه صورة خاطئة ولابد من المنظومة كلها أن تتغير فى التعامل مع الايتام. اقرأ أيضا: قوافل الواعظات تحتفل بيوم اليتيم بدور الرعاية في أجواء مليئة بالبهجة