« عزيزى القارئ.. ربما اطلعت قديما على كتاب «الملل والنحل» للعلامة الشهرستانى، أو حديثا على كتاب «المعتقدات الدينية لدى الشعوب» لجفرى بارندر، وترجمه للعربية د.إمام عبد الفتاح، أو كتب أخرى تقدم لك تعريفا بأديان العالم ومقاصدها، لكن كتاب اليوم «كيف صاغت أديان العالم شَعر الإنسان؟» لأستاذ تاريخ الأديان « ويليام سى. إينيس جونيور» مختلف، وفريد فى موضوعه ،فهو يقدم تساؤلات عن الأديان ربما لم تلفت انتباهنا يوما ،تساؤلات عن تأثير الأديان فى طريقة تعاملنا مع «شَعرنا»؟ ولماذا لا يقص السيخى «شَعر رأسه» أبدا وما تمثله عمامته؟ ولا تقص الراهبة المسيحية «شَعر رأسها» كله، وتحلق النساء الهنديات «شَعرهن» أثناء الحج؟ ولماذا يحلق الرجال المسلمون «شَعرهم» فى الحج، وتضع بعض النساء اليهوديات «باروكة» على الرأس كيلا يرى الغرباء «شَعرها» ؟! وهل عرفت لماذا تحتفظ كنائس ببقايا «شَعر بعض القديسين»، وتفعل بعض المعابد البوذية نفس الشىء، وتحتفظ ببعض «شُعيرات بوذا»؟! كل تلك التساؤلات يحاول الكتاب الإجابة عنها، ويتطرق إلى تساؤلات عن باقى «شَعر الجسد»، وهل «الشَعر نجس»؟ ولماذا يلعب «الشَعر» هذا الدور المهم فى كل الثقافات والأديان؟!» التساؤلات السابقة دفعت «جونيور» للبحث فى علوم الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا وعلم النفس، ليتفهم كيف حللت تلك العلوم سلوك الإنسان وقدمها- بامتداد فصل كامل- وتاريخ تطور الأبحاث فى هذا المضمار حتى الوصول إلى العصر الحديث عبر الثقافات المختلفة، والديانات الست- وهى «اليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية والسيخية»، والهدف الأبرز للكتاب هو دراسة طرق التعامل مع «الشَعر» لدى أتباع الديانات الستة التى تمثل أكثر من 77% من سكان العالم، وسنركز فى عرضنا للكتاب على الهدف الأصلى، وهو «كيف تعاملت الأديان الستة مع شَعر الإنسان»: اليهودية: يؤكد «جونيور» أنه لا يوجد تاريخ أكثر ثراء فى تقاليد الشَعر من «اليهودية»، وقد أتت بعض هذه التقاليد من «الميتزفه» أى الوصايا فى التوارة، ويعتقد اليهود أن التوارة قد أنزلها الله على النبى موسى بعد الخروج من مصر، وأن الخروج على أقرب التقديرات وقع فى حوالى عام 1300 ق.م «، ويؤكد «الكاتب» أن الممارسات المتعلقة بالشَعر «واللحية» بدأت مع بعض القصص المؤسسة للتاريخ اليهودى، ففى قصة ابنى إسحاق ورفقة: عيسو ويعقوب فى «سفر التكوين 25-36» ولد عيسو بشَعر جسد أحمر مفرط مما جعله يتسبب فى ضلال مبين والده ضعيف البصر. تم خداع إسحاق كى يبارك يعقوب وهو ابنه الثانى، وبالتالى لم يعد لعيسو شىء من الأمر. تضمن الخداع أيضا الشَعر، فلكى يخدع يعقوب إسحاق ليعتقد أنه عيسو، وضع يعقوب قطعة من شَعر الماعز على يديه وقفاه، وفى مروية «شمشون ودليلة» التحذيرية كان للشعر دور بارز حيث نجد شمشون وقد خارت قواه بعد أن قص «الفلستيون» أعداء إسرائيل شَعره، فينظر إلى شَعر شمشون فى هذه المروية على أنه مؤشر على شيء أكثر تعقيدا من مجرد مظهر للشَعر فى حد ذاته، ثم نجد فى سفر أيوب أن شمشون بعد أن عانى من محن كثيرة، قام بقص شَعره فى يأس كبير، وتظهر القصص المؤسسة للأمة اليهودية فى سفر التكوين، وفى سفر الخروج أيضا. اقرأ أيضًا| طرق التضامن النفسي مع مرضى السرطان.. حلاقة الشعر ليست منهم حلق الرأس واللحية ويؤدى الشَعر دورًا رئيسيًا فى عدد من وصايا (ميتزفه) التوراة، وهناك نوعان من ممارسات الشَعر الأساسية المستخدمة بغاية الوصول إلى الكمال فى اليهودية. أولا: اعتبر حلق الرأس وقص كل الشَعر مؤشرا على الابتعاد عن الممارسات السابقة، والطموح إلى حياة جديدة. والممارسة الثانية هى عدم قص اللحية أو جوانب من الرأس. ولهذه العوامل دور فعال فى خلق هوية «عبرية» بالمغايرة عن جيرانهم الوثنيين. وحلق الرأس واللحية فى كثير من الأحيان فى زمن الأنبياء كان مؤشرا على حالة حداد. ويشير إلى العديد من طقوس التطهر من الأخطاء، وحتى الأمراض الجلدية المرتبطة بحلاقة الشَعر، ففى سفر اللاويين «8:14-9»: «فيغسل المتطهر ثيابه ويحلق كل شَعره ويستحم بماء فيطهر. ثم يدخل المخيم لكن يقيم خارج خيمته سبعة أيام، وفى اليوم السابع يحلق كل شَعره: رأسه ولحيته وحواجب عينيه وجميع شَعره. ويرحض جسده بماء فيطهر. وهكذا تتطلب الحياة الجديدة النظيفة بداية جديدة، والتطهر الكامل يتطلب إزالة الشَعر القديم. وينقل لنا «نشيد الأنشاد» صورة عن علاقة شَعر الأنثى بالانجذاب الجنسى، راجع «الإصحاح الرابع» الآية الأولى. ثم يشير الكاتب إلى أنه غالبا ما تعكس الطريقة التى يختار بها المرء شكل شَعره-حتى فى عصرنا الحالى - انتماءه إلى مجموعة ما. مثل رؤوس المجندين العسكريين الحليقة، فنرى سفر اللاويين 27:19 يؤكد أنه: لا تحلقوا رؤوسكم بشكل مستدير، ولا تفسدوا عارضيكم». ويكمن السبب فى الممارسات الوثنية زمن نزول التوارة. وكان الرجل اليهودى يرى أن تهذيب اللحية، والشَعر معزز للهوية، وبمجرد أن يبلغ المراهق الحلم وتنمو لحيته يكتسب هوية البالغين ويصبح عضوا فى الأمة اليهودية. ويحافظ اليوم بعض اليهود الأرثوذكس التقليديين (أوالحريديم)، والحاسيديم على تعاليم اللاويين 27:19 هذه من خلال لحاهم الكاملة وضفائر العارضين الجانبية المجعدة وتسمى «Payot. الحداد والنذر وقص الشَعر واللحية و(جرح) الجسد نفسه فى حالة الحداد له أشكال متشابهة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط القديم، وتكثر الإشارات إلى هذا الأمر فى الأسفار المقدسة العبرية ولاسيما فى» أسفار الأنبياء «1» فبالإضافة إلى حلق الرأس واللحية، كان الشخص فى حالة الحداد يمزق ثيابه، ويهيل التراب على الوجه والجسد ويمشى حافى القدمين ويرتدى الخيش. وشروط الذى يقوم بالنذر موجودة فى «سفر العدد» الإصحاح السادس الآيات :1-22، و«سفر حزقيال» (:44 20-23):» ولا يحلقون رؤوسهم ولا يربون خصلا بل يجزون شَعر رؤوسهم جزا. ولا يشرب كاهن خمرا عند دخوله إلى الدار الداخلية». التنازل عن العذرية: ويشير ارتداء «الكيباه» بين الرجال من جميع تفريعات ومذاهب اليهودية إلى تقديس الرب أثناء الصلاة، وقد يعود أصل هذه الممارسة إلى لباس الكهنوت الخاص بالنبى هارون، وأبنائه فى «سفر الخروج»، أما تغطية شَعر النساء فيأتى من الوثيقة التوراتية أيضا، ولا تزال تغطية الرأس بالوشاح أو الحجاب أو حتى الشَعر المستعار تمارس من قبل العديد من اليهوديات الأرثوذكسيات والحاسيديات الملتزمات فى بعض الطوائف التقليدية، لاسيما فى القدس ،تأتى المرأة إلى حفل زفافها ورأسها مكشوف وهو رمز لعذريتها، وأثناء مراسم الزواج يتم قص شَعرها أو حلقه تماما لدخول الحياة الزوجية وكرمز للتنازل عن العذرية. ويفرد الكتاب تفاصيل كثيرة للأساطير اليهودية المتمثلة فى «أساطير ليليث»، وتفاصيل عن طقوس القص للصبيان. المسيحية يؤكد «جونيور» أن ممارسات «الشَعر المسيحية» لا تزخر بالتنوع الغنى فى المعانى التى وصل إليها المؤمن العادى فى الديانات الأخرى، والمسيحية قامت على حياة «يسوع الناصرى» الملقب بالمسيح، وحتى نفهم الممارسات المسيحية المتعلقة بالشَعر يجب علينا الرجوع إلى الأسفار المقدسة فى «العهدين القديم والجديد»، ونلاحظ فى الأناجيل أن يسوع مسح قدميه مرتين مستخدما فى ذلك شَعر امرأة. وأجاز بولس الرسول فى رسالة «كورنثوس آية «11» فرض قيود على طرق إظهار الذكور، والإناث للشَعر ليبدأ بعدها تقليد استمر طويلا تغطية النساء لرؤوسهن أثناء الصلاة، ودمجت طقوس النذر اليهودية فى رسامات رجال الدين اللاتينيين واليونانيين، وأصبحت هذه الطقوس بشكل جزئى قاعدة حلاقة الشَعر التى بنيت عليها الحياة الرهبانية للذكور والإناث، وأدى حلق رأس ولحية الرهبان، وقص شعر الراهبات إلى نشأة نظريات تربط كليهما بفكرة الإخصاء الرمزى. اعتبرت حلاقة لحى وشعر الرهبان علامة فارقة بين الكنائس اللاتينية واليونانية منذ العصور الأولى. وبالانتقال من الأناجيل إلى إحدى رسائل بولس فيما يتعلق بغطاء رأس المرأة، كتب بولس حوالى عام 55م إلى كورنثوس «جماعة كنسية» أنه عندما تتنبأ النساء أو تصلى فى قداس الكنسية، تغطى رؤوسهن بحجاب أو وشاح، بينما يجب على الرجال القيام بالعكس، أى عدم تغطية شَعرهم. وينبه الكاتب إلى أنه يجب ملاحظة وجود العديد من الآراء المتباينة حول سبب وصية بولس فهناك رأى يقول إنها تشجع على أن يكون المجتمع محافظا، وعرض الكتاب العديد من الآراء فى رسالة بولس، ويصل إلى أن يستنتج أن وصية بولس بتغطية الشعر والرأس إنما هى فى المقام الأول بغرض التأكيد على الاختلاف والتباين مع الممارسات الوثنية وقتها. التصاوير الفنية: تؤكد التصاوير الفنية من تلك الحقبة على ارتداء النساء المسيحيات لغطاء الرأس فى الصلاة حتى فى أيامنا هذه وبدون استثناء نشاهد دائما صور السيدة العذراء وهى تغطى رأسها بحجاب أزرق غامق. وتواصل بعض الطوائف البروتستانية الأكثر تقليدية تغطية الرأس، وفى تاريخ الكنائس الإفرو أمريكية نجد أن النساء كان لديهن ميل إلى ارتداء القبعات ذات الألوان الزاهية، واللافتة للنظر. ويجرى اعتبار حلق الرأس على أنه دليل تكريس المرء لنفسه فى خدمات الكهنوت، وينسحب هذا على كل من الرجال والنساء سواء فى الشرق أو فى الغرب. وبشكل عام يعتبر حلق الرأس فى جميع الأديان علامة على التطهر الشخصى أو على التخلى عن الدنيا. الإسلام يذكر «جونيور» أن لدى الإسلام تقاليد «شَعر» غنية ومتنوعة، وتختلف ممارسات هذه التقاليد فى صلتها بالشَعر اعتمادا على العديد مثل المذهب أو الطائفة التى ينتمى لها الفرد المسلم، والثقافة المحلية. ويرجع العديد من هذه العوامل إلى شبة الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولكن أجريت تعديلات على معظمها بغرض تثبيت العناصر الرئيسية للتقاليد الدينية الخاصة بالأتباع الكثيرين المتنوعين والقادمين من ثقافات مختلفة، ثم قدم الكاتب عرضا تاريخيا للإسلام، وظهوره ودور الحديث والفقه فى صياغة الإسلام، ويرى أن المعاملات الإسلامية» للشَعر» تعود إلى ثلاثة أحاديث رئيسية للنبى «محمد»، وهى التى أسست اللحى الكاملة، والشوارب المحفوفة لهوية إسلامية منفصلة عن الأديان المجاورة، فقد حدد النبى «محمد» طريقة حلاقة شعر الجسم، وهى مسألة أصبحت مرتبطة بطقوس البلوغ، أو الزواج. وطلب من زوجاته تغطية شعورهن، وهو الأمر الذى سرعان ما أصبح معيارا يقاس عليه، ونهاية حياته قص الرسول أظفاره ،ووزعها على أتباعه ،كما قص لحيته المحفوظة الآن فى قصر توبكابى فى إسطنبول. شَعر ولحى: يذكر المؤلف أنه بالنسبة لأولئك الذين يتبعون النهج الحرفي، فإنهم يتبعون هذه الوصايا من الأحاديث» قصوا الشارب، واعفوا اللحية» (صحيح مسلم) ، قال الحسن حفيد النبى «كان كثيف اللحية» (سنن الترمذي) «من كان له شَعر فليكرمه» (سنن أى داود)، و«عن صبغ شَعره بالحناء»، قال: لاريب أنى رأيت رسول الله يصبغ بها شَعره ولهذا أحب أن أصبغ (شَعرى بها). عبدالله بن عمر (صحيح مسلم)، وقالت السيدة عائشة أم المؤمنين: «كان الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم يطيب شَعره ولحيته».«كنت آتى رسول الله رسول الله عليه وسلم بأطيب دهن حتى أرى لمعان الدهن فى رأسه ولحيته» (صحيح البخارى). وبهذا يقرر الكاتب أن الإسلام يشترك فى رؤية اللحى مع العديد من الأديان والثقافات الأخرى لاسيما من خلال تراثه السامى، لكن يعد غطاء الرأس أقل أهمية بالنسبة للرجال منه بالنسبة للنساء، ولكنه ليس فرضا. وطول شَعر الذكور من الأمور الأخرى التى وردت فى «الحديث». ولا ينصح بالشَعر الطويل للرجال بالرغم من أنه عن أنس «أن شَعر النبى بلغ كتفيه». يشير الكاتب إلى أنه من المتوقع أن تتماشى الاختلافات فى شَعر الوجه مع خطوط المذهب، والفقه. تختلف كيفية إطلاق اللحية تماما بالتوازى مع خط الانقسام السنى الشيعى. يفضل السنة إطلاق لحاهم كثيفة متدفقة بينما فى مدارس الفقه الشيعى، تنص اللوائح على أن اللحية يجب ألا تزيد عن عرض قبضة المؤمن، أما غطاء شَعر النساء فيعامل فى الفقه على أنه «فرض» أى ممارسة إلزامية، ويعتبره العديد من علماء المسلمين جزءا من الشريعة، وفى زمن النبى «القرن السابع الميلادى»،كانت كل من اليهودية والمسيحية تفرضان أيضا أن تغطى النساء رؤوسهن لأسباب تتعلق بالاحتشام الجنسى. ولا تعتبر لحى الرجال وغطاء شَعر النساء الممارسات الوحيدة المتعلقة بالشَعر التى تساعد فى صنع هوية إسلامية فريدة، فكان النبى شديد الاهتمام بوضع معايير عالية للنظافة لأتباعه، فتوجد توجيهات مفصلة من جانب الرسول-تم توثيقها فى الحديث- بإزالة شَعر منطقة العانة من الجسم وهذا ينطبق على كلا الجنسين. تعتبر واجبات حلق أونتف شَعر الجسم فريدة فى نوعها كمطلب دينى بين أديان العالم الرئيسية الست، وبعد أداء «الحج» يقع حلق أو تقليم الشَعر بعد «السعى» شعيرة قرب نهاية «الحج»، ويسمح للنساء فى هذه الشعيرة بقص خصلة شعرهن. ويحرم عليهن حلق رؤوسهن. «الهندوسية» وأيضا فى ديانات «الهندوسية» و«البوذية» و«السيخ» حظى الشَعر بالعناية والاهتمام، ففى الهندوسية التى يعود تاريخها إلى حوالى 3000 قبل الميلاد وليس لها مؤسس واحد،وتوالى عليها فى الهند مؤسسون وأنبياء فى أزمان مختلفة، ويشير «جونيور» إلى أن الرجال الهنود يصففون شعورهم بقصها قصا متوسط الطول، وبحلق لحاهم .أما بالنسبة للنساء ،فشعورهن تكون طويلة مضفرة فى جديلة واحدة، وهى تعكس أسبابا مختلفة للأشكال التى تظهر عليها بها، ويعتبر الجسم بما فى ذلك السوائل والشَعر من مصادر الدنس فى «السامسكارات»، ولا يمكن تحقيق الطهارة الطقسية إلا من خلال حلاقة الرأس واللحية لإزالة الدنس المحبوس داخلهما.. دخل «الشَعر» فى الممارسات الدينية الهندوسية فى مرحلة مبكرة جدا. «البوذية» وفى البوذية حيث أسسها الأمير الشاب «سيدهارتا» الذى عاش فى جنوب شرق نيبال حوالى 450 قبيل الميلاد، وقد توصل الأمير (الذى يطلق عليه الآن بشكل أكثر دقة «المستيقظ المستنير»، إلى نتيجة مفادها أن الطريق إلى السعادة لم يكن من خلال الزهد الشديد، أو المتعة، لكن من خلال مسار وسطى بين قطبى النفس- الإمانة والانغماس الحسى. سيكون «الطريق الأوسط» طريقا يمكن أن يسلكه جميع البشر، وعن ممارسات البوذية المتصلة بالشَعر يمكن تجميعها فى ثلاثة مواضيع أساسية، أولا: أيقونات بوذا نفسه، وخاصة شَعره كما هو مصور على تماثيله، وتنتشر آثار جسد بوذا، وخاصة شعره فى جميع أنحاء العالم البوذى حيث كانت بمثابة تذكير لأتباعه بوجوده المستمر. ولطالما كان الراهبات والرهبان البوذيون مطالبين بالاحتفاظ برأس حليق بغرض تقليل تعلق الأنا بالجسد. وكما وردت بعض القواعد الرهبانية فى تعاليم بوذا فيما يتعلق بمظاهر الشَعر، فأوجبت على الرهبان الراهبات ارتداء أصفر وحلق رؤوسهم.وكانت أداة الحلاقة واحدة من الأشياء القليلة التى سُمح للراهب بامتلاكها،ويحلق الرهبان من كلا الجنسين رؤوسهم. وعند نموها مرة أخرى يتعين على الراهبة أو الراهب قص شعورهم عندما يصل طوله إلى عرض إصبعين مرة كل شهر أو شهرين،والهدف من حلاقة الرأس هو القضاء على التعلق بالمظهر والذى هو رغبة أساسية فى الأنا. ويلاحظ أن البوذية تحتوى على العديد من الممارسات المتعلقة بالشعر المثيرة للاهتمام والتى تختلف عبر مدارسها الرئيسية الثلاث، ويعتبر بوذا نفسه نموذجا لهذه العملية.تستخدم فنون بوذا الأيقونة وخاصة التماثيل الشَعر لتجسيد رسائل عنه، قام بوذا أثناء حياته بوهب شَعره وأظافره لأتباعه بغرض تقديسها وأن يستعدوا لمجىء ال«دراما».استمر قص الشَعر فى التقاليد الرهبانية البوذية، حيث يتضمن السعى للهرب من التعلق بهذا العالم وعدم التعلق بالمظهر الجسدى، لذلك يتم حلق الرأس. مع امتداد البوذية إلى مناطق أخرى من العالم. «السيخ» أما عند السيخ والتى تعنى الطالب أو «التلميذ»، فبدأت قصة السيخ حوالى عام 1500 فى إقليم البنجاب، على الحدود الهندية الباكستانية الحالية، وقد بدأها شخص يبحث عن الروحانيات العميقة يدعى «جورو ناناك ديف». ولد جورو فى عام 1469 لعائلة هندوسية فى عاصمة المقاطعة، وكان والده يعمل محاسبا لدى الحاكم المغولى «المسلم»، واحتك ناناك فى سنى طفولته بما قد يسميه البعض الأفضل فى كل التقليدين الإسلامى والهندوسى. ويشير«جونيور» أنه للوهلة الأولى تبدو تعاليم ناناك مزيجا من المعتقدات والممارسات الهندوسية والمسلمة، وتحت عنوان الشَعر غير المقصوص يذكر الكتاب إلى أنه يعود لخلفية ثقافية كعلامة مميزة لفرقة تدعى «خالصة» تعود إلى مصادر متعددة ،وأصل آخر محتمل للشعر الطويل غير الحليق (والعسكرة) يتصل بطبقة الجات فى البنجاب، وقد كانوا مزارعين بالوراثة وصغار ملاك الأراضى، فى الانضمام إلى حركة السيخ فى وقت قريب من إعلان «جورو جوبيند سينج» عن تأسيس «خالصة» 1699 وكان لهم شعر طويل كما كانوا مسلحين فى كثير من الأحيان، ووجهة نظر السيخ الدينية تفترض أن الإنسان خلق مكتملا فلا داعى لقص الشَعر ذكرا كان أو أنثى وبنفس المنطق لا داعى لختان الذكور-، وصنع الشَعر بالفعل حاجزا بصريا يفرق بين السيخ وبين جيرانهم الهندوس والمسلمين. وبعبارة أخرى يعتبر السيخ أن مظهر شعرهم الفريد هو شىء يصنع فارقا بصريا عن نظرائهم من غير السيخ ،ويمكن أن يصبح مصدرا للصراع ولسوء الفهم. وكما هى الحال فى العديد من الأديان، فإن «الجسد كرمز» يحوى وينقل طبقات متعددة من المعنى، وكان الشَعر والعمامة طريقة «مختصرة» لإعلان هوية السيخ المعبأة بالدلالة للأفراد وللجماعات ممن هم خارج السانجات أى»الجسد». واستخدم الجسد لصنع حدود فاصلة ثقافية بين السيخ وغير السيخ. ولا يقص الإنسان المعمم المنتمى لديانة السيخ شَعره، ولا اللحية، كما أنه يحيط عمامته بمشط خشبى، ويعتبر ثلاثتهم (اللحية والعمامة والمشط) رموزا لمعتقد دينى ولهوية جماعة من الناس، رغم أن هذه الثلاثة من صنع صورة السيخ الرمزية، فإننا نجد أنها لم تظهر على المشهد إلا بعد أكثر من قرنين من نشأة الدين، وفى السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع بشكل متزايد فى شوارع أمريكا الشمالية وأوروبا أن ترى رجلا هنديا يرتدى ملابس أنيقة وفوق رأسه عمامة وله لحية مشذبة بعناية، وديانة السيخ هى أحدث التقاليد الدينية فى العالم- وربما الأقل فهما، وكما يستطيع المرء أن يتخيل من شكل العمامة البارز، فقد أدت العناية بالشعر وتصفيفه إلى تشكيل هوية مميزة للسيخ بشكل واع.. وعن ربط عمامة الفرد من السيخ للمرة الأولى ليصبح طقسا من طقوس العبور الخاص بالمراهقين الطفل الذكرسيضفر شَعره غير المقصوص حتى سن الخامسة تقريبا، وهى السن التى يمكن فيها جمعه فى عقده، وتغطيته بقطعة قماش للرأس وبعد ذلك تأتى العمامة، ويحتفى بالذكر المراهق عبر احتفال رسمى يسمى ربط التاج العمامة، وتتكون عمامة السيخ من قطعة قماش قطنية يبلغ طولها حوالى 15 ياردة وعرضها ياردة واحدة يتم طيها فى البداية إلى ثلاثة أثلاث ثم لفها بإحكام حول الرأس لإضفاء مظهرها المميز. وبينما تحقق ممارسات التعامل مع الشعر فرصة للعديد من السيخ أن يعبروا بفخر وبطريقة مرئية عن تراثهم، لا يزال آخرون يشعرون أنها تفصلهم عن التيار الثقافى السائد لاسيما فى الغرب. أخيرا هذا العرض العجول المبسط للكتاب لايغنى عن قراءته والاشتباك معه.