تحتفل الصناعة النوويَّة الروسيَّة، العام الجاري، بمرور 80 عامًا على إنجازاتها والتقدُّم العلميِّ الذي شكَّل ملامح الطاقة العالميَّة.. ثمانية عقودٍ، أثبتت هذه الصناعة - بما لا يدع مجالًا للشك - قُدرتها على التحوُّل من مجرد ابتكارٍ علميٍّ إلى عنصرٍ أساسٍ في استراتيجيات الطاقة العالميَّة، حيث لم تقتصر على توفير الكهرباء النظيفة والموثوقة فحسب، بل أسهمت أيضًا في تحسين قطاع الرعاية الصحيَّة، وتعزيز القُدرة الصناعيَّة، والحفاظ على البيئة. واليوم، تُواصل التكنولوجيا النوويَّة الروسيَّة بقيادة شركة روساتوم الحكوميَّة المنوط بها بناء محطة الضبعة النوويَّة في محافظة مطروح فتح آفاق جديدة، بما يُواكب الزيادة الكبيرة في الطلب العالمي على حلول طاقة منخفضة الكربون تدعم التنمية المستدامة. تقف شركة روساتوم في قلب هذا التطوُّر، كشركة رائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا النوويَّة، ويُعتبر أحد أبرز تجسيدات هذا التقدُّم هو مشروع محطة الضبعة للطاقة النوويَّة في مصر، الذي ما زال قيد الإنشاء؛ ليُصبح إنجازات الشركة الروسيَّة ورصيد خبرتها في الصناعة النوويَّة التي تزيد على 30 ألف يومٍ شهادة ضمانٍ روسيَّة لمشروع مصر النووي. حيث يُعدُّ هذا المشروع خطوةً استراتيجيةً مهمةً نحو تحقيق استقلاليَّة مصر في مجال الطاقة، وتحقيق حلم المصريين في الحصول على هذه التكنولوجيا التي تُواكب نهضة مصر التنمويَّة الشاملة، التي تشهدها مصر في ظل الجمهوريَّة الجديدة، إضافةً إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا في هذا المجال الحيوي الذي بدأ منذ عام 1958 مع توريد أول مفاعلٍ بحثيٍّ لمصر من قِبَل الاتحاد السوفياتي. التعاون المصري - الروسي في بناء محطة الضبعة النوويَّة يعتمد على مفاعل (VVER-1200 تكنولوجيا الجيل الثالث +)، وهو أحدث ابتكارات شركة روساتوم الروسيَّة في مجال الطاقة النوويَّة، ويتميَّز هذا المفاعل بأنظمة أمانٍ مُتطوِّرة تشمل آليات حماية عالية، مما يضمن استدامته في الظروف الأكثر تطرفًا. كما أن تصميمه يُحقِّق كفاءةً عاليةً في استخدام الوقود، ويعمل على تقليل النفايات المشعة، مما يجعله آمنًا وموثوقًا مع مراعاة البيئة. كما أن التعاون مع الجانب الروسي في بناء محطة الضبعة للطاقة النوويَّة لا يقتصر على كونه استثمارًا في قطاع الطاقة فحسب، بل هو شراكة استراتيجيَّة طويلة الأمد تُسهم في خلق فرص عمل محليَّة، وتعزيز نقل المعرفة، وتعزيز الريادة الإقليميَّة في الاستخدام السِّلمي للطاقة النوويَّة، يعكس هذا المشروع كيف يُمكن للتكنولوجيا النوويَّة الحديثة أن تكون مُحركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي، وأمن الطاقة، والتنمية المستدامة، لذلك أُؤكد أن الضبعة النووية ليست مجرد محطة طاقة، بل هي منصَّة للتعاون الدولي الذي يهدف إلى تحقيق مستقبلٍ نظيفٍ وآمنٍ. تقنيات نوويَّة متقدِّمة لا أحد يُنكر أن خبرة شركة روساتوم الروسيَّة في المجال النووي ليست مُقصورةً على مشاريع الطاقة الكبيرة، بل تشمل تقنيات نوويَّة متقدِّمة وقابلة للتكيُّف مع احتياجات الأسواق المختلفة، وخير دليل على ذلك "محطة لومنوسوف العائمة" للطاقة النوويَّة، التي تم تشغيلها بنجاحٍ في أقصى شمال روسيا؛ حيث تُعتبر هذه المحطة نموذجًا جديدًا في توفير الكهرباء للمناطق البعيدة، إلى جانب توفير الحلول للطاقة اللا مركزيَّة المُصمَّمة لخدمة المجتمعات البعيدة والعمليات الصناعيَّة في بيئات قاسية، وهذا المثال يُثبت أن التكنولوجيا النوويَّة يُمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دعم التنمية الشاملة والنمو الإقليمي. وعلى جانبٍ آخر، يُواصل أسطول كاسحات الجليد النوويَّة التابعة لروساتوم أداء دور استراتيجيٍّ في فتح طريق البحر الشمالي، مُستفيدًا من أكثر من 65 عامًا من الخبرة. لا تُسهم هذه السفن في تسهيل حركة التجارة العالميَّة عبر المياه القطبيَّة فحسب، بل تضمن أيضًا الحفاظ على البيئة القطبيَّة بفضل استخدامها للطاقة النظيفة في عملياتها، وهذا التوازن يُوضِّح الفائدة الاقتصاديَّة من ناحية، وحماية البيئة من ناحية أخرى، حيث يظهر بوضوحٍ كيف يُمكن للتكنولوجيا النوويَّة أن تدعم الأهداف التجاريَّة والبيئيَّة بشكلٍ مُتكاملٍ. البحث العلمي تكنولوجيا روساتوم لا تقتصر على الطاقة الكهربائيَّة فقط، بل تمتد لتشمل أيضًا البحث العلمي، والحلول الصناعيَّة، والتقنيات الطبيَّة في أمريكا اللاتينيَّة، كما أن روساتوم تقود مشروع منشأة البحث النووي في بوليفيا، الذي يُمثِّل مُجمّعًا مُتعدد الأغراض، أهمها أنه سيُسهم في إنتاج النظائر الطبيَّة لعلاج السرطان، وتطوير تقنيات الإشعاع لدعم الزراعة، وتعزيز الابتكار الصناعي، وكل ذلك يُسلِّط الضوءَ على الدور المهم الذي يُمكن أن تلعبه العلوم النوويَّة في تعزيز الصحة العامة، وتحقيق الأمن الغذائي، وريادة الاقتصاد. وعن إنتاج النظائر المشعة، تُعتبر روساتوم واحدةً من أكبر خمسة مُنتجين للنظائر على مستوى العالم؛ حيث تمتلك روسيا حوالي 30% من مفاعلات إنتاج النظائر في العالم التي تعلب دورًا كبيرًا في مجالات الطب، الصناعة، والبحث العلمي. وفي السياق نفسه، أصبح الطب النووي في مصر أداةً محوريَّةً لتحويل قطاع الرعاية الصحيَّة؛ حيث يُسهم في تحقيق أهداف التنمية الوطنيَّة، ولا أحد يُنكر أن الطب النووي في مصر يمتلك إمكانات كبيرة لدعم رؤية مصر 2030؛ من خلال تحسين بنية الرعاية الصحيَّة، وتمكين التشخيص الدقيق والعلاج الفعَّال للأمراض المُعقَّدة، وتقليل معدلات الوفيات. كما أن هيئة الطاقة الذريَّة المصريَّة تُعدُّ واحدةً من اللاعبين الرئيسيين في التحوُّل الذي تشهده مصر في مجال التكنولوجيا النوويَّة؛ فهي تُدير المفاعل البحثي المصري الثاني في إنشاص بقدرة 22 ميجاوات، الذي يُغذِّي منشأةً لإنتاج النظائر المتقدِّمة. هذه المنشأة حقَّقت إنجازًا كبيرًا بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي بنسبة 98% في تلبية احتياجات مصر من الأدوية المشعة المستخدمة في علاج السرطان. تطوُّر التكنولوجيا النوويَّة اليوم لم يعد مجرد ابتكارٍ علميٍّ؛ بل هو استجابة مُنسَّقة لمواجهة أحد أكبر التحديات العالميَّة، وهو تلبية الطلب المتزايد على الطاقة مع الحفاظ على صحة الكوكب، وبالتزامن مع احتفال الصناعة النوويَّة الروسيَّة بمرور 80 عامًا على تأسيسها، يجب أن نُؤكِّد على أن الطاقة النوويَّة أصبحت اليوم مكونًا أساسيًا في حل المشكلة العالميَّة المتعلِّقة بالطاقة؛ حيث تُسهم بشكلٍ فعَّال في التحوُّل العالمي نحو طاقةٍ نظيفةٍ ومستدامةٍ جنبًا إلى جنبٍ مع مصادر الطاقة المتجدِّدة؛ لبناء عالمٍ خالٍ من الكربون للأجيال المقبلة.