كثيرون يجدون أنفسهم يتجهون إلى الطعام في لحظات الحزن أو التوتر أو حتى الملل، دون شعور فعلي بالجوع. هذا السلوك، المعروف ب"الأكل العاطفي"، أصبح محور اهتمام متخصصين في الصحة النفسية والغذائية، لما له من تأثيرات طويلة الأمد على الجسم والعقل. فكيف يتشكل هذا النمط من العلاقة مع الطعام؟ وهل من سبيل للخروج منه؟ تشرح عالمة النفس كسينيا زاباتورينا أن الأكل العاطفي أو ما يُعرف بالإفراط القهري في تناول الطعام هو سلوك يتجلى في استهلاك كميات كبيرة من الطعام دون وجود دافع جسدي حقيقي للجوع، بل نتيجة لمشاعر داخلية مثل التوتر أو القلق أو الحزن أو حتى الملل، في هذه الحالات، يتحول الطعام إلى وسيلة للهروب من المشاعر السلبية، إذ يرتبط في الدماغ بإفراز مواد كيميائية مثل الدوبامين، التي تعزز الشعور بالراحة والرضا،بحسب ما جاء من صحيفة "إزفيستيا". اقرا أيضأ|باحث سياسي: العالم يشاهد جرائم الاحتلال دون تحرك حقيقي وتضيف زاباتورينا أن أحد العوامل البيولوجية المؤثرة هو هرمون الكورتيزول، الذي يُفرَز خلال فترات التوتر، ويزيد بدوره من الشهية، هذا التفاعل يُعد جزءًا من آلية بقاء وراثية قديمة تهدف لتوفير الطاقة في أوقات الخطر، وهو ما قد يدفع الشخص لتناول كميات أكبر من الطعام دون وعي. كما تلفت إلى أن الأكل العاطفي قد يكون مرتبطًا بتجارب الطفولة، حيث جرت العادة على مكافأة الطفل بالطعام أو تهدئته به عند شعوره بالحزن أو الألم، ما يخلق علاقة شرطية بين الراحة النفسية والطعام، تستمر لاحقًا في الحياة البالغة. ومع ذلك، توضح زاباتورينا أن أحد أبرز الأسباب التي تُفاقم هذه الظاهرة هو اتباع أنظمة غذائية صارمة وغير منتظمة، ما يؤدي إلى ما يُعرف ب"الانهيارات الغذائية"، أي الإفراط في الأكل بعد فترات حرمان قاسية. وللخروج من هذه الحلقة، توصي باتباع نظام غذائي متوازن مع التركيز على تناول الطعام بوعي، أي الانتباه إلى نكهة الطعام، قوامه، والإحساس به أثناء تناوله، كما تقترح تبني طرق بديلة للتعامل مع التوتر مثل ممارسة الرياضة، الانخراط في هوايات مفضلة، أو تعزيز التواصل الاجتماعي. رغم أن الأكل العاطفي قد يبدو كحل فوري لتخفيف الضغوط، إلا أنه في جوهره آلية نفسية مؤقتة قد تؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية أكبر على المدى الطويل،التوعية بالعوامل المحفزة لهذا السلوك وتعلم آليات صحية للتعامل مع المشاعر، يمثلان خطوة أولى نحو استعادة التوازن بين الجسد والعاطفة.