مازال العالم يترقب في حذر شديد ما ستنتهي إليه حرب الرسوم الجمركية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين ، وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وأسواق المال. ويقول الدكتور عبد الحميد نوار استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ، بينما تتجه الأنظار إلى نهاية اليوم، 9 أبريل 2025، تقف الأسواق العالمية، ومراكز القرار في العواصم الكبرى، وحتى غرف الاجتماعات في الشركات المتعددة الجنسيات، على أطراف أصابعها. السبب؟ تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. اقرأ أيضًا| جامعة القاهرة.. 80 عامًا من الشراكة بين مصر والأمم المتحدة التي أعلن عنها صراحة على منصته "تروث سوشال"، والتي تشير إلى فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على الصين، تضاف إلى رسوم قائمة ستدخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع، لترتفع النسبة الإجمالية إلى 104%. إنها لحظة اختبار حقيقي للعلاقات الاقتصادية الدولية، والسياسات الحمائية، ومستقبل العولمة نفسه. تهديدات غير مسبوقة... وتوقيت محسوب: وأضاف أن تصريحات ترامب لم تأتِ من فراغ، بل جاءت في سياق رد مباشر على قرار الصين برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية بنسبة 34%. ما يعتبره ترامب "انتقاماً تجارياً"، يراه مراقبون رد فعل طبيعياً على التصعيد الأميركي المستمر منذ عودته للواجهة السياسية. لكن لغة ترامب لم تكن تقليدية، ولم تكن مبنية على إشارات دبلوماسية، بل كانت صريحة، حادة، وشبه نهائية: "إذا لم تتراجع الصين بحلول 8 أبريل، ستُفرض رسوم جديدة في 9 أبريل، وستُوقف جميع المحادثات معها". اقرأ أيضًا| تحالف جامعات «القاهرة الكبرى» يحتفل بمرور عام على تأسيسه هذه اللهجة العدائية، وهذا الأسلوب القاطع، لا يعكس فقط رؤية ترامب للعلاقات الدولية ك"صفقات تجارية"، بل يعكس أيضاً رغبته في ترسيخ صورته كمفاوض لا يلين، خصوصاً في فترة انتخابية يريد فيها كسب ودّ القواعد الشعبية المناهضة للعولمة. ثلاثة سيناريوهات مطروحة: ووفقا لاستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية ، أنه مع اقتراب نهاية اليوم 9 أبريل، بات من الممكن رسم ثلاثة مسارات رئيسية لما قد يحدث: السيناريو الأول: التصعيد الكامل: إذا أصرت الصين على موقفها، ولم تظهر أية بوادر للتراجع أو التفاوض، فمن المرجح أن تبدأ واشنطن فعلياً بفرض الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 50%، ما سيؤدي إلى دخول البلدين رسمياً في جولة جديدة من "الحرب التجارية". في هذا السيناريو، ستبدأ الأسواق المالية بتسعير الأسوأ: انكماش في التجارة العالمية، اضطراب في سلاسل التوريد، وضغوط تضخمية قد تدفع بالبنوك المركزية إلى خيارات أكثر تحفظاً. السيناريو الثاني: التراجع الجزئي أو الإشارة إلى نية التفاوض: إذا قامت بكين، ولو بشكل رمزي، بتأجيل تنفيذ رسومها أو عرضت استئناف المحادثات، فقد تؤجل واشنطن تنفيذ الرسوم الجديدة. هذا السيناريو يمنح فرصة ل"هدنة مؤقتة"، لكنها لن تكون سوى تأجيل للأزمة، لا حل دائم لها. السيناريو الثالث: المفاجأة: من غير المستبعد أن يظهر طرف ثالث، كالاتحاد الأوروبي أو جهة دولية كمنظمة التجارة العالمية، للتوسط أو لاقتراح مخرج تفاوضي. ورغم ضعف هذا السيناريو، إلا أنه يظل ممكناً في ظل حجم المخاطر المترتبة على الاقتصاد العالمي. الأسواق تترنح... والعالم يراقب: الانعكاسات المباشرة لتصريحات ترامب بدأت بالظهور منذ لحظة نشرها. الأسواق الأميركية شهدت تراجعاً حاداً، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والتصنيع، التي تعتمد بشكل كبير على المواد والمكونات القادمة من الصين. بورصات آسيا وأوروبا فتحت جلساتها هذا الأسبوع على انخفاض جماعي، في حين ارتفعت أسعار الذهب، والفرنك السويسري، والين الياباني كملاذات آمنة. ومن المتوقع أن تتكثف هذه التحركات بنهاية اليوم، سواء نحو الذعر في حالة التصعيد، أو نحو التفاؤل الحذر في حال ظهور بادرة تهدئة. ترامب بين الاقتصاد والسياسة: لا يمكن فصل ما يجري اليوم عن المعادلة السياسية الداخلية في الولاياتالمتحدة. ترامب يخاطب قاعدته الانتخابية التي ترى في الصين عدواً اقتصادياً، ويؤمنون أن الاتفاقيات التجارية السابقة كانت مجحفة بحق العامل الأميركي. لذلك، فإن هذا التصعيد قد يكون ورقة انتخابية أكثر مما هو أداة اقتصادية. ومع ذلك، فإن اللعب بالنار مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم لا يخلو من المخاطر. فإذا لم تتحلَ الإدارة الأميركية بالحكمة، وإذا لم تقابل الصين التهديدات بسياسة ضبط النفس، فقد تنفلت الأمور بسرعة لتتحول من "مناوشات تجارية" إلى "صراع اقتصادي شامل". ويجدر الإشارة إلى أن عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة وحده كان بنهاية عام 2024 نحو 263 مليار دولار، مما يضاعف من التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية. ختاماً: اليوم سيحمل الجواب: مع اقتراب نهاية 9 أبريل، نترقب ما إذا كان اليوم سيكون بداية لعهد جديد من الحمائية والعزلة، أم أن البراغماتية الاقتصادية ستنتصر، وتُترك نافذة للحوار. ما هو مؤكد أن هذا اليوم لن يمر مرور الكرام، وأن تداعياته قد ترسم ملامح الاقتصاد العالمي لسنوات قادمة.