حالة من الحزن أصابت المزارع الخمسيني محمود شيحة بعد أن تعرضت فدادينه الأربعة المزروعة بمحصول الملوخية إلى الجفاف وتآكلت سيقانها بسبب التغيرات الجوية التى تشهدها البلاد بين حين وآخر، فضلًا عن قلة حصته من المياه لجفاف مصارف وترع الري، مما يزيد من ملوحة التربة ويهددها بالبوار والجفاف. المؤسف أن محصول شيحة لم يكن الوحيد الذى تأثر بتلك التغيرات فجيرانه الآخرون تعرضت محاصيلهم من طماطم وقمح لغزو عدة حشرات وأمراض كالصدأ الأصفر وغيره ما قلل من إنتاجية الفدادين وكبدهم خسائر مادية ضخمة، كما يفسر ارتفاع أسعار تلك المحاصيل على المدى القريب. ◄ استنباط أصناف جديدة تتكيف مع التغيرات الجوية ◄ بيزنس زراعة الملوخية والبامية في تناقص خطورة التغيرات المناخية تتفاقم مع هجوم الموجات الحارة وحلول فصل الصيف ويزيد تأثيرها على المحاصيل الخضرية ونسب التالف منها، حيث يقدر بعض خبراء الزراعة أن تزداد نسب التالف منها لأكثر من 30% خلال الفصل الزراعى الواحد، فضلًا عن أثرها على بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن والقمح وإصابة أوراقها بالفطريات والحشرات الضارة، وهو ما أكدته دراسة الدكتورة سامية المرصفاوى خبيرة التغيرات المناخية؛ فأكدت أن إنتاجية القمح ستقل قرابة 9% فى حال ارتفاع درجة الحرارة درجتين مئويتين، وسيصل معدل النقص إلى 18% إذا ارتفعت ثلاث درجات ونصف. ◄ صدأ القمح! في واحدة من قرى منيا القمح بالشرقية تنتشر مساحات كبيرة من فدادين القمح بسنابلها الذهبية زاهية اللون، يقف أحمد برعي أحد الفلاحين بوسط أرضه يتفحص السنابل والسيقان فمع تعرض الجو لموجة حر شديدة لم تكن فى حسبانه بشهر فبراير الماضي أثرت بشكل سلبى على المحصول وبات معرضا للإصابة بمرض الصدأ الأصفر قبل الحصاد مباشرة، يتخوف أكثر الفلاحين من العواصف الترابية وموجات الجفاف التى تتعرض لها البلاد من حين لآخر، إذ تؤدى لانخفاض منسوب المياه فى الترع والمصارف فضلًا عن إعاقة اكتمال نمو المحصول بشكل كامل، يهم البعض منهم بحصاد محصوله قبل الأوان تفاديا لتلك الخسائر الضخمة فالمعروف أن موسم الحصاد يبدأ فى منتصف شهر أبريل حتى مايو وينتظرونه على أحر من الجمر، فهو من المحاصيل ذات الربح الكبير إذ يساعدهم على سد حاجاتهم الغذائية ناهيك عن سد ديونهم وتجهيز فتياتهم المقبلات على الزواج. يقول أحمد: على مدى عدة أعوام تغيرت درجة الحرارة وأصبحت تشهد ارتفاعا متزايدا يصل إلى ثلاث وأربع درجات، وهو بالطبع يؤثر بشكل كبير على المحصول فسنابل القمح وسيقانه تصبح أكثر تعرضا لقصر موسم النمو كما تنخفض عدد السنبلات ووزنها وبالتالى تنخفض إنتاجية المحصول، فضلا عن غزو بعض الحشرات التى تنشط يرقاتها وتفقس بويضاتها مع درجات الحرارة المرتفعة مثل دودة الخريف التى تتغذى على الأوراق السفلية للنبات. مشيرا إلى أن أغلب الفلاحين يعتمدون على فطرتهم وخبرتهم المتوارثة من الآباء فى التعامل مع التغيرات الجوية فى ظل غياب المرشدين الزراعيين وتكاسل مديريات الزراعة عن القيام بواجبها فى توجيه الفلاحين. ويؤكد برعى أن مقاومة المحصول للحرارة تعتمد على نسبة كافية من الأسمدة الزراعية إلا أن أغلب الجمعيات الزراعية لاتوفرها مما يجعلنا نشتريه من السوق السوداء بأضعاف سعره، وللأسف فإن صغار الفلاحين ومستأجرى الأرض هم الأكثر معاناة فيتعرضون لضغوط مافيا الأسمدة، فضلا عن تقاعس الدولة عن وضع سعر عادل لتوريد القمح مما يجعلهم لا يحققون أرباحا تذكر. أما صبحي فقوسة فيقول: يعتمد نضج سنابل القمح على درجات الحرارة المعتدلة إلا أن الارتفاع المتزايد والمفاجئ فيها يهدد النمو ويصيب المحصول بأمراض خطرة كالصدأ الأصفر والمن الدقيقى وتعمل على موت الأوراق وتآكل السنابل وهى كلها أمراض تستوجب رش المبيدات بشكل دورى، وبالطبع فإن ذلك يؤثر على إنتاجية المحصول ويصيبه بالضعف، وقد يصل إنتاج الفدان الواحد لستة أرادب فقط وهى خسارة كبيرة لا يتحملها سوى الفلاح وحده. ويشير فقوسة إلى أن درجة الحرارة المرتفعة تؤدى لجفاف المصارف وترع الرى مما يجعلهم يعتمدون على مياه الآبار وبالطبع فإن تكلفة حفرها عالية وتكبدهم أموالا جمة. مضيفا أن بعض الفلاحين يلجأون للرى بمياه المصارف الصحية والزراعية وهو مايعرض صحة المصريين للخطر. ◄ بيزنس مهدد ينتظر سعيد نهاية شهر أبريل كل عام على أحرّ من الجمر استعدادا لزراعة محصولى البامية والملوخية فهما يحملان الخير الوفير له ولأسرته طوال فصل الصيف وحتى شهر أكتوبر، حيث يبدأ فى تهيئة فدادينه الثلاث وحرثها والإشراف على الرى الأول للبذور، إلا أن هذا العام يحمل له العديد من المخاوف والقلق ففى العام الماضى تعرض محصولاه للجفاف واحترقت الأوراق نتيجة لدرجة الحرارة العالية، كما غزت اليرقة سيقان محصول البامية إذ تتغذى على القمم الزهرية للمحصول فتجف وتموت، كما تنقب ثمار البامية وتخترقها ثم تتغذى عليها. كما لم يسلم محصول الملوخية هو الآخر من كوارث درجة الحرارة العالية حيث غزت حشرتا المن والدودة القارضة الأوراق وقللت من إنتاجية المحصول، ناهيك عن قلة منسوب المياه فى الترع إذ تحتاج لرى من خمسة إلى عشرة أيام. يقول سعيد: تعد زراعة محصولى البامية والملوخية بيزنس كبيرا لنا حيث نبدأ فى زراعتهما آخر شهر أبريل ثم يبدأ الحصاد فى آخر شهر مايو حتى أكتوبر، ونقوم بجمع المحصول كل ثلاثة أيام وتوريده لكبار التجار الذين يقومون بدورهم بتوزيعها بأسواق الجملة ومصانع التعبئة، وبالطبع فإننا نجنى مكاسب كبيرة مقارنة بباقى محاصيل العام. ويضيف قائلا: إلا أنه منذ عدة أعوام ومع ارتفاع درجات الحرارة المتتالية أصيبت المحاصيل بالجفاف والذبول كما تشققت الأرض نتيجة انحسار الماء عنها، وهو ما جعلنا نعتمد على ماكينات المياه لاستخراج المياه الجوفية من باطن الأرض وهو مايكلفنا الكثير من النفقات، فضلا عن غياب عدالة توزيع المياه فى الترع والمصارف فأصحاب محاصيل الأرز والقطن يسيطرون على الترع الرئيسية ويحسرون الماء عنا. ويشير سعيد إلى أن جفاف المحصول وقلة إنتاجيته يؤثر بالسلب على كافة منظومته الزراعية من عمال جنى وتشوين، كذلك التجار وأصحاب مصانع التعبئة والتغليف، كما أن هناك بعض المصانع تقوم بالتصدير للخارج، مما يعنى أن الخسارة لا تقع فقط على صاحب الأرض، ولعل هذا يفسر ارتفاع سعر المحصولين بالنسبة للمستهلكين. أما رجب بيومي أحد كبار مزارعى الملوخية بالدقهلية فيقول: بعد خسائر العام الماضى نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وإصابة المحاصيل بحشرات المن والبق الدقيقى قررت عدم زراعة فدادينى العشر بالملوخية واستبدلتها بزراعة محصولى القطن والذرة الرفيعة حيث تساهم درجات الحرارة العالية فى التوسع فى زراعتهما رغم إمكانية الإصابة بالدودة، إلا أننا نكثف من رش الأرض وتسميدها بالأسمدة الخاصة بها. مشيرا إلى أن الكثير من مزارعى المحاصيل الخضرية يتكبدون خسائر كبيرة نتيجة التغيرات المناخية ويصل بهم الحال لتبوير الأرض. ◄ أصناف جديدة يقول حسين أبو صدام نقيب الفلاحين: تعد التغيرات المناخية المحتملة واحدة من العوائق والتحديات التى تواجه قطاع الزراعة فى مصر، خاصة أنها تزداد عاما تلو الآخر وهو مايجعل هناك ضرورة ملحة للتكيف مع تلك التغيرات وذلك باستنباط أصناف جديدة من المحاصيل تستطيع مواجهة الحرارة الشديدة ونقص مياه الرى، فضلا عن قدرتها على مقاومة الأمراض والحشرات المختلفة. ويضيف أبو صدام: ومن المهم توعية الفلاحين بضرورة الرى فى المواعيد المناسبة فقط والكميات المناسبة لتقليل إهدار المياه، وبالطبع استبدال طرق الرى التقليدية كالرى بالغمر بالرى بالرش أو التنقيط. مشيرا إلى أن تغيير مواعيد الزراعة بما يتناسب مع الظروف الجوية الجديدة هو ضرورة ملحة وينمى خبرة الفلاح بمواعيد الرى ورش المبيدات، كما يزيد من إنتاجية الفدان الواحد. ◄ خطر كبير ويوضح الدكتور يحيى متولى، أستاذ الاقتصاد الزراعى: أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدى إلى التأثير بالسلب على العديد من المحاصيل خاصة الخضرية منها وهو ما يبرر ارتفاع أسعارها فى الأسواق بعد ذلك، ويصل التالف منها فى الكثير من الأحيان لأكثر من 30% ، إلا أن هناك محاصيل لها قدرة على مقاومة التغيرات المناخية منها القطن والذرة الشامية لكن من المهم حمايتها من الإصابة بالحشرات والديدان الخطرة، منوها إلى ضرورة عودة دور المرشدين الزراعيين لتقديم النصح والإرشاد وتوجيه الفلاحين حول مواعيد الزراعة المناسبة. ويشير متولى إلى أن وحدة الإنذار المبكر التى أقامتها الدولة تسهم فى مواجهة تلك التغيرات وتكيف الفلاحين مع الظواهر الجوية المختلفة مثل الرياح والأمطار وتزيد وعيهم بمواعيد الرى والحصاد، مؤكدا أن الكثير من الفلاحين أصبحوا حريصين على متابعة حالة الطقس .