غداة حالة الجدل التي أثارها تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص بالمفاوضات المباشرة بين واشنطنوطهران، اختص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار «واشنطن بوست» بمقال رأي، تطرق من خلاله إلى كافة "مناطق الألغام" في العلاقة بين طهرانوواشنطن، وبالتبعية عرج إلى جولة المفاوضات «غير المباشرة» المرتقبة في عُمان، المعنية في المفام الأول بالملف النووي الإيراني بجانب ملفات إقليمية أخرى لا تقل في الأهمية. وتمثل مقالات الرأي في الصحف الأمريكية نهجًا متعارف عليه من قبل المسؤولين والدبلوماسيين في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها وسيلة موثوقة لمخاطبة الرأي العام الأمريكي، بالإضافة إلى إيصال رسائل غير مباشرة إلى مراكز صناعة القرار الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض هذه المقالات «مدفوعة الأجر». ونظرًا للتطورات التي تشهدها المنطقة والتي تلعب فيها طهران «بصورة أو بأخرى» دورًا بارزًا، تعيد «بوابة أخبار اليوم» نشر مقال وزير الخارجية الإيراني كما ورد نصاً في الصحيفة الأمريكية.. وإلى نص المقال: عباس عراقجي - وزير الخارجية الإيراني (في الأسابيع الأخيرة، جرى تبادل سلسلة من الرسائل والمكاتبات بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وعلى عكس بعض التفسيرات، فإن هذه الاتصالات — على الأقل من جانبنا — لم تكن رمزية أو بروتوكولية، بل نراها بمثابة محاولة جادة لتوضيح المواقف وفتح نافذة نحو الدبلوماسية. وفي ما يتعلّق بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الإثنين، فإن إيران مستعدة للانخراط بجدية، وبهدف التوصل إلى اتفاق. سنلتقي في عُمان يوم السبت لإجراء مفاوضات غير مباشرة، ونعتبر ذلك فرصة واختبارًا في آنٍ معًا. النموذج الذي نقترحه للتفاوض ليس أمرًا جديدًا؛ فالولاياتالمتحدة نفسها تضطلع بدور الوسيط في محادثات غير مباشرة بين روسياوأوكرانيا — وهو نزاع أشدّ تعقيدًا وتشابكًا من حيث الأبعاد الاستراتيجية والإقليمية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. لدي شخصيًا خبرة سابقة في قيادة مفاوضات غير مباشرة مع الولاياتالمتحدة. ففي عام 2021، وبوساطة من الاتحاد الأوروبي، خضنا عملية تفاوضية — رغم تعقيدها وصعوبتها مقارنة بالحوار المباشر — أثبتت أنها ممكنة ومثمرة. وعلى الرغم من أننا لم نبلغ خط النهاية حينها، فإن السبب الرئيسي كان غياب الإرادة الجادة من جانب إدارة الرئيس بايدن. الانخراط في مفاوضات غير مباشرة ليس مناورة أو تعبيرًا عن قناعة أيديولوجية، بل خيار استراتيجي مبني على تجربة واقعية. فنحن نواجه جدارًا سميكًا من انعدام الثقة، ونحمل شكوكًا عميقة تجاه صدق النوايا، زادها إصرار الولاياتالمتحدة على استئناف سياسة "الضغط الأقصى" قبل أي تواصل دبلوماسي. للمضي قدمًا اليوم، علينا أولًا أن نتفق على أن «الخيار العسكري» ليس واردًا. والرئيس ترامب يُدرك هذه الحقيقة جيدًا من خلال دعوته إلى وقف إطلاق النار كخطوة أولى لإنهاء الصراع في أوكرانيا. إن إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين على زيادة الوجود العسكري في منطقتنا، وتعريض الجنود الأميركيين للخطر بعيدًا عن وطنهم، لا يخدم أي هدف دبلوماسي. الشعب الإيراني، الذي تستند حكومتي إلى قوته في تحقيق الردع الحقيقي، لن يقبل أبدًا الإملاءات أو التهديدات. ولا يمكننا أن نتصور أن الرئيس ترامب يرغب في أن يتحوّل إلى رئيس أمريكي جديد ينغمس في حرب كارثية في الشرق الأوسط — صراع سيمتد سريعًا إلى عموم المنطقة، وسيفوق بكلفته أضعاف التريليونات التي أُهدرت في حروب أفغانستان والعراق. ونظراً لما هو قادم، هناك حقيقتان إضافيتان تستحقان التأكيد: أولاً: قد لا يُعجب الرئيس ترامب بالاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) المُوقعة في عام 2015، لكن هذا الاتفاق يتضمن التزاماً جوهرياً مفاده أن «إيران تؤكد من جديد أنها، تحت أي ظرف من الظروف، لن تسعى إلى، أو تطوّر، أو تمتلك أسلحة نووية». وبعد مرور عشر سنوات على إبرام الاتفاق، وما يقارب سبع سنوات على انسحاب الولاياتالمتحدة الأحادي منه، لا توجد أي أدلة على أن إيران قد انتهكت هذا التعهد. وقد أكدت تقييمات الاستخبارات الأميركية ذلك مراراً. ف"تولسي غابارد"، مديرة الاستخبارات الوطنية، اعترفت مؤخراً بأن "إيران لا تقوم بتطوير سلاح نووي، وأن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لم يصدر تفويضاً باستئناف البرنامج النووي الذي علقه في عام 2003". لدينا اعتراضات على العديد من جوانب السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما سياسات الغرب في منطقتنا، بما في ذلك ازدواجية المعايير في قضايا الانتشار النووي. وبنفس المنطق، قد تكون هناك مخاوف قائمة بشأن برنامجنا النووي. وقد أثبتنا استعدادنا لمعالجة تلك المخاوف عندما وافقنا على اتفاق عام 2015 — الذي تحقق على أساس الاحترام المتبادل والمساواة في التعامل. لكن، وعلى الرغم من تمسكنا بالاتفاق، فإن تجربتنا مع عدم استعداد أو عدم قدرة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي على الوفاء بالتزاماتهما، دفعت الكثيرين في إيران للمطالبة بضمانات متبادلة لتنفيذ الالتزامات. ثانياً: هناك مفهوم خاطئ خطير يجب توضيحه. كثيرون في واشنطن يصوّرون إيران على أنها دولة منغلقة من الناحية الاقتصادية. والحقيقة أننا منفتحون تماماً على استقبال الاستثمارات من مختلف أنحاء العالم. العائق الحقيقي الذي أبقى الشركات الأمريكية بعيداً عن فرصة اقتصادية تقدر بتريليون دولار يتمثل في السياسات التي تنتهجها الإدارات الأميركية والقيود التي يفرضها الكونغرس وليست إيران. في الواقع، عندما وافقت الولاياتالمتحدة على منح ترخيص لبيع الطائرات المدنية كجزء من اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، بادرت إيران فوراً إلى التفاوض مع شركة بوينغ لعقد صفقة لشراء 80 طائرة. والقول إن الفرص التجارية والاستثمارية في إيران «استثنائية» لا يتماهى مع الحقيقة. لا يزال اقتراحنا بإجراء مفاوضات غير مباشرة مطروحاً على الطاولة. ونحن نعتقد أنه إذا توفرت الإرادة الحقيقية، فهناك دائماً طريق للمضي قدماً. وكما أظهرت تجارب التاريخ القريب، فإن المسار الدبلوماسي أثبت جدواه في الماضي ولا يزال قادراً على تحقيق النتائج. نحن على استعداد لتوضيح نوايانا السلمية واتخاذ الخطوات اللازمة لتبديد أي قلق محتمل. ومن جانبها، تستطيع الولاياتالمتحدة أن تثبت جديتها في السعي إلى الحلول الدبلوماسية من خلال التزامها بما توقع عليه. وإذا قوبلنا بالاحترام، فسوف نبادله بالمثل. أما الحشود العسكرية، فهي تبعث برسالة معاكسة تماماً. وسأقولها بوضوح: إيران تفضّل الدبلوماسية، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها. لم نرضخ للتهديدات في الماضي، ولن نفعل اليوم ولا في المستقبل. نحن نسعى للسلام، لكننا لن نقبل أبداً بالإذعان. الكرة الآن في ملعب الولاياتالمتحدة. إذا كانت تسعى إلى حل دبلوماسي حقيقي، فقد أظهرنا الطريق إليه. أما إذا كانت تسعى إلى فرض إرادتها عبر الضغط، فعليها أن تدرك الآتي: الشعب الإيراني يرد على لغة القوة والتهديد بوحدة وحزم..هناك فرصة أمام الولاياتالمتحدة ليكون لها أخيراً رئيس يسعى إلى السلام، والقرار فيما إذا كانت ستغتنم تلك الفرصة من عدمه، يبقى خياراً لها).