تسير منطقة الشرق الأوسط على حبل رفيع مشدود وعلى جانبيها تتطاير ألسنة النيران المشتعلة فى الإقليم تترقب التهام دولة جديدة أو مشروع سياسى، إقليم تمزقه الحروب ويخون فيه من يدعو للتهدئة ويبحث عن السلام، تتراجع فيه الدبلوماسية والحلول السلمية والتفاوض الجاد لحل النزاعات، يسوده منطق القوة وفرض الأمر الواقع ولا يعترف بالحقوق العادلة والثابتة لشعب فقد أرضه وحياته. لا أحد يتحسب لخطورة انزلاق الإقليم إلى آتون الفوضى الشاملة إذا ما استمرت الحرب على غزة، واستمر نهج التدمير الشامل من جانب الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وآخرها ما حدث ويحدث فى رفح الفلسطينية ووضع سكان القطاع تحت ضغط القتل والحصار والتجويع وسط صمت دولى يكشف الوجه القبيح لنظام عالمى يدعى حماية حقوق الإنسان وحقه فى الحياة، بينما يقف مكتوف اليدين ومنكس الرأس أمام جرائم حرب مستمرة منذ عام ونصف. جرائم ضد الفلسطينيين إن عملية الإبادة التى تتم ضد الشعب الفلسطينى وجرائم الحرب اليومية التى ترتكبها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لن تفيد سوى جماعات الإرهاب والتطرف، لتصنع بها مظلومية تفتح عبرها ثغرات جديدة تمكنها من التسلل إلى عقول الشباب العربى والمسلم تحت ضغط الصور البشعة القادمة من القطاع لتجسد الجرائم وتحفظها فى العقول لتصبح ذخيرة جاهزة ترسل من أجلها المزيد من الشباب إلى محرقة الإرهاب. ربما يظن قادة إسرائيل أن السلاح والدعم الدولى قادران على حمايتهم، ولكن أوهام الغرور سقطت مرات ومرات وآخرها ما حدث فى 7 أكتوبر 2023 حينما انهارت نظرية الأمن الإسرائيلى وتهدمت الاستحكامات العسكرية والأمنية، لقد خنقت إسرائيل بجرائمها كل صوت صدح يومًا بالتعايش والسلام، ولم تترك أمام الفلسطينيين أى مسار سوى المقاومة بالسلاح ورفض أفكار التعايش المشترك بل مطاردة وتخوين من يطرح ذلك. ما جرى فى رفح الفلسطينية وتحويل المدينة إلى خراب عبر تدمير كل أشكال الحياة هو جريمة مكتملة الأركان، تنضم لسلسلة جرائم وحشية ارتكبها الاحتلال الإسرائيلى على مدار 18شهراً من الحرب المدمرة، مزقت فيها الحكومة الإسرائيلية كل تعهداتها السابقة، واستفادت من تغيير الوضع العالمى بعودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقررت الضغط على كل الأطراف من أجل حماية مصالحها وتحقيق أحلامها التوسعية، وبعد غزة طال القصف كلًا من سوريا ولبنان، وبدأت تهديدها لقصف إيران بدعم من الولاياتالمتحدة. جدوى الخطط الإسرائيلية وفى الداخل الإسرائيلى استعرت الحرب بين الحكومة والأجهزة الأمنية وأصبحت جدوى الخطط الإسرائيلية محل شك، فقد الخبراء العسكريون داخل إسرائيل استقلالهم، وأصبحت حكومة نتنياهو هى من يخطط وينفذ بحثًا عن أدوات ضغط جديدة على حماس تعوض فشلها الدائم على مدار الشهور السابقة فى القضاء على الحركة، ووفق مستويات عسكرية عديدة فإن ما تقوم به إسرائيل فى القطاع يعبر عن رغبات الحكومة دون أثر عسكرى يذكر فى مواجهة حماس، بل هو مسار يعرض حياة الرهائن للخطر ويدمر مسار البحث عن هدنة. لم تكتف حكومة نتنياهو بخسارة أرواح الرهائن بل حققت أعلى عجز تشهده إسرائيل فى الموازنة، وبحسب وزارة المالية الإسرائيلية فإن تكلفة الحرب وصلت إلى 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار) بنهاية عام 2023، وسجلت إسرائيل عجزاً قدره 19.2 مليار شيكل (5.2 مليار دولار)، ما رفع العجز الكلى لعام 2024 إلى 6.9% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة ب4.2% فقط فى عام 2023. ورهنت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية «OECD» استعادة الاقتصاد الإسرائيلى لقدراته بانحسار التوتر الجيوسياسى وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية لدعم المالية العامة والحفاظ على النمو الذى لم يصل إلى 1 %، لافتة إلى أن التضخم من المتوقع أن يبلغ 3.7% هذا العام متجاوزًا المستهدف الذى يتراوح بين 1 إلى 3%، وأن يبلغ 2.9% فى 2026. تحاول حكومة نتنياهو الضغط على كل الأطراف لتحقيق مكاسب تحافظ على وجودها وتماسكها، وذلك عبر أشكال متعددة، أخطرها العسكرى عبر توظيفه لدفع مخطط التهجير القسرى، ويأتى بعده تشتيت أى جهد عربى مشترك من خلال ترويج الشائعات لشق الصف وإجهاض الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع دون تهجير الفلسطينيين والدفع بمخطط التهجير كبديل وحيد أمام سكان القطاع. وبوعى فطرى يليق بشعب لديه حضارة عريقة وعظيمة فطن الشعب المصرى للمخطط الإسرائيلى مع قصف رفح ومع ارتفاع تكبيرات عيد الفطر، وقرر إرسال رسالة للعالم أجمع عقب صلاة العيد تفيد أن الشعب المصرى متضامن مع الأشقاء فى فلسطين، ورافض لمخطط التهجير وأنه فوض قيادته السياسية الحكيمة أن تتعامل مع المخطط وتدافع عن أمن مصر القومى. مخطط التهجير القسرى احتشاد الشعب المصرى بعد أداء صلاة العيد لرفض مخطط التهجير القسرى ومطالبة العالم بوقف الحرب ضد الأشقاء وصلت صداها لكل مكان فى العالم، وعبرت بشكل تلقائى عن مكنون الشعور المصرى الرافض لأى تحرك، وفى أعقابها كان الاتصال بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس ترامب لبحث ما أشار إليه السفير محمد الشناوى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية عن جهود الوساطة لاستعادة الهدوء للمنطقة وانعكاس ذلك إيجابيًا على الملاحة فى البحر الأحمر وتوقف الخسائر الاقتصادية لكل الأطراف. التحية واجبة لفطنة ووعى الشعب المصرى ولقيادة الرئيس السيسى الحكيمة لملف الأزمة، متسلحًا بأخلاق الفرسان والتعامل الشريف مع القضية الفلسطينية المعقدة وأطرافها المتصلبة، التى لا تعى أن الحرب المستمرة بينهم لن يكون فيها رابح ولا مهزوم، وأن الحل الوحيد هو إقامة الدولتين والتعايش المشترك وتغليب مصالح الناس على هوى السياسيين.