◄ أشقاء الأب القاتل: مجنون.. والمتهم: أنا عاقل واقعة غريبة شهدت أحداثها محافظة أسيوط، عندما أقدم رجل على ذبح طفلته الرضيعة بدون سبب منطقي سوى كلمات جوفاء يرددها المتهم فيما يشبه الهذيان مثل: «تلقيت رسالة بقتلها.. لم أتخلص منها بمزاجي.. دي إشارات علوية وأنا بنفذها».. هذه المبررات تضعه مباشرة تحت شكوك الجنون، وهو ما ذهب إليه إخوته الذين يرددون في كل مكان أن شقيقهم يعاني من خلل عقلي دفعه لارتكاب هذه الجريمة البشعة، وفي المقابل المتهم نفسه يردد أنه عاقل ومسئول عن كل أفعاله، ولكن هذا لا يعني أنه عاقل بالفعل؛ فليس هناك «مجنون» يدرك أنه «مجنون» وليس هناك عاقل يقول على نفسه إنه مجنون.. القضية مازالت مليئة بالتفاصيل والمفاجآت التي سنذكرها في السطور التالية... وإلى التفاصيل.. داخل بيت ريفي في قرية ديروط الشريف، التابعة ل محافظة أسيوط، نشأ عماد ماهر، رجل في منتصف الثلاثينيات من العمر، فلاح، متزوج ورزقه الله بالبنات والبنين، أصغرهم طفلة اسمها قمر، لم تبذل قمر جهدا كبيرا في نشر البهجة والسعادة على أركان البيت، عندما ولدت انطلقت أشعة الشمس لتصل لخديها فانعكست إلى السماء مرة أخرى، لم تكن صدفة أن تولد ليلة اكتمال القمر من الشهر، يبدو أنه كان يعلم بموعد قدومها إلى الحياة، قمر وهي قمر، رغم أنها ليست أول ابنة لهم ولكنها حظيت باهتمام ورعاية كل من البيت؛ لكن الملاك الصغير أيامها في الحياة كانت معدودة، لم يتخيل أحد أنها سترحل سريعا عن عالمنا وبأبشع طريقة، عندما قُتلت على يد أب لا يعرف للرحمة طريق، خلع عباءة الأبوة وارتدى عباءة الشيطان، وقتل فلذة كبده بدم بارد، ولكن قبل أنه نعرف لماذا قتلها.. هناك تفاصيل كثيرة حدثت في حياة ذلك الأب. هذيان.. وادعاء النبوءة حياة «عماد» كانت طبيعية جدًا، يسافر للعمل في القاهرة ثم يعود كل أسبوعين لبيته، مرت الأيام ولكن تبدل الحال، فترك عمله في القاهرة نهائياً وعاد لبلده وبدأ يعمل في أكثر من مهنة، شغله الشاغل هو البحث عن مصدر رزق بالحلال حتى لا يحرم أطفاله من شيء، لكنه سلك طريق المخدرات ومن هنا بدأت تتغير أحواله وتصرفاته، يهذي بكلمات غير مفهومة، يدعي النبوءة أحياناً، يزعم أن العصافير تتحدث معه، وأنا هناك من يسير خلفه يريد أن يتخلص منه. اقرأ أيضا| بسبب أولوية المرور بالطريق.. مصرع شخصين وإصابة 4 في مشاجرة بأسيوط أوهام وهواجس سيطرت عليه، أسرته شعرت بالخوف عليه، فعرضوه على أكثر من طبيب نفسي، ولكن أحواله ظلت كما هي، فاتخذوا قراراهم بإيداعه إحدى المصحات النفسية، لكن للأسف لم يمهلم القدر لتنفيذ مخططهم وإنقاذ شقيقهم، فاستيقظوا على جريمته البشعة بعدما أقدم على قتل طفلته. رسالة علوية عقارب الساعة تشير للثامنة صباحًا، في هذا اليوم لم ينم عماد، ظل مستيقظًا طوال الليل، شارد الذهن، تتقاذفه الأفكار السوداء، وبمجرد أن خرجت زوجته من البيت، اتجه نحو غرفة ابنته «قمر»، كانت تشبه الملاك، وقف على الباب ينظر إليها وبكل قسوة وجحود اقترب منها، انتزع شاله الأبيض من حول رقبته وحاول خنقها، لكنها لم تمت، فأسرع للمطبخ واستل سكينًا وذبحها من رقبتها، وخرج يجلس أمام البيت ممسكاً السكين ويده ملوثة بالدماء.. حالة من الفزع انتابت الجيران فأبلغوا الشرطة، وتم اقتياده للقسم وهناك وقف أمام رئيس المباحث، فقال: «بعترف إنى قتلت بنتي.. أنا مش بعاني من أي أمراض نفسية، ومعنديش سوابق.. أنا معترف أني قتلتها». ثم بدأ يسرد تفاصيل ما حدث، فقال: «اللي حصل جاتلي رسالة من شهر رمضان اللى فات إن أنا نبي، والعصافير كانت بتكلمنى، وناس كتير كانوا عاوزين يموتونى أنا وعيالى، لكن ربنا نجانى، وبعدين جاتلي إشارة إن لازم حد يموت، وإني أقتل ابنى ومراتى، لكن أنا مرضيتش، وبعدين جاتلى رسالة تانى إنى لازم بنتي قمر تموت». وأضاف: «فى يوم الواقعة، الساعة 8 الصبح، بنتي «قمر» كانت نايمة فى الأوضة، وأنا كنت لسه صاحي من النوم، فرحت عليها وهى نايمة على ظهرها، وأنا كان معايا شال أبيض وحاولت أخنقها بالشال وأكتم نفسها، لكن هى ماماتتش، وبعدين رحت جبت السكينة من المطبخ ودبحتها من رقبتها».. تم حبس المتهم وتحولت القضية للجنايات. شقيق المتهم للمحكمة: كنا هنوديه مصحة وملحقناش شهدت جلسات محاكمة المتهم أحداث مثيرة، شقيقه أكد أنه يعاني من مرض نفسي، وشهد أمام المحكمة، وقال: «عماد بعدما ترك العمل في القاهرة بدأت تصرفاته تبقى غربية وبيقول إنه إله وإنه نبي، وبقى يكسر فى حاجة البيت ويحرق فى هدومه وبتجيله هلاوس إن فيه ناس حواليه بيكلموه فأخدناه على دكتور مخ وأعصاب فى ديروط، وكشف عليه وقالنا إن عنده انفصام فى الشخصية، وكتب له علاج، وكان بيرفض ياخد العلاج، وكان كل شوية بيزعق لنا ويقول إبعدوا عنى، أنا نبى من عند ربنا والإشارات بتجيلى كل شوية، وعرفنا إن فيه دكتور نفسى فى المنيا عنده مصحة، وقررنا نعرضه عليه، ولكن الصبح صحينا على صويت والناس بتقول إن عماد أخويا قتل بنته قمر ودبحها بالسكينة وده اللى حصل». الحكم بإعدام المتهم فقررت المحكمة إيداع المتهم 45 يومًا بأحد المنشآت الصحية النفسية للفحص، وانتداب لجنة خماسية من الأطباء لفحص حالته النفسية والعقلية وإعداد تقرير شامل، وأرسلت مستشفى الصحة النفسية بالعباسية خطابًا يفيد بأن المتهم ما زال تحت الملاحظة والفحص ويحتاج إلى مدة إضافية لإعداد التقرير، ثم جاء التقرير النهائي، وثبت للجنة الفحص أن المتهم لا يعانى من أى أعراض دالة على وجود اضطراب عقلى أو نفسى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكابه الواقعة محل الاتهام يفقده أو ينقصه الإدراك والاختيار وسلامة الإرادة والتمييز والحكم الصائب على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب، مما يجعله مسؤولاً عن الاتهام المسند إليه، لتسدل محكمة جنايات أسيوط بعد هذا التقرير الستار على تلك الجريمة، فقضت المحكمة برئاسة المستشار وليد سيد الأمير، وعضوية المستشارين محمد أبو القاسم محمد وأحمد عصمت الزيني، وأمانة سر صلاح تمام وأحمد عبد العال، بإعدام المتهم.