مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تعاني أوروبا من أزمة قرار بشأن تقديم دعم عسكري واسع النطاق لكييف، ورغم أن الحاجة إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية تبدو ملحة، فإن الخلافات السياسية والمصالح المتباينة بين دول الاتحاد الأوروبي تُعرقل تنفيذ خطط الطوارئ المُقترحة. وبينما تبذل الدبلوماسية الأوروبية جهودًا مكثفة لتوفير تمويل عسكري ضخم، تتراجع حظوظ هذه المبادرات أمام تردد الدول الكبرى وعدم استعدادها لتحمل أعباء إضافية. حيث سعت كبيرة الدبلوماسيين الأوروبيين، كايا كالاس، لحشد 40 مليار يورو من المساعدات العسكرية بهدف تعزيز موقع أوكرانيا في ساحة المعركة وتقوية موقفها التفاوضي مع روسيا، لكن مع انتهاء اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بدت الخطة في حالة يرثى لها، ورغم أنه لم يتم التخلي عنها رسميًا، لكنها تقلصت إلى ما هو أبعد بكثير من طموحاتها الأصلية. اقرأ أيضًا| أوروبا تشلّ مفاوضات ترامب وبوتين بشأن الحرب الروسية الأوكرانية فشل في التخطيط.. البداية الخاطئة تعقد المسار يرى دبلوماسيون أوروبيون أن مشكلات الخطة بدأت منذ اللحظة الأولى، إذ لم تحصل كالاس، على موافقة مسبقة من أصحاب القرار الرئيسيين. ووصف أحدهم الأمر بأنه "إدارة فاشلة"، حيث تم تقديم المقترحات دون تنسيق كافٍ، وكان الهدف الأولي للخطة يتمثل في تزويد أوكرانيا بمليون ونصف مليون طلقة مدفعية بحلول عام 2025، لكن سرعان ما تم إجهاض الفكرة باستخدام الفيتو المجري، مما دفع كالاس إلى البحث عن بدائل أخرى، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية. يختلف حماس الدول الأوروبية تجاه دعم أوكرانيا في ميدان الحرب الروسية الأوكرانية وفقًا لقربها من التهديد الروسي، فبينما تتصدر دول شرق وشمال أوروبا قائمة المؤيدين، تظل دول جنوب أوروبا أقل اندفاعًا، والأمر لا يقتصر على ذلك، بل حتى فرنسا، التي تُعتبر أكبر قوة عسكرية داخل الاتحاد الأوروبي، لم تبادر بدعم الخطة بقوة، ما أضعف فرص نجاحها. مع تصاعد المعارضة، قدمت كايا كالاس، مُقترحًا جديدًا أكثر تواضعًا، يقضي بتخصيص 5 مليارات يورو فقط لشراء ذخيرة مدفعية ثقيلة، وأكدت أن هذه الكمية مُتاحة في الأسواق ويمكن تسليمها خلال عام 2025. فيما دعم الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي هذا الطرح، مُخاطبًا قادة الاتحاد الأوروبي عبر الفيديو، مشددًا على الحاجة الملحة لتوفير الذخيرة، لكن رغم تقليص الأهداف، لم تحصل الخطة على الزخم المطلوب، مما جعل تنفيذها موضع شك. لتلحق ضربة قوية أخرى للخطة عندما أصرّ سفراء فرنسا وإيطاليا وسلوفاكيا على أن يكون تقديم المساعدات "طوعيًا"، بدلاً من فرض التزام مُشترك على جميع الدول الأعضاء، حيث خفف هذا التعديل الضغوط على الدول غير الراغبة في المُشاركة، لكنه في الوقت ذاته قوض فعالية المبادرة، حيث أصبحت تعتمد على مساهمات غير مضمونة. اقرأ أيضًا| من الحرب إلى المفاوضات.. بوتين يقلب الطاولة على ترامب في ملف أوكرانيا أخطاء دبلوماسية ولم يكن التردد الأوروبي ناتجًا فقط عن قيود الميزانية أو التفضيل المتزايد لتقديم الدعم الثنائي بدلاً من المساعدات الجماعية، بل تفاقمت المشكلة بسبب سوء التنسيق، ولم تجرِ كالاس مشاورات كافية مع الدول الأعضاء قبل طرح خطتها، مما أدى إلى ردود فعل سلبية، فيما علق أحد الدبلوماسيين من أوروبا الوسطى قائلاً: "لا تزال تتصرف كرئيسة وزراء، ولم تدرك بعد أنها الآن في منصب دبلوماسي مختلف تمامًا". وتمثل أحد الأخطاء الجوهرية، في عدم ضمان دعم دول رئيسية مثل فرنسا، إلى جانب شخصيات نافذة في المفوضية الأوروبية مثل بيورن سيبرت، الذراع اليمنى لرئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، ووفقًا لعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، كان هذا القصور في التنسيق أحد الأسباب الرئيسية وراء انهيار الخطة قبل أن تبدأ فعليًا. عقبات الوحدة الأوروبية يبرز فشل كايا كالاس، في تنفيذ خطتها مدى تعقيد توحيد مواقف الدول السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، فبين المصالح المتضاربة والرؤى المختلفة، يصبح من الصعب تمرير مبادرات كبرى دون توافق مُسبق، حيث علق أحد الدبلوماسيين الأوروبيين مُستنكرًا: "إذا كنا نُؤكد دائمًا على أهمية الوحدة، فمن الضروري أيضًا أن تُطرح مثل هذه المبادرات بطريقة مُتفق عليها مُسبقًا". ورغم الانتكاسة التي تعرضت لها مبادرة كايا كالاس، لا تزال أوكرانيا تتمتع بدعم كبير داخل الاتحاد الأوروبي مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وكما جرت العادة، أصدرت 26 دولة، باستثناء المجر، بيانًا مشتركًا يؤكد استمرار دعم استقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها، إلى جانب التزام بتقديم مساعدات مالية مستدامة، أما رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، فوجد نفسه معزولًا في موقفه الرافض. حيث اختار أوربان مسارًا منفصلًا عن باقي دول الاتحاد، متبنيًا نهجًا وُصف بأنه يتعارض مع المصالح الأوروبية وحتى مع مصلحة بلاده، وعلق أحد الدبلوماسيين قائلاً: "لقد قرر أوربان العزلة السياسية، مُفضلاً نهج الديمقراطية غير الليبرالية، رغم أن ذلك لا يخدم لا الاتحاد الأوروبي ولا حتى المجر نفسها"، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية. ورغم العقبات، تتواصل الجهود لدعم أوكرانيا، حيث أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن قمة جديدة ل"تحالف الدول الراغبة" ستعقد الخميس المُقبل في باريس، حيث من المتوقع أن يحضر الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي الاجتماع، في محاولة لحشد دعم إضافي وسط تعثر الجهود داخل الاتحاد الأوروبي. اقرأ أيضًا| صفقة القرن الجديدة.. ترامب وبوتين يُناقشان إعادة توزيع النفوذ في أوكرانيا