عبر عدة سنوات ارتبط شهر رمضان مع الأديب والمفكر الجزائرى أمين الزاوى بذكريات عديدة من بينها انتهاؤه من كتابة وإصدار أكثر من رواية خلال الشهر المبارك، مثل: «لها سر النحلة»، و«الخلان»، و«نيرفانا»، و«الأصنام»، وغيرها، و«الزاوى»، يكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويعمل حاليًا أستاذًا للأدب المقارن بجامعة الجزائر العاصمة، محاضر زائر فى عدة جامعات عربية ودولية، وأصدر العديد من الروايات، منها: «صهيل الجسد»، و«الرعشة»، و«الملكة»، و«شوينغوم»، و«منام القيلولة»، ترجمت أعماله إلى أكثر من عشر لغات، ونال العديد من الجوائز والتكريمات، وعندما التقيته فى القاهرة تحدثنا كثيرًا عن علاقته بشهر رمضان الكريم، وطقوسه وذكرياته، وكان هذا الحوار.. اقرأ أيضًا | تعرف على أهم أعمال النبي في العشر الأواخر من رمضان ماذا يعنى لك شهر رمضان الكريم، وما أهم ذكرياتك؟ صدقًا، وبدون مزايدات، شهر رمضان شهر مختلف عن باقى الأشهر، من حيث الشعور بالوقت وبالآخر وبالفضاء، وقد عشت أجمله وأعمقه حين كنت طفلًا بين أفراد أسرة متعددة، فأنا أخ لسبع بنات، وكان رمضان فرصة للحديث المباشر والمفتوح مع والدى والاستماع إليه، وفى هذا الشهر بدأت أعى قوة حضور المرأة فى المجتمع كقوة عمل وإنتاج؛ كان ذلك من خلال شخصية أمى وأخواتى، وكان هذا الشهر فرصة لجمع الأقارب بكثير من التسامح والمحبة والقناعة، وكان شهرًا تسقط فيه العداوات بين أفراد العائلة، وكانت الممارسات الدينية لها طقوسها الروحية العميقة بعيدًا عن أمراض السياسة والتعصب والمتاجرة بالدين، اليوم، للأسف أصبح المسلمون يجرون وراء الاستهلاك فى كل شىء، فى الأكل كما فى التسلية الفارغة، مما أذكره حين كنت طفلًا صغيرًا؛ كان والدى يمنعنى من الصيام، وحين أصر على ذلك يقول لى «صم نصف اليوم من الصباح حتى الظهر، وفى اليوم التالى صم من ساعة الظهر حتى المغرب وبعد ذلك سوف أرقع لك الفترتين ليشكل يوم صيام كامل» وكنت أفعل ما يقوله لى، ويوم العيد أجد نفسى سعيدًا لأننى صمت أيامًا على شكل أنصاف متقطعة والفضل لأبى أنه رقعها بإبرة خاصة. هل قراءاتك تختلف فيه عن بقية الشهور؟ الواقع أن القراءة بالنسبة لى أكسجين يومى لا يمكننى العيش بدونه، كان ذلك فى أيام الإفطار أو الصيام، القراءة قبل الكتابة، ولا كتابة بدون قراءة، وكل قراءة لها طقوسها بالنسبة لى، فقراءة الرواية وكتب السرد بشكل عام ولأنها تتميز بالإمتاع الجمالى واللغوى والتخيلى تكون عادة فى الليل، وهى ما أسميه بقراءة السرير تتم عادة تحت ضوء المصباح الشخصى، إذ لا يمكننى النوم دون قراءة ساعة على الأقل، الشعر أستدعيه كلما كنت فى حيرة أو سؤال أو بحث عن نص سردى، هى قراءة المصاحبة، أقرأ الشعر كثيرًا وأنا أكتب الرواية، أتحدث هنا عن الشعراء العالميين الكبار من أمثال بول إيلوار ولويس أراغون وماياكوفسكى ونيرودا وسعدى يوسف وأدونيس والحلاج والشريف الرضى وغيرهم، أما قراءة الكتب الفكرية فهى قراءة، تتطلب حضورًا ذهنيًا كاملًا، لذا فقراءتها تكون فى النهار، خاصة بعد القيلولة. وأما القراءة فى رمضان فهى عندى غير مرتبطة ببرنامج صارم، إذ هذا الشهر يجعلنى أعيد ربط عوالمى الروائية والفكرية بالكتب الدينية الإشكالية، مرات أعيد قراءة أجزاء من صحيح البخارى فى ضوء ما قدم عن هذا الكتاب من نقود فقهية وتاريخية جدلية، وفى رمضان تشدنى كتب التراث التى أثارت ضجيجًا فى تاريخ المعرفة العربية والإسلامية؛ إذ يحدث أن أعيد قراءة «رسالة الغفران» للمعرى، وفى كل مرة أجد فيها أسئلة محرجة، وأقرأ كتب الأساطير الإنسانية إذ أشعر بأنها تعطينى قوة روحية فى محاولة فهم العالم عبر بوابة الروح لا التاريخ ولا الدين ولا الفلسفة. ما طقوسك الخاصة بهذا الشهر؟ الواقع إن طقوسى الرمضانية خارج الفعل الثقافى والقراءة والكتابة، تتركز على أن تكون أيام الشهر متصلة بالأيام الأخرى فى السنة، فأنا إنسان غير أكول، أحاول معية زوجتى الروائية والشاعرة «ربيعة جلطى» أن تكون مائدتنا الرمضانية بسيطة جدًا، لذا فلست من الذين يجرون وراء قضايا الاستهلاك، أقوم صباحا فى حدود الساعة التاسعة، إذا لم أكن مرتبطًا بمحاضراتى فى الجامعة، أجلس فى مكتبى وأبدأ فى كتابة مجموعة من الأفكار التى باتت تؤرقنى فى النوم وقبله، وانطلاقًا من هذه الأفكار أعمل على تطوير شخصياتى فى روايتى الجديدة، حتى حدود الساعة الثانية مساء، وقد أشتغل بعض الوقت فى ترتيب حديقة البيت، فعلاقتى مع أشجار الزينة والنباتات والأرض علاقة عضوية، كلما دخلت هذا العالم أشعر بأن للأشجار والنباتات والورود أرواحا مجنحة، إذا ما أحسنت الاستماع إليها فإنها تتحدث إليك بلسان فصيح، قبل الإفطار بساعة تقريبا ندخل ربيعة وأنا إلى المطبخ ونبدأ فى تحضير المائدة، كل شيء عفوى، ونحضر ما هو موجود، أحب أن أطبخ فى رمضان كما فى أيام الإفطار، أحضر كل أشكال الطبخ وأنواعه باستثناء الكسكسي، فأنا لا أحسن تحضيره ولم أجرب ذلك يومًا، لكن طبخات المرق والسمك والسلاطة أقوم بها كما يجب وما يعجبنى فى مائدة رمضان هو صينية القهوة بالتمر وبعض الحلويات رغم إننى لا أحب الحلويات. ما أهم أعمالك الإبداعية المرتبطة بشهر رمضان؟ يحدث هذا وبشكل طبيعى جدًا، ودون ترتيب مسبق، إذ إن أغلب رواياتى أنهيت كتابتها فى رمضان، ومن بينها أذكر: «لها سر النحلة»، و«الخلان»، و«نيرفانا»، و»الأصنام»، وغيرها، وفى رمضان هذه السنة، أنا على وشك الانتهاء من روايتى الجديدة، فقد انتهيت من كتابتها الثانية وأنا أعيد كتابتها وتدقيق نسختها الثالثة والأخيرة، وستكون جاهزة مع نهاية هذا الشهر الكريم، لن أفصح عن عنوانها هنا، وسأترك ذلك إلى ما بعد رمضان، فهى رواية تتحدث عن فلسفة الطفولة الواقعة ما بين الملائكية والشيطانية، وهى نص قائم على «عالم العفوية» الذى سمح لى وبكثير من الحرية الخيالية؛ الاستثمار فى العجائبى مع الاستناد إلى الواقع والتاريخ، وهى رواية أيضا تمنح قليلًا من السيرة الذاتية لجيل كامل هو جيلى؛ بما فيها من أحلام وشقاء وتحد. وما طقوس الكتابة؟ الكتابة فى رمضان لها شهية خاصة، لأننى أشعر بالتحرر من مواعيد كثيرة، وكلما شعرت بكسل عند الآخرين، وهو ما ألاحظه للأسف فى الحياة العامة للناس الصائمين، أشعر بطاقة كبيرة تستيقظ في، وشهية الكتابة قبل شهية الأكل، لأننى إذا ما شعرت بامتلاء البطن يفرغ الرأس من الخيال، فى رمضان لا شهية للأكل بدون شهية الكتابة، لكن مع ذلك أشعر بأن رمضان هو أفضل شهور للكتابة والقراءة.